حُسن البداوة الذي تحدث عنه المتنبّي، لا يكتمل إلا بالبساطة، فشرطه عدم التلوين وعدم تغيير طبيعة البشرة، بأي صناعة، ولهذا قال أبو الطيب: حُسن الحضارة مجلوب بتطرية/ وفي البداوة حُسنٌ غير مجلوبِ. والتطرية هنا، مجمل المساحيق أو الدهون التي توضع لتحسين وتجميل البشرة.
ومن الأشياء التي كان العرب يضعون لها الاسم تلو الاسم، الشفتان، فالأخيرة من أجزاء الوجه الجميل الذي ربط المتنبي، جماله، بالبداوة، قاصدا البساطة والجمال على طبيعته. وتبدو بداوة الشفتين، في اللغة العربية، بحفاظهما على لونهما، كجزء من بشرة الإنسان وخلقته، على الرغم من أن المساحيق والملوّنات وأنواع الوشوم، جميعها كانت معروفة ودارجة في الحياة العربية القديمة، إلا أن جمال الوجه، بدون تدخّل، كان له الحظوة.
الحوّاء ما بين الأسود والأحمر والأخضر!
ومن ألوان الشفة التي ذكر مخصّص ابن سيده لها، تسع شفاه، تحت عنوان (ألوان الشفة)، الشفة الحَوّاء، ووجد لها عدد غير قليل من الصفات البصرية، منها ما هو الأقرب إلى اللون الأحمر، يقول تاج العروس: شفة حوّاء، حمراء، تضرب إلى السواد. ويقال إن الحوّة، سمرة في الشفة. وتلك يحبها العرب، وغيرهم، إلا أن الشفة الحوّاء، على شيء من السحر البصري، فلونها يتنقل في اللغة العربية، بين ألوان الأسود والأحمر والأخضر، وما يجمع بين الألوان الثلاثة المذكورة، هو كثافتها. والأحوى، الأسود، من الخُضرة!
وكي يفهم ما قاله تاج العروس، كيف يكون أسود من الخضرة، فالقصد هو اللون الغامق الذي يدغم الأخضر بالأسود، أو الثاني بالأول. ولهذا يقال: نباتٌ ضاربٌ إلى السواد، لشدة خضرته. وفي ظل هذه الخلطة، من اللون المتدرج والمتداخل، بين الأسود والأحمر والأخضر، يقال رجل أحوى، وامرأة حوّاء، خاصة أن الحُوَّة تعرّف بأنها: سوادٌ إلى الخضرة، ويحدد لون الصدأ أيضا، فيه، ليتحول إلى لون عجيب من ألوان الشفة: الحوّاء.
الشفة الحمَّاء، يعرفها ابن سيّده، بأنها أشد سواداً من الشفة الحوّاء، ويقال للرجل أحمّ، والمرأة، حمّاء.
اللّمى.. ليس مجرد لون
اللمى، لونٌ أشبه بالسرّ، فهو يظهر عند الحوّاء وعند الحمّاء، ويتصل معهما بعمق اللون، إلا أن سواده، ظلّي خفيف: اللمى، سمرة في الشفاه، أو شربة سواد فيها، أي ملمح أو عرق للون، لتقريب صورته في اللغة. فاللمى في الشفتين، صار هدف التصوير الشعري العاشق، قديما، فهو مستحسنٌ ويتداخل فيه ما يُرى بما يُتذوَّق. واللمى، سُمرة في باطن الشفة. ويقال للمرأة، لمياء، وللرجل، ألمى. وتقال ألمى للرمح، وللظل الكثيف. وتصبح ألمى إشارة إلى عذب الرّيق، ورقة الشفاه، إذ يؤكد القاموس المحيط أن الألمى، تقال أيضا، لعذب الريق. ومن هنا يدمج الشعراء بين اللون والمذاق، في اللمى، مجازاً وكناية.
الشفة الربداء، واحدة من الشفاه ذات اللون المتدرج، في العربية، وهي أقرب إلى اللون البني الخفيف. والشفة الربداء، أميل للغُبرة، والرجل ربِدٌ. ويشار إلى الربداء بأنها الشفة التي لونها ما بين السواد والغُبرة. أما إذا قيل ربداء، في غير الإنسان، كشاة ربداء، فهي منقّطة بحُمرة، وبياض أو سواد. يقول التاج. هنا الربدة من الشفاه، الملوّنة في درجات البني الخفيف والغامق منه وقد يكون ما يظهر فيه من ملمح أحمر خفيف وغامق.
ومن أسماء الشفة، اللطعاء، والمرأة لطعاء، والرجل ألطع. واللَّطَع بياض الشفة، أو بياض باطنها. أو هو رقة في الشفة، إلا أن الغالب أن الشفة اللطعاء، هي تلك التي يظهر بياضها، وتضيف بعض الأمهات، أنه قد يكون تقشّرا فيها.
أمّا الشفة الظمياء، فهي الذابلة في سُمرة، يقول الفيروز آبادي في محيطه. ويقول ابن سيده في المخصص، إن الظَّمى، هو ذبول الشفة من العطش. وينقل البعض، أن الأظمى أسود الشفتين. فيما الشفة الخطباء، ما بين السواد والخضرة، ويضيف التاج تفصيلات أكثر دقة لهذا اللون، فالحنطة الخَطباء، وذلك قبل أن تيبس، فلونها ما بين حمرة وصفرة. كذا، أغلب ألوان الشفاه، في اللغة العربية، بينية ومحيّرة ولا تقف عند لون نهائي ثابت.
أمّا الشفة النَّكِعة، فهي شديد الحُمرة، وذلك لكثرة الدم في باطنها، يوضح ابن سيّده. وهي من الشفاه التي ورد لها تفضيلات لدى شعراء كثر.
وصيفة الملكة!
أمّا "وصيفة" الشفاه العربية، بعد اللمياء، على ما يبدو من صفات، فهي اللّعساء، من اللعس، وتعتبر أشد من اللّمى، سواداً، ويشار باللون إلى الجسد كلّه. وتشترك اللعساء بالحمّاء واللمياء والحوّاء، بسواد يظهر من حمرة الشفتين، ينقل المخصَّص.
واللَّعَس، سوادٌ مستحسنٌ في الشفة، يعرّف التاج الذي ينقل أن اللعس لونٌ ضارب إلى السواد، قليلاً، وبأنه يُستملَح، وهو سواد في حُمرة، لدى البعض. إذ يقال عن المرأة لعساء، إذ كان في لونها "أدنى سوادٍ مشربة بالحُمرة" عن التاج، إنما لو اللعساء، الشفة، فالقصد أقرب للسواد.
وينفرد لسان العرب، بكشف جمال الشفة اللعساء، إذ ينقل أن اللعس سوادٌ يعلو شفة المرأة البيضاء. وبذلك الضدّ يظهر حُسنه، الضدُّ، كما في مرويات الشعر العربي.