خبر

بقية أي شيء يخطر على البال لها اسم في اللغة العربية

وضِع في العربية، الكثير من المعجمات، أشهرها ما يتعلق باللغة، حصراً، لبسط معاني المفردات وأصلها وما حل بها، بعد دخولها في اشتقاق أو صرف، أو الكشف عن كونها دخيلة أو معربة.

لكن وضع المعجمات، لم يقف عند جمع الكلمات التي يتداولها العرب وكشف معانيها، بل تعددت المعجمات لتصبح، في الشعراء، في طبقات الشعراء، في مقاييس اللغة، في الأمثال، في فصاح العربية، في النُّحاة، في أسماء الأشياء، في غريب كلام العرب، في الملابس. حيث أفرد لكل مما سبق، معجمات وضعت في فترات متتالية، وصارت العودة إلى واحد منها، ضرورة لغوية وثقافية وأحياناً، تاريخية واجتماعية.

المعجمات وضعت الأساس لما يتداوله العرب، من كلام، قديمه وجديده، غريبه ومألوفه ومهجوره. هذا أدى بحكم الضرورة، لاستنباط معجمات من معجمات، فاستند اللغويون إليها، ليخرج كل واحد منهم، بمعجم يخصه وحده، فتوسّع التعامل مع اللغة، وصار من الممكن وضع مصنف، مثلاً، في أسماء بقية الأشياء، أي اسم بقية الشيء، أي شيء في العربية، وهذا مستنبط بالضرورة من كلام العرب الذي سبق وصنّف في معجمات، فسهلت على اللغويين اللاحقين، اختراع أفكار، كان منها معجم بقية الأشياء.

ابن الأحواز العربية التي ضمّتها إيران عام 1925

يوجد في العربية، معجم حمل هذا الاسم: (المعجم في أسماء بقية الأشياء) وهو مصنف صغير الحجم إلا أنه كبير الفائدة، نظراً لما تضمنه من جمع لأسماء ما يتبقى من أشياء في اللغة العربية، من مثل (الآسُ) وهم اسم بقية العسل في موضع النحل، وكذلك هو بقية الرماد. ومن مثل (البسيلُ) وهو بقية الشراب تبقى في الإناء. إلى آخر أسماء بقايا الأشياء.

قام أبو هلال العسكري، وهو الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران، والمتوفى في نهايات القرن الرابع الهجري، وهو من منطقة مكرم عسكر التابعة لـ (الأحواز) العربية التي ضمّتها إيران إلى أراضيها، عام 1925 للميلاد، بوضع المعجم في أسماء بقايا الأشياء، مقراً أن كتابه قد "صغر حجمه" لكنه في الوقت نفسه قد "كثر نفعه" وذلك "للدلالة على سعة لغة العرب"، حسب ما أورده في تقديمه لكتابه المذكور.

والعسكري الذي ترك للعربية، كتبا هامة ككتاب الفروق اللغوية وكتاب الصناعتين وكتاب التلخيص في معرفة أسماء الأشياء، وكان فيه أنفة، فعمل في البيع والشراء في السوق، ليعيش بكرامة، يعرف قيمة المعجمات وأثرها البالغ على ديوان العرب، الشعر، فيقول: "ومعلومٌ أن من يطلب الترسّل وقرض الشعر، كان محتاجاً لا محالة إلى التوسع في علم اللغة خاصة، لتكثر عنده الألفاظ، فيتصرف فيها بحسب مراده".

وانطلاقاً من قيمة ربط "كثرة الألفاظ" لصانع الشعر، كي تزداد المساحة التعبيرية لديه، ينضم معجم أسماء بقية الأشياء، في العربية، إلى تلك الثروة اللفظية، وما فيها من "الغريب" بحسب العسكري، كما أن من فوائدها الجمة، تعريف قارئ آداب العربية بمعاني كلمات قد يقع عليها، في مصنفات كثيرة، دون أن يكون هناك إحاطة كاملة بالمعنى المتداول للمفردة، أو الغريب. من مثل مفردة "الأُبلّة" التي ترد في الأماكن، وهي اسم "باقي التمر في أسفل الجلّة (وعاء لتخزين التمر)".

لهذا نقول: فلانٌ يتلمّظ!

كلمة (الوَلتُ) تقال لبقية العجين وبقية الماء، وكذلك الوَلتُ هو البقية من الضَّرب والوجَع، والولت لبقية النبيذ، وكذلك ما تبقّى من العهد. كل ذلك، بقيته: الولْت.

الخُلاصة التي نستعملها اليوم، بكثرة، يوردها العسكري على أنها "ما بقي في أسفل البرمة (القِدر) من الخِلاص" والأخير هو ما أخلصته النار من الذهب والفضة. وتقال لما بقي من اللبن أيضاً.

ونقول اليوم عن من يتكلّم ولا نرضى بما يقول، إنه "يتلمّظ" ومردّ ذلك، إلى أن بقية الطعام في الفم، تسمّى "اللُّماظة" ثم يأتي "التلمّظ" ليكون متابعة ما تبقى من "اللّماظة" عبر اللسان، في الفم. وفي اللهجة المصرية، تستعمل كلمة "اللماضة" للإشارة إلى ثقل في سلوك أحدهم، وفاعل اللماضة، يسمى "لمض" في العامية المذكورة، وهي من التلمظ المذكور واللماظة، مع قلب الظاء ضاداً. وفي (القاموس المحيط) تضح دلالة اللماظة أكثر، حيث من استعمالاتها ما يشير إلى استفزاز الآخر وإغضابه.

بقية الليل واللبن وآخر السهام

أمّا الصُّبابة، فهي ما يبقى في الإناء من الشراب بعدما شُرِبَ. والرَّفض بتحريك الفاء وتسكينها، فهي ما يتبقى من ماء ولبن، في الوطب (يكون فيه اللبن والعسل ومن أسماء الثدي).

ونقول عند تشوّش الرؤية على الزجاج مثلا، الغبش، والأخير يقال لبقية الليل. ويبدو أن مصدر الاستعمال الحديث للغبش، هو من بقية الليل حيث تكون الرؤية ناقصة أو بين المنعدمة والناقصة.

ومن بقايا الأشياء الجميلة، الهُشامة، وهي ما يبقى على الأرض من الحطب بعدما حُمِل. وبقية مهجورة هي (الحضج) وهي الماء الخاثر يبقى في حوض الإبل.

والغُبرُ هو بقية اللبن في الضرع. والأهزعُ يقال لبقية السهام أو آخرها، ويقال له هِزاعٌ، وتطلق المفردة على بقية الشحم أيضاً.

ومن المهجور، الهَوجَل، وهو بقية النعاس. أمّا الجُرامة فهي ما يبقى في النخل من الرطب بعدما جُرِم. وحروف الجيم والراء والميم، يتولد منها ما سبق، والجريمة والجُرم والجَرم.

وتأتي كلمة التّريكة، وجمعها ترائك، وهي بقايا تبقى من الكلأ في أمكنة "لا تصل إليها الرواعي" يوضح العسكري الذي يضيف أن التريكة هي أيضاً، روضة يغفلها الناس فلا يرعونها. ويظهر أنها من التَّرك والمتروك.

الذبابة بقية الدَّين لأنها تؤذي صاحبها!

ومن بقية الأشياء الطريفة، تأتي كلمة الذُّبابة، وهي بقيةٌ من الدَّيْن، ويوضح العسكري أن بقية الدّين سميت ذبابة "لأنها أذى على صاحبها!".

وترد كلمة الشراذم، وتستعمل في التبعثر والقلة والفوضى، من مثل ما يقال الآن "شراذم جيش النظام السوري" أي ما تبقى منه، ويؤكد العسكري صحة استعمالها،

فيقول إن الشرذمة بقيةٌ من الشيء. وكانت العرب تقول "شراذم النّعال" أي بقايا النّعال. أمّا بقايا المرض، فهي العقابيل.

وتقابلنا كلمتا الغِرْيَن، وهي ما يتبقى من طين في أسفل الحوض. ويوجد منطقة على شاطئ نهر الفرات في محافظة الرقة السورية، تسمى "الغرين" تابعة لمدينة (الطبقة) التي احتلها تنظيم داعش، ثم طردته منها قوات سوريا الديمقراطية. وكان يظن أنها كلمة أجنبية، ويبدو أن الغِرْيَن العربية هي الأصل، لأن العسكري يشير إلى شبيهة بها، وهي الغِرْيَل، ويشار بها إلى الطين أو بقيته أو ترسّب أي شيء، وكان يظن أنها دخيلة، أيضا، لكن يبدو من سرد العسكري أنها هي الأصل، ولو كانت غير ذلك، لقال.

وكلمة (الشوايا) يقول العسكري إنها لبقية قومٍ هلكوا، والواحدُ منهم، شويَّة.

والوزيم بقية المرق في القدر. والشليّة من كل شيء، بقيته. والحُذافة بقية الطعام. والرّمَق بقية النّفْس، والحشاشة أيضا بقية النفْس، وكذلك الذّماء. والآصية ما يبقى من الطعام على المائدة. والروضة بقية الماء في الغدير وجمعها رياض. والزَّهَم بقية شحم الدابة. والشَّول بقية الماء في القربة. والقُرارة ما يبقى من المرق اليابس في القدر. والخُلّة ما يبقى في الشتاء من الشجر. والجَريدة، البقية من المال. وتأتي الضرير، لتكون بقية الجسم وتقال لبقية النفْس، هي الأخرى.