خصص محرك البحث العالمي (غوغل) صفحته الرئيسية، الأحد، للاحتفاء بمرور 85 عاماً على ولادة الفنان التشكيلي السوري لؤي كيالي. وذلك قبيل يوم واحد من يوم ولادة الفنان الذي من ضمن ما اشتهر به لوحات البسطاء ووجوههم التي تنضح بشريةً وعمقاً، في 21 من شهر يناير/كانون الثاني 1934.
ولد الفنان لؤي كيالي في مدينة حلب شمالي سوريا، وبدأت موهبة الرسم تظهر لديه باكراً، فرسم أول بورتريه وهو في الثامنة من عمره، فيما أقام أول معرض للوحاته، وقبل أن ينهي دراسته الثانوية، في عام 1952، في مدرسة التجهيز الأولى بحلب، ثم درس في كلية الحقوق بجامعة دمشق، عام 1954، ثم توقف عن دراسة الحقوق، وعمل موظفاً حكوميا عام 1955، وبعد عام تم إيفاده إلى إيطاليا لدراسة الرسم.
من روما وإليها وعنها ثم تمزيق لوحاته!
وكانت العاصمة الإيطالية، روما، مسرحاً لإبداعات هذا الرسام الذي يتقن اللون والخطوط ويشحنها بطاقات داخلية إنسانية خاصة، فعرف هناك على نطاق واسع، وقبل أن ينهي دراسته الجامعية، فأقام عدة معارض للوحاته، ونال أكثر من جائزة، ثم عاد إلى سوريا بعدما تخرج من أكاديمية الفنون الجميلة في روما، ودرّس في (المعهد) العالي للفنون الجميلة، عام 1962، قبل أن يتحول إلى أكاديمية الفنون الجميلة.
عاد كيالي مرة أخرى إلى روما، وأقام هناك معرضين، في عامي 1964 و1965. إنما وبعد شهور قليلة من إقامة معرضيه في روما، بدأت تظهر عليه علامات الكآبة النفسية. ثم رسم عشرات اللوحات عام 1967 واشترك بها في معرض أقيم في دمشق، مرتبطة بموضوع ما يعرف بـ"النكسة" إلا أن هذه اللوحات تعرضت لهجوم حاد من قبل فنانين ونقاد، في تلك الآونة، فقام بتمزيق تلك اللوحات، بيديه، رداً منه على الانتقادات اللاذعة التي طالتها من قبل الكتاب والصحافيين. وتوقف بعدها عن الرسم، وأصيب مجدداً بأزمة نفسية حادة كانت في طريقها لتنهي حياته، بكل مأساوية، وهو الفنان الذي كان يشاهده الناس جالساً في مقهى أو على ناصية شارع، ليتأمل وجوه المارة وأغلبهم من البسطاء، فنقل وجوههم باحترام فطري لأساسهم الإنساني، دون أن تكون للأعمال التي يزاولونها أية آثار على ملامحهم، فكان ماسح الأحذية، أو بائع اليانصيب، يضجّان بمعنى الحياة وإرث الإنسانية الواسع، من خلال مهارة كيالي بمنح عين الشخص المرسوم، كل دلالات الداخل التي يتخيّلها هو بطريقته، رسماً وخطوطاً وألواناً اتصفت بالشحوب في الغالب من أعماله.
ومات محترقاً في سريره!
واستمرّت حياته ما بين عودة عنيفة للكآبة وهي تضربه من الداخل، وبشدة، ومحاولته التكيّف عبر العودة إلى الرسم أو مزاولة التدريس في أكاديمية الفنون الجميلة. وكانت وفاة والده عام 1970، سبباً آخر بهجمة الكآبة على روحه، فسافر إلى بيروت في رحلة علاج نفسية، وأنهاها بعودة إلى حلب، شهدت فترة من التحسن رسم فيها عدة لوحات.
وظلت حياته ما بين شد وجذب الكآبة، يتخللها الرسم وشهرته التي طبقت الآفاق، إذ كانت لوحاته تباع بالكامل، حتى قبل عرضها في معرض، فقرر السفر إلى إيطاليا التي كانت أرض نبوغه، وباع ما يملك وسافر إليها عام 1977، إلا أنه عاد مجددا إلى حلب عام 1978، وهو عام وفاته الذي ترك حرقة في قلوب معارفه وأصدقائه وسائر عشاق الفن التشكيلي، حيث بدأت حالته النفسية بالانهيار شيئا فشيئا، واشتد عليه المرض، ولم تنفع معه كل العقاقير النفسية والمهدئات.
وكي تكتمل فصول مأساة الفنان الرفيع وأحد ملوك فن البورتريه على مستوى العالم، احترق سريره فيه، يقال بسبب سقوط السيجارة على الأغطية أو احتمال كونها متعمدة بقصد الانتحار، فنشبت النار في كل شيء، وحرقت الفنان الذي نقل بطائرة مروحية من حلب إلى دمشق، من أجل إنقاذه من حروقه. فأعلن عن وفاته بتاريخ 26 كانون الأول/ديسمبر عام 1978، ثم ووري الثرى في مسقط رأسه، حلب.