تحدّث كثيرون عن ارتباط أغنية بعشرات حالات الانتحار في العالم، بمن فيهم المغني، دفعت العديد من المحطات الإذاعية للامتناع عن بثها أو الاكتفاء بموسيقاها من دون الكلمات.
ويقول علماء نفس وباحثون، إن الموسيقى تؤثر بشكل حثيث على مشاعر الإنسان فتلعب في الغالب دورا هاما في خفض نسبة القلق والتوتر لديه وتساعده على تعديل مزاجه والاسترخاء.
إلا أن هذه الأبحاث لا تنطبق على عازف البيانو والملحن والمؤلف المجري الشهير ريجو سيريس (Rezso Seress). فخلال القرن الماضي، وضع الأخير قطعة موسيقية ربط كثيرون بينها وبين العديد من حالات الانتحار، فلقّبت بشكل جنائزي ساخر بموسيقى الموت المجرية.
مع بداية عمله على هذه القطعة الموسيقية، وصف سيريس بكلماتها البؤس واليأس الذي تخلّفه الحرب. لكن مع دخول صديقه الشاعر لازلو جافور (László Jávor) على الخط، تغيّرت كلمات الأغنية بشكل كبير حيث كتب جافور كلمات أخرى لهذه الأغنية التي حملت لاحقا عنوان الأحد القاتم (Gloomy Sunday) وصف من خلالها حادثة انتحار رجل بسبب وفاة عشيقته.
وبفضل جهود الشاعر لازلو جافور وعزف ريجو سيريس، ظهرت هذه القطعة الموسيقية سنة 1933 بطابع آخر أكثر حزنا وكآبة وتأثيرا غلب على كلماتها الأولى وجعل منها موسيقى مؤثرة.
وعلى حسب مصادر تلك الفترة، تأثر الشاعر لازلو جافور بانفصاله عن خطيبته التي أحبّها فاعتمد حزنه العميق كمصدر إلهام ليكتب بشغف كلمات هذه القطعة الموسيقية فأضفى عليها مشاعره وطابعه الحزين.
وفي البداية، لم تحقق هذه الأغنية رواجا كبيرا. لكن بحلول العام 1935، عمد المغني المجري بال كلمار (Pál Kálmar) لتسجيل نسخة منها لتبدأ بذلك موجة الانتحار بالمجر.
وقد صنّف صانع الأحذية جوزيف كيلر (Joseph Keller) كواحد من أولى ضحايا أغنية الأحد القاتم، حيث وضع هذا الرجل حدا لحياته خلال شهر شباط/فبراير 1936 تاركا رسالة دوّن بها عددا من كلماتها. فضلا عن ذلك، ذكرت تقارير الشرطة المجرية أن كثيرين انتحروا عن طريق إغراق أنفسهم بنهر الدانوب حاملين بين أيديهم أوراقا تضمنت نوتات وكلمات هذه الأغنية كما عمد البعض لتفجير رؤوسهم بطلقات نارية أثناء سماعها.
وبناء على كل ذلك، تحدّث كثيرون عن ارتباط هذه الأغنية بعشرات حالات الانتحار التي تجاوزت حدود المجر لتبلغ الولايات المتحدة الأميركية، عقب ترجمة كلماتها للإنجليزية سنة 1936 من قبل المغني الأميركي سام لويس (Sam M. Lewis) وتسجيلها عن طريق مواطنه جيمس هال كيمب (James Hal Kemp). كما لعبت مغنية الجاز الأميركية بيلي هوليدي (Billie Holiday) الدور الأهم في الترويج لأغنية الأحد القاتم التعيسة بعد أن غنّتها عام 1941.
في الأثناء، اتجهت العديد من محطات الراديو ونوادي الرقص لتجنب بث أغنية الأحد القاتم، كما عمدت البي بي سي (BBC) لحظرها وسمحت في المقابل ببث نغماتها فقط، بدون الكلمات، خلال فترة الحرب بسبب تأثيرها السيئ على معنويات الجنود. واستمر هذا الحظر لأكثر من 60 سنة قبل أن يرفع نهائيا عام 2002.
نهاية تعيسة
في المقابل، شككت العديد من المصادر المعاصرة في حقيقة موجة الانتحار التي سببتها هذه الأغنية، وربطوا بدلا من ذلك بينها وبين الظروف الصعبة التي عاشها العالم خلال الثلاثينيات كصعود النازيين والأزمة الاقتصادية والفقر والمجاعة والبطالة. كما نبّهوا لوجود معدلات انتحار سنوية مرتفعة بالمجر منذ السنين التي سبقت ظهور "الأحد القاتم".
من جهة ثانية، عرف مؤلف أغنية الأحد القاتم ريجو سيريس نهاية تعيسة. فبعد حياة صعبة تميّزت بمعاناته المتواصلة مع الفقر والاكتئاب، وجد الأخير نفسه بسبب أصوله اليهودية داخل أحد معسكرات الموت النازية بأوكرانيا.
وبينما أفلت هو من الموت، أعدمت والدته من قبل النازيين لتتدهور حالته النفسية أكثر فأكثر عقب الحرب العالمية الثانية. وخلال شهر يناير 1968، أقدم هذا الملحن المجري، صاحب موسيقى الأحد القاتم، على وضع حد لحياته فقفز من قمة أحد المباني لينقل إلى المستشفى حيث لفظ أنفاسه الأخيرة.