المقال الأدبي هو نص أو قطعة أدبية نثرية، في عدد معين من الكلمات تعالج موضوعاً محدداً، يهدف إلى توصيل فكرة معينة عبر ما يسجله الكاتب من معارف وتجارب وقد يستعين ببعض المصادر الأخرى.
ويرتبط المقال الأدبي بشكل عام بالإمتاع والتجارب الحياتية للكاتب، أكثر من كونه يدور حول قضايا سياسية أو اجتماعية معقدة، كما أنه يضم الحكايات والتأمل وبعض من التنظيرات الفلسفية.
وفي التراث العربي توجد بذور لفن المقال الأدبي في رسائل الجاحظ وابن المقفع ورسائل الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي، لكنها لا ترقى لفن المقال الأدبي الحديث الذي تطوّر في أميركا بوجه خاص في القرن التاسع عشر.
بخلاف المقالات السياسية والتعليقات على الأخبار في شكل مقالات وقصص، فإن المقال الأدبي لا ينشغل باليومي وإنما بالقيم الوجودية الأكثر صموداً أمام غبار الأزمنة.
وعربياً، فإن الصحافة في بواكيرها قامت على المقال الأدبي ولكن ليس بالشكل المتطور المعهود في الثقافة الغربية، بل كان الكاتب كما في مجلة "الرسالة" المصرية مثلًا يعمد على مناقشة قضية معينة أو التعريف بكاتب أو الكتابة عن حديث تاريخي وغيرها من المعالجات.
هل هو فن أدبي؟
في منظور بعض النقاد فإن المقال الأدبي قد لا يرتقي للفن، لاسيما مع طغيان الأدب الروائي والقصصي، ويرون أن نشر المقالات الأدبية في كتاب لا بد أن يضعها في شكل الحبكة أو النظام السردي لتكون مقبولة.
غير أن سلسلة أميركية لأفضل المقالات المنشورة خلال عام صدرت لأول مرة في عام 1985 ومستمرة في الصدور، كسرت هذه القاعدة، بأن أعادت المقال الأدبي إلى دائرة الضوء.
ويتم سنوياً انتقاء مقالات محددة للنشر من بين مئات بل آلاف المقالات التي تنشر في صحف ومجلات ومواقع إلكترونية إلخ.. لتكون في متناول القارئ في صحن واحد للتناول.
وقد يخضع هذا الانتقاء للمعايير التي يتفاوت فيها البشر من حيث الذوق الأسلوبي والفني وتعريف رسالة المقال الأدبي، وهي أمور لا تزال غير متفق عليها، لكن تبقى أهمية مثل هذه السلاسل في أنها تعيد الاعتبار إلى فن أدبي كاد أن ينقرض.
المقال الأدبي الحديث
في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وفي حياة أدبية مزدهرة في الغرب الأميركي وبريطانيا، فقد اعتبر الكثير من الكتّاب المقال الأدبي بوصفه وسيلة مثلى للتعبير عن الأفكار وعرضها، بحيث يقدم إطاراً موجزاً دون الحاجة للانتظار الطويل لنشر الروايات والكتب الأدبية المطولة أو الدواوين الشعرية.
وكان فن المقال الأدبي يتطلب إجادة للغة وتمكن من روح النثر، بحيث يتحول المقال إلى متعة في القراءة بالإضافة إلى الفائدة المعرفية التي يحققها في عكس خبرات وتجارب الآخرين.
وقد أخذ هذا الفن في التوسع واكتسب جمهوراً وأصبح هناك العديد من الأسماء المعروفة، وبرزت أسماء مثل "واشنطن إرفينغ" الذي اشتهر في المشرق بكتابه عن "حياة محمد"، واستطاع إرفينع (1783 – 1859) أن يصبح مشهوراً لدى المجتمع الأميركي بفضل مقالاته الأدبية.
وقد حاول بعض الكتّاب مزج فن المقال الأدبي بالقصص والحكايات، لكن هذا الطابع لم يصمد طويلاً إذ ظل المقال بروحه النثرية ونفثه التأملي هو الأبقى في تصور القراء.
ففي حين تحتاج القصة إلى التحرك بين الشك واليقين، التصديق وعدمه، فإن المقال الأدبي يعتمد على التصديق والتقاطع القائم على اليقين مع التجربة التي ينقلها لنا كاتبه.
وفي حين نبحث في القصص عن إشباع الواقع بالخيال، يحصل العكس في المقالات الأدبية حيث الواقع هو الجوهري والمركزي، وحيث تغمرنا التجارب الإنسانية والطبيعة البشرية دون تزويغ.
تراجع المقال الأدبي
برغم الشهرة والاتساع في الانتشار الذي حققه المقال الأدبي في الغرب الأميركي إلا أن ثمة ظروفاً اقتصادية بالتحديد هي التي حدت من انتشاره وذلك في مطلع الثلاثينيات في فترة الكساد العظيم.
ففي تلك الفترة بدا الناس في الصحف والمجلات يبحثون عن المقالات التي تتعلق بطبيعة المعاش اليومي وحل مشاكل الحياة الاقتصادية، ما أدى إلى تراجع فن المقال الأدبي لصالح الأخبار والهموم السياسية والقضايا العامة.
لقد غطت فنون الريبورتاج الصحافي والقصص الإخبارية والتقارير الواقعية على الأسلوب الأدبي في الكتابة، حيث اتجه الكتّاب إلى المباشرة في القول، ولم يعد ثمة انتظار للتأويل أو المجازات في اللغة، فقد سقطت الاستعارة.
وهذا لا يعني موت المقال الأدبي حيث ظل قائماً في الدوريات الأكاديمية والأدبية المتخصصة، وهذا يعني أن دائرة القراء والمهتمين به قد انحسرت بعد أن كان فناً شعبياً للجميع، حيث صار لنخبة من القراء وهذا عقّد من أسلوبه وحتى الأفكار التي تطرح عبره في العادة.
وقد اعتبر الشاعر الأميركي جون كرو رانسوم (1888 – 1974) مرة أن الشعر يتربط بـ "الديمقراطية" في حين أن النثر هو كائن "شمولي".
بالتالي فإن الكتابة الأدبية الرفيعة بدأت بشكل عام تتراجع لصالح الأفكار الراديكالية لتنشأ فنون قائمة على البراغماتية في القول والتحديدات والنفعية كما في الصحافة، التي خرجت من رحم الأدب ثم تركته ومضت.
الجنس الرابع
مصطلح الجنس الرابع في الفنون الأدبية يشير إلى المقالة الأدبية، وهو الأدب النثري غير القصصي، وهذا الاصطلاح ظهر بشكل عام بعد الخمسينيات من القرن العشرين، حيث أصبحت ثمة ثلاثة فنون أدبية مباشرة هي: الشعر، القصة الخيالية كالرواية والقصص عموماً ومن ثم المسرح.
لقد أصبح المقال الأدبي في مختبر الصحافة التي شوهته كثيراً وقاوم لكي يكون باقياً، لكنه في كل الظروف فقد هويته وبات لا وجود له إلا في "الأماكن المعزولة" التي ذكرت سابقاً وحيث لا جماهيرية له.
ويرى الكاتب الأميركي أي بي وايت (1899 – 1985) الذي عرف بشكل رئيسي ككاتب مقالات برغم أنه كتب الشعر وقصص الأطفال، أن كاتب المقال أصبح يعارك مع جنس أدبي مهمش، ربما لا اعتراف به في الأساس، بل وصفه بـ"مواطن من الدرجة الثانية".
لكن المخلصين لهذا الفن لم يتركوا الحبل على الغارب إذ إنهم قاموا تيار النفعية والصحافة اليومية، وساروا في درب المقال الأدبي وبرزت أسماء مثل الناقد الأدبي الأميركي جوزيف إبشتاين وغيره ممن يكتبون بإخلاص لهذا الفن "المتداعي".
هل من مستقبل؟
يبقى السؤال القائم ونحن في نهاية العقد الثاني من الألفية الثانية، هل من مستقبل أو وجود على الأقل حقيقي للمقال الأدبي في العالم المعاصر؟
ستكون الإجابة المختصرة، كما يرى كاتب المقالات الأميركي روبرت أتوان (1940) أنه من الصعب على أي كاتب أن يقنع ناشراً في أميركا بأن ينشره له كتاباً يتضمن مقالات أدبية ما لم توضع في نسق سردي أو حكائي أو على شكل مذكرات على الأقل، فيما يشبه أدب السيرة أو الاعترافات.
رغم ذلك ففي الصحافة العامة والمواقع الإلكترونية تظل هناك لمحات هنا وهناك تشير إلى ازدهار بطيء لفن "منقرض" في حين أن أصول هذا الفن وأساليبه الأساسية وروحه لم تعد قائمة، حتى اختفى محوره الأساسي وهدفه إن عرف ما هو بالضبط!