في اللغة العربية، وتاريخ آدابها، كثير من المصطلحات التي رافقت تطورها، ومنها ما هو نحوي، ومنها ما هو في نقد الأدب، ومنها ما يرتبط ببحور الشعر وغيرها.
إلا أن العربية تضمنت مصطلحات عبارة عن كلمات غريبة، من مثل: الكسكسة والشنشنة والعجعجة والفحفحة والطمطمانية والكشكشة، للتعبير عن لفظ مفردات محددة، في اللغة العربية ذاتها، وكيف كانت تنطق في هذا الشكل الغريب أو ذاك، عند هذه الجهة أو تلك. إذ لم يكن نطق الكلام، في شكله الفصيح، موحداً، بل كان لهجات، أو ما يسميه مصنفو العربية، لغات. بالإضافة إلى أن هناك لفظاً للكلام العربي، استمر كما هو، منذ عصر الإسلام، حتى عصرنا الحالي، ولم تتمكن الفصحى المتفق عليها، من تغيير نطقه، بل استمر على الألسنة، على الرغم من مناقضة الفصيح له.
جمعت كتب العربية القديمة، الكثير من مصطلحات توضح معاني مفردات للإشارة إليها، بصفتها إما عيباً أو لساناً أو لغة، أو طبيعة لسانية ضمن جماعة اجتماعية محددة، كارتباطها بهذه القبيلة أو تلك. وفيما لم يحدد تماما، واضع تلك المصطلحات، إلا أن الأخيرة أصبحت أدوات معرفية لوصف لفظ الكلام، بما يشتمله من "خروج" على الفصحى، لا يزال بعضه محافظاً على خصوصيته، إلى وقتنا الراهن، من مثل إبدال حرف العين بالنون، ككلمة أعطي، التي كانت ولا زالت تنطق: أنطي، بالنون، وهذه الظاهرة أطلق عليها اسم الاستنطاء.
درجات الفُصحى
ولم تكن رحلة النحويين القدامى، مزروعة بالورود، وهم في صدد "تفصيح" الكلام العربي، أو الاتفاق على كونه فصيحاً عبر معايير سيتم الاتفاق عليها، لاحقاً، بل كانت رحلة مزروعة بالأشواك، نظراً لتعدد اللغات عند العرب، حيث فيها "مارُوي ولم يصح ولم يثبت" كما قال الإمام السيوطي، عبد الرحمن جلال الدين (849-911) للهجرة، في مصنفه (المزهر في علوم اللغة وأنواعها)، وكثرة المفردات وغناها والخلاف على ظاهرة الترادف، ما إذا كانت تعني وجود أكثر من كلمة تدل على شيء واحد، أو أنها في الحقيقة، طبيعة لسانية تعطي للكلمة معنى مختلفا، مهما كان قربها من أخرى شبيهة، كالشك والريب، أو الثمن والسعر.
وأجمع لغويو العربية، على أن كثرة استعمال العرب لكلمة ما، هو أساس فصاحتها، أو معيار اعتمادها، على أن لا يتم نفي قليل الاستعمال، بل يوضع عادة في خانة "لسان" أو "لغة" للإشارة إلى أنه يختلف بعض الشيء، عما هو كثير الاستعمال، أو شائع، فيصبح "لغة فلان" أو "لسان فلان".
واستعمل مصنفو العربية، عدة مصطلحات للإشارة إلى "عيوب" لفظ ما، أو عدم استعماله بكثرة، نزولا عند قاعدة "مدار الفصاحة، على كثرة الاستعمال" بل إن السيوطي يقول إن هناك الفصيح، وهناك الأفصح، أي أن الفصاحة ذاتها، رتب، ويتمثل من جمهرة ابن دريد، بـ"أنصبه المرض، أعلى من نصَبه" أو "غلب غلَباً، أفصح من غلْباً" وسواهما من مثل قوله: "هذا مَلْك يميني، وهو أفصح من الكسر" ويرى "بُهِت" أفصح من "بَهُتَ".
وللدلالة على ما قاله السيوطي بـ"رتب الفصيح" فالأخير، فيه الفصيح إنما "الضعيف" ويعرف بأنه "ما انحطّ عن الفصيح". ويكون الفصيح فصيحاً، إنما من "المنكر" حيث يكون أقل استعمالا من الضعيف، ويسمى المنكر لأن بعض أئمة اللغة "أنكره" يقول السيوطي في مزهره. ويكون فصيحاً، إنما في الوقت عينه، هو من "المتروك" وهو ما درج قديماً، ثم تُرِكَ واستعمل سواه، من مثل "مَضَّني" التي تركت، وصارت "أمضَّني".
ويستعمل المصنفون، عبارة "لغة ماتت" التي يقتبسها السيوطي في معرض كلامه عن المتروك: "وفي شرح المعلقات لأبي جعفر النحاس، قال الكسائي: محبوب من حَبَبت، وكأنها لغة قد ماتت، كما قيل دمت أدوم، ومت أموت، وكان الأصل أن يقال: أمات وأدام في المستقبل، إلا أنها قد تُركت".
ويختلف الضعيف والمتروك والمنكر، في اللغات، عن الرديء المذموم، فقد أجمع عدد كبير من علماء العربية، على أن أهل قريش كانوا يسمعون لغات العرب كلّها، فما يستحسنونه من كلامهم، يتكلّمون به، وأن هذا هو السبب الذي جعل لغة قريش الأفصح، لا يزال ينقل السيوطي، لأن لغة قريش "خلت من مستبشع اللغات ومستقبح الألفاظ". فما هو مستبشع اللغات والألفاظ الذي أشار إليه السيوطي ومجمل علماء العربية؟ وما هي الكلمات الغريبة الآن، والتي سبق ووضعها المصنفون العرب للإشارة إليه، بصفته معنى أكثر غرابة؟
12 كلمة أغلبها الآن مستغرَب
ما صنّفه علماء العربية، على أنه من الرديء والمذموم، في اللغة، حصِر بأكثر من اثني عشر وجهاً، عبر مصطلحات، يشير كل واحد منها إلى العيب اللغوي ومصدره، من مثل: الكشكشة، الكسكسة، العنعنة، الفحفحة، الوكم، الوهَم، العجعجة، الاستنطاء، الوتم، الشنشنة، اللخلخانية، والطمطمانية.
وورد في تاج العروس، أن الكشكشة، لدى قبيلتي ربيعة ومضر، وهي عندما يضيفون حرف الشين، على كاف المخاطَب المؤنث، فيقولون "مررتُ بكش" عوضا من بكِ، أو "رأيتكش" عوضاً من "رأيتكِ". والكشكشة في أصل العربية، الهرب وصوت جِلد الأفعى لو حفّ بشيء، وهو مجمل أصوات دواب، يقول القاموس المحيط، ويعطي مثلا عن معناها اللغوي المشار إليه فيقول: "تعالي إلى مولاش يناديش" أي تعالي إلى مولاك يناديك.
ويشرح السيوطي في مزهره، سبب قيام قبيلتي ربيعة ومضر، بإضافة حرف السين، مكان أو بعد حرف كاف المخاطب المذكّر، وهو ما يسمى الكسكسة، والكسس قصر في الأسنان أو صغر، فيقول: "وقصدوا بذلك، الفرق بينهما".
أمّا العنعنة، فهي ترد في لغة قيس وتميم، عبر تحويل همز البداية عيناً، من مثل: "عنّك" وهي أنك، و"عسلم" في أسلم، وأذن "عذن". وتختلف الفحفحة عنها، وهي لغة هذيل، عبر جعل الحاء عَيناً.
والوكَمُ، والوَهَم، يقول تاج العروس إنهما في لغة بني كلب. ومصطلح الوكم ويأتي بكاف ساكنة عند الفيروز آبادي، يشير إلى كسر في لفظ حرف خطاب ومن أصل معانيه في اللغة القَمع، من مثل عليكِم وبكِم، عوضاً من بِكُم. وفي الوَهَم، يظهر كسر في حرف إشارة، من مثل: منهِم، وعنهِم، وبينهِم.
وتكون العجعجة، وهي لغة في بني قضاعة، بجعل الياء المشدّدة جيماً، من مثل تميميّ، تلفظ تميمجّ. أمّا الاستنطاء، فهو المصطلح المشير إلى إبدال العين الساكنة نوناً إذا جاورت الطاء، من مثل: أنطي في أعطي. وهي في لغة سعد بن وائل وهذيل والأسد وقيس والأنصار، بقول السيوطي ومرتضى الزبيدي. وربما كان رواج هذا الاستنطاء، على نطاق واسع، كما أشار المزهر وتاج العروس، هو السبب وراء رواجه حتى الآن، إذ لا يزال كثير من العرب يقلبون النون الساكنة عيناً، إذا جاورت الطاء، حتى وقتنا الحاضر.
والوتم، في لغة أهل اليمن، هو جعل السين تاءً، كما النات، أي الناس. فيما الشنشنة، هي جعل الكاف شيناً، كلبيش اللهم لبيش، أي لبيك اللهم لبيك.
أما اللخلخانية وهي اللكنة في الكلام، كما ورد في (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) لجواد علي، فمن لغة أعراب عُمان، وأشير بها إلى أهل الفرات، من مثل: مشا الله، عوضا من ما شاء الله.
فيما الطمطمانية وهي العُجمة، وهي من لغة حمير، وهي إبدال لام التعريف ميماً من مثل: طاب أمهواء، عوضا من طاب الهواء. كما يتمثل السيوطي. إلا أن جواد علي، في مفصّله، يطالب بعدم اعتبار الطمطمانية، إبدال حروف، بل باعتبارها لهجة يمانية، تقوم على التعريف بألف وميم، على غير العربية الفصحى التي تقوم على التعريف بألف ولام.