يصنف الرسام الفرنسي كلود مونيه (Claude Monet)، المولود بباريس يوم 14 تشرين الثاني/نوفمبر سنة 1840، واحدا من أهم الرسامين على مر التاريخ، لعب دورا مركزيا في تأسيس المدرسة الفنية الانطباعية (Impressionism) خلال القرن التاسع عشر والتي اشتق اسمها من لوحته "انطباع شروق الشمس" لسنة 1872.
وخلال مسيرته الزاخرة بالأعمال الفنية، رسم كلود مونيه آلاف اللوحات، كانت أبرزها "نساء في حديقة" سنة 1867، و"الزهور والفواكه" سنة 1869، و"زنابق الماء الأبيض" سنة 1899. كما بيعت بعض لوحاته بأسعار خيالية وصنّفت ضمن قائمة أغلى اللوحات الفنية بالعالم مثل لوحة Le Bassin Aux Nymphéas والتي رسمت ما بين عامي 1913 و1917 وقدّر سعرها سنة 2018 بنحو 84.7 مليون دولار، ولوحة "كومة الحبوب" والتي تجاوز سعرها بالمزاد العالمي 81 مليون دولار.
وعلى الرغم من كل هذا النجاح، عانى كلود مونيه خلال حياته من مشاكل عديدة مع الاكتئاب والفقر، فخلال ربيع عام 1868 حاول الرسام الفرنسي الانتحار، بعد مضي أشهر على ولادة ابنه، بسبب تراكم ديونه.
وفي الخامسة والستين من عمره، أبدى كلود مونيه قلقه الشديد بسبب تراجع قدراته البصرية، حيث أعلن رائد الانطباعية عن فقدانه بشكل تدريجي القدرة على ملاحظة توهج وبريق الألوان.
خلال العام 1912، عانى كلود مونيه من ألم بعينيه وأصبح يتحسّس الإنارة المبهرة والقوية حيث شخّص الأطباء حينها إصابته بمرض إعتام عدسة العين (cataract) وقد كان ذلك جليا من خلال أعماله الفنية والتي طغى عليها اللون الأحمر والأصفر والأرجواني بدل الألوان الاعتيادية كالأبيض والأخضر والأزرق.
في الأثناء، أكدت لوحات كلود مونيه حول زنابق الماء ما بين عامي 1918 و1922 على تدهور القدرات البصرية للرسام الفرنسي فمنذ العام 1915 تميزت الأعمال الفنية للأخير بطابع يميل للتجريدية واستخدام مكثف للونين الأحمر والأصفر واعتماد ضربات فرشاة أكبر من السابق على اللوحات.
ومع فقدانه القدرة على ملاحظة الألوان وإشعاعها الحقيقي، أعلن مونيه عن مشاهدته للون الأحمر والأصفر بشكل مستمر.
خلال العام 1913، زار كلود مونيه طبيب العيون الألماني ريتشارد ليبريتش (Richard Liebreich) الذي نصحه بإجراء جراحة الساد على عينه اليمنى ولكن الرسام الفرنسي رفض الأمر قطعيا، على الرغم من توسلات الوزير الفرنسي كليمونصو (Georges Clemenceau)، مؤكدا على رغبته بالحفاظ على بصره الضعيف لمشاهدة المناظر التي يحبها بدل فقدانه بشكل تام خلال عملية غير مضمونة النجاح.
وفي محاولة يائسة منه للتعرف على الألوان أثناء الرسم، اعتمد مونيه ترتيبا دقيقا للألوان على اللوح وعمد لكتابة أوصاف على أنابيب الألوان للتعرف عليها.
وعلى الرغم من كل ذلك، لم يكن الرسام الفرنسي راضيا عن رسوماته التي اتخذت طابعا داكنا مقارنة بالسابق، كما أثارت لوحته للجسر الياباني بحديقته جيفرني (Giverny) استياء الفرنسيين سنة 1922.
وعلى الرغم من علمه بالنتائج السلبية للعمليات الجراحية على الأعين التي خضع لها عدد من الفنانين من أمثال أونوريه دومييه وماري كاسات، وافق كلود مونيه سنة 1923 وهو في 83 من عمره على إجراء عملية الساد (Cataract surgery) على كلتا عينيه قبل أن يحصل على نظارات خاصة بمرضى اعتام عدسة العين.
لم يكن كلود مونيه راضيا عن نتائج العملية الجراحية التي خضع لها حيث أخبر طبيبه سنة 1924 عن مشاهدته للأزرق أينما ذهب وعن فقدانه القدرة على مشاهدة اللونين الأحمر والأصفر كما أكد لأصدقائه أنه أفسد لوحات عديدة وأهدر وقتا كبيرا بسبب ذلك.
وتزامن فقدان كلود مونيه لجانب من قدراته البصرية مع فترة اكتئاب استمرت لسنوات، حيث حزن الرسام الفرنسي كثيرا عقب فقدانه لزوجته سنة 1911 وابنه البكر بعدها بثلاث سنوات.
فارق كلود مونيه الحياة يوم 5 كانون الأول/ديسمبر سنة 1926 عن عمر يناهز 86 سنة عقب إصابته بسرطان الرئة.
وحسب عدد من التقارير الطبية المعاصرة، أصبح الفنان الفرنسي قادرا على رؤية ألوان فوق البنفسجية عقب إجرائه عملية الساد وهو ما يفسر اختياره للألوان بلوحاته حينها.