يُشكل الاستثمار في الصناعات الدفاعية أحد أهم التوجهات الاستراتيجية التي تتبناها دولة الإمارات العربية المتحدة منذ عقود، ليس فقط لما تمثله هذه الصناعات من مؤشر تنموي يواكب تطلعاتها لمرحلة ما بعد عصر النفط فقط، وإنما لما تنطوي عليه هذه الصناعات من قيمة سياسية واستراتيجية باعتباره ركيزة حيوية للسيادة الوطنية تعزز استقلالية القرار السياسي للدولة، وتحافظ على أمنها الوطني ومصالحها الاستراتيجية العليا.
تناول الكاتب يوسف جمعة يوسف الحداد في كتابه بعنوان "الصناعات الدفاعية في الإمارات من منظور القوة الشاملة للدولة" أوجه العلاقة بين الصناعات الدفاعية وعناصر القوة الشاملة لدولة الإمارات في أبعادها السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والاستراتيجية والتكنولوجية والبشرية، على اعتبار أن الصناعات الدفاعية والأمنية هي تجسيد واضح لقوة الدولة، وما تتمتع به من موارد وقدرات تتيح لها بناء صناعة دفاعية تتسم بالاستدامة والتطور المستمر، في ظل السياسية الخارجية التي تتبناها دولة الإمارات، وما تتسم به من مصداقية وفاعلية. كل ذلك يتيح فرصا مهما للصناعات الدفاعية والأمنية من خلال تعزيز الشراكات مع الدول صاحبة الخبرات والتجارب في هذا القطاع الحيوي. كما أن عملية نقل التكنولوجيا الخاصة بالصناعات الدفاعية والعمل على توطينها تنعكس إيجابيا على القطاعات الأخرى كافة.
وأكد أن القيادة الرشيدة لدولة الإمارات قدمت الدعم الكبير للصناعات الدفاعية وعملت على تطويرها كي تكون قادرة على المنافسة على الصعيد العالمي وذلك من منطلق رؤيتها الشاملة للصناعات الدفاعية ضمن فلسفة تطوير القوات المسلحة ولطبيعة دورها في تعزيز مرتكزات القوة الشاملة لدولة الإمارات.
كما تطرق الكاتب لعدد من التجارب العربية التي انخرطت في الصناعات الدفاعية وعملت على امتلاك أدواتها، مؤكدا بأن تجربة المملكة العربية السعودية تعد من التجارب العربية والإقليمية الصاعدة في مجال الصناعات الدفاعية، فقد عملت المملكة منذ سنوات على توطين هذه الصناعات بالاتفاق مع شركات عالمية حيث تم إنشاء خطوط إنتاج لها في السعودية، بحيث يكون ما تستهلكه السعودية من أسلحة مصنعاً محلياً بنسبة %50 في عام 2030. كما اعتمدت السعودية استراتيجية استغلال عقود مشترياتها من السلاح بوضع شروط لاستثمار نحو %35 من قيمة الاتفاقيات لنقل التقنية، والتأسيس لصناعات عسكرية إلكترونية متقدمة محلياً.
وسلط يوسف الحداد في كتابه الضوء على طبيعة الصناعات الدفاعية المركبة التي تعد من القطاعات التي تتطلب توافر مقومات عديدة لا تتوافر في كثير من الدول النامية، خاصة فيما يتعلق بكيفية التعامل مع التكنولوجيا الحديثة والعمل على توطينها، وبناء قاعدة من الكوادر الوطنية المؤهلة للانخراط في هذه الصناعات، فضلاً عن ضرورة توافر منظومة متقدمة من مراكز البحوث العلمية التي تواكب التطور في هذه الصناعات.
وأكد أن هناك علاقة طردية إيجابية بين التطور الذي تشهده دولة الإمارات في مختلف المجالات، كالتعليم والتنمية البشرية والبحث العلمي والتكنولوجيا المتقدمة، وبين التطور الذي تحققه الصناعات الدفاعية والعسكرية، فكلما حققت الدولة إنجازا في أي من هذه المجالات انعكس بشكل إيجابي على الصناعات الدفاعية والعسكرية. كما أن هناك علاقة طردية إيجابية بين التطور الذي تحققه الصناعات الدفاعية وتزايد منحنى القوة الشاملة للإمارات في أبعادها المختلفة (العسكرية والسياسية والاستراتيجية والاقتصادية والبشرية والتكنولوجية).
وأشار الكاتب إلى أهم المقومات التي ترتكز عليها الصناعات الدفاعية في دولة الإمارات، والقطاعات الرئيسية لهذه الصناعات، سواء فيما يتعلق بصناعة الطائرات والأسلحة والذخائر، أو أنظمة الجنود، أو صناعة الإلكترونيات وتقنية المعلومات والاتصالات، أو صناعة الآليات البرية وصناعة السفن والأنظمة البحرية وصناعات الفضاء، والتي تشير في مجملها إلى أن دولة الإمارات بدأت مرحلة جديدة في مسيرة التقدم الحضاري، كون هذه القطاعات تعتمد على التكنولوجيا الدقيقة والعلوم المتقدمة.
وأكد الكاتب يوسف الحداد أن عوائد الاستثمار في الصناعات الدفاعية متعددة، عسكريا وأمنيا وسياسيا واقتصاديا وتكنولوجيا وبشريا، وينعكس ذلك على القوة الشاملة لدولة الإمارات. وأشار إلى أن دولة الإمارات تمتلك كل المقومات (الجغرافية والبشرية والتنظيمية والتشريعية والعلمية والتقنية) التي تجعل منها مركزا إقليميا للصناعات الدفاعية المتطورة في المنطقة خلال السنوات المقبلة.
يذكر أنه تم تقسيم الكتاب إلى مقدمة وثمانية فصول وخاتمة، حيث تناول الفصل الأول "الإطار النظري والمفاهيمي للصناعات الدفاعية والعسكرية"، وتناول الفصل الثاني "نشأة وتطور الصناعات الدفاعية في الإمارات"، وعرض الفصل الثالث "دور القيادة في دعم الصناعات الدفاعية في الإمارات"، وتناول الفصل الرابع "منظومة المؤسسات التي ترتكز عليها الصناعات الدفاعية في الإمارات"، أما الفصل الخامس فكان تحت عنوان "الصناعات الدفاعية في الإمارات على طريق التنافسية العالمية"، وعرض الفصل السادس "ريادة الإمارات في تنظيم المعارض الدفاعية والأمنية"، والفصل السابع كان بعنوان "دور الصناعات الدفاعية في تعزيز القوة الشاملة لدولة الإمارات"، والفصل الأخير بعنوان "مستقبل الصناعات الدفاعية في الإمارات".