في يناير من العام 1992، اجتمعت نخبةٌ من النقَّاد والصحافيين ومحرّري الصفحات الأدبية في العاصمة البريطانية لندن للتّباحُث في أزمة جائزة "البوكر"، أو "الفضيحة" كما وسمها البعض، وتحديداً في نسختها الأخيرة آنذاك، أي "بوكر 1991"، التي فاز فيها الشاعر والروائي النيجيري بن أوكري بالجائزة عن روايته "طريق الجوع". لم تكن المشكلة في فوز أوكري، فروايته حظيت بإشادة نقدية مستحقَّة. بل في القائمة القصيرة التي خلت من أي كاتبة امرأة. وكانت الخلاصة التي توصّل إليها المجتمعون يومئذ هي أن غياب حضور المرأة ليس منطقياً ولا مقبولاً، بالنظر إلى أن النتاج الروائي "النسوي" لا يقلُّ أهميةً عن الإبداع "الذكوري". بل إن المنتَج الروائي النسائي في ذلك العام تحديداً، تخطّى من حيث العدد، نظيره "الرجّالي". وحتماً، لم يكن الصوت النسائي مجرَّد كَمٍّ أجوف أو "ثرثرة" تملأ حيزاً للنشر. فما الحل؟
من اجتماع الأزمة ذاك، وُلدت في العام 1996 "جائزة المرأة للرواية" التي تُمنح سنوياً لكاتبة، من أي جنسية، عن عمل روائي مكتوب باللغة الإنجليزية وصادر في بريطانيا. ومن البداية، حرص القائمون على الجائزة، على التأكيد بأنها تسعى إلى الاحتفاء بإبداعات النساء السردية التي يتم تجاهلها أو إقصاؤها في الجوائز الأدبية الكبرى.
ما للجائزة وما عليها
يُحسب للجائزة أنها سلّطت الضوء على قامات إبداعية نسوية مكرَّسة في الرواية الإنجليزية مثل آلي سميث، والراحلة هيلن دانمور، وزادي سميث، والبريطانية الباكستانية كاملة شمسي. كما قدّمت وجوهاً جديدةً مثل الروائية الإيرلندية الشابة إيمير ماكبرايد والأمريكية الصربية تيا أوبريت. لكن الجائزة تسببت في جدل يُثار سنوياً كلما تم الإعلان عن اسم الفائزة في شهر يونيو. فيُطرح السؤال نفسه: هل نحتاج إلى جائزة نسوية مخصَّصة للمرأة المبدعة؟ وهل يفيد المرأة أن تُقيَّم إبداعياً على أساس جندري؟
شنّ بعض النقَّاد هجوماً على الجائزة، معتبرين أنها اعتمدت معياراً يشوبه خللٌ من خلال ترسيخ مبدأ الفصل بين كتابة الرجل وكتابة المرأة، وأن مثل هذه الجائزة تشي باعتراف ضمني بدونيّة المنتج الكتابي النسوي عموماً.
ورغم الجدل، فإن القائمين على الجائزة ومناصريها لا يزالون يؤكدون أنها أسهمت على مدى أكثر من عقدين من الزمن في إبراز أصوات نسائية غائبة أو مُغيَّبة عن المشهد الأدبي. وعرّفت ملايين القُرّاء بإبداعات نسوية ما كانت لتبرز أو تفرض نفسها في الساحة الأدبية لولا الجائزة التي تتمتّع بصيتٍ حسن في المجمل.
كذلك، يُحسب لجائزة المرأة للرواية أنها حفّزت صناعة التأليف والنشر للأعمال الروائية النسوية، من دون أن يكون الكم السردي "النسوي" على حساب النوع بالضرورة. فبحسب تقرير لمجلة "بوكسيلر" البريطانية المعنية بأخبار قطاع النشر، هيمنت الكاتبات على قائمة الروايات الأدبية الأكثر مبيعاً في العام 2017، حيث احتلَلْنَ تسعة مراكز من بين العشرة الأُوَل، أما الرجل الوحيد الذي وجد لنفسه موقعاً يتيماً في القائمة النسوية بالكامل فهو الكاتب الياباني هاروكي موراكامي، صاحب "الغابة النرويجية" حيث حلّ سادساً.
وفي جميع الأحوال، لا يمكن النظر إلى "جائزة المرأة للرواية" باعتبارها الوحيدة ذات التوجه الجندري النسوي؛ فثمة جوائز عدة مشابهة في العالم مخصَّصة للاحتفاء بالكتابة النسوية مثل جائزة "جانيت هيدنغر كافكا" التي تمنح للروائيات والقاصات الأمريكيات، و"جائزة ستيلا" التي تحتفي بالأديبات الأستراليات، وجائزة "سور خوانا إينيس دي لا كروث" المكسيكية التي تُمنح للأديبات اللاتي يكتبن بالإسبانية، وغيرها.
وفرة لم تجسر الفارق
غير أن هذه الوفرة في الجوائز النسوية، لم تسهم في جسر الفارق بين الجنسين اعترافاً وتقديراً. فلا تزال المطابع العالمية تضخّ أعمالاً رجاليّة تفوق نظيراتها النسائية عدداً، ولا تزال الجوائز الأدبية الكبرى تنحاز إلى الرجال. ويكفي أن نعرف أنه من بين 114 مبدعاً عالمياً نالوا جائزة نوبل للآداب، منذ تأسيسها وحتى العام 2017، يبلغ عدد النساء 14 فقط، وغنيٌّ عن القول إن نصيب كاتباتنا العربيات من "جوائزنا" العربية المثيرة للجدل في معظمها ليس أفضل حالاً.
ومهما كان الأمر، فإن الصراع من أجل إثبات الذات النسوية المبدعة لن تحسمه جائزة بالضرورة. كما أن تخصيص جائزة للمرأة من شأنه تهميشها أكثر، ذلك أن التقدير الأصيل للإبداع إنما ينبع من الندِّية بمنطق التنافس الموضوعي لا بمنطق الفصل المجحف بين الإبداع النسوي والإبداع الذكوري.