بدا ملف تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان وكأنّه دَخَل منطقة “خفض التوتر” في أعقاب الاجتماع الذي عُقد أول من أمس بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، وهو الرابع منذ تفويض الحريري مهمّة التأليف الشائكة قبل شهر ونيف.
ولم يؤدّ اجتماع عون – الحريري ، الذي جاء بعد تجاذباتٍ حادة بين قوى وازِنة حول أحجامها المفترَضة في الحكومة العتيدة، الى اختراق حقيقي من شأنه الإفراج السريع عن تلك الحكومة، وإن كان هذا الاجتماع بدّد الأجواء التي أوحت بتبايناتٍ بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف حول الصلاحيات، وصولاً الى تكهناتٍ عن تَرنُّح التسوية السياسية التي جاءتْ بعون رئيساً وأعادت الحريري الى السرايا الحكومية.
وفُهم من مصادر متطابقة ان الرئيسين عون والحريري اتفقا على حضّ الجميع على ما يمكن وصْفه بـ”الهدنة السياسية” إفساحاً أمام اتصالاتٍ “على البارد” لتفكيك العقد التي تواجه مسار استيلاد الحكومة الجديدة، وسط ترجيح ان يتولى هذه الاتصالات عون مع “القوات اللبنانية” ورئيسها الدكتور سمير جعجع والحريري مع رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط .
غير أن أوساطاً سياسية متابِعة في بيروت تُبْدي ميْلاً للقول إن لا حكومة قريباً لأسباب تتجاوز المَخارج غير المستحيلة لتمثيل «القوات» و”الإشتراكي”، فثمة صراعٌ خفي على التوازنات المتّصلة بإدارة السلطة في الداخل وباعتباراتٍ إقليمية غير خافية في لحظةٍ تَعاظُم الصراع في المنطقة بين اللاعبين الدوليين والإقليميين، وهو الصراع الذي سيكون طبَقاً رئيسياً في قمة هلسنكي بين الرئيسيْن دونالد ترامب وفلاديمير بوتين في 16 حزيران المقبل.
وتذهب هذه الأوساط، وعلى وهْج الصراع الكبير الذي يلْفح لبنان، الى السؤال عما اذا كانت المَصاعب التي تواجه عملية تشكيل الحكومة على صلة بالرغبة في جعْلها “حكومة جنوب سوريا” او “حكومة غرب اليمن”، في إشارة ٍ الى حصة لبنان من موازين القوى المتحرّكة على جبهة “التطاحُن” الاقليمي – الدولي.
ورغم الاتهامات الضمنية المتبادَلة بين الأفرقاء اللبنانيين بإقحام الخارج في معركة تشكيل الحكومة ، فإن الرئيس المكلف الذي يسافر لتمضية إجازة عائلية لبضعة أيام، حرص على نزْع أي انطباعات من هذا النوع عندما حصَر تأخير التأليف بالحاجة الى تهدئة الأجواء للتمكّن من التفاهم على المشكلات التي ما زالت قائمة.
وكان بارزاً تأكيد الحريري أن التسوية السياسية غير قابلة للسقوط لأنها ركيزة الاستقرار وصولاً الى توجيهه نصيحة لكل مَن “يحاول اللعب على وتر التسوية” بأنه سيكون “في مواجهتي والرئيس عون معا”، ومبدداً كل “التكهنات والتوقعات” التي تدور في فلك محاولات “اختلاق صراع غير موجود على الصلاحيات بين الرئاستين الأولى والثالثة”.
وبدا ان المساعي الجديدة لاستيلاد الحكومة تركّز على محاولة فريق الرئيس عون إقناع “القوات” بالقبول بأربع حقائب تشكّل حصة وازنة تعوّض عن رفْض هذا الفريق منْحها نيابة رئاسة الحكومة كما حقيبة سيادية يتم رمي كرة الإعتراض عليها في ملعب “الآخرين”!!! فيما تجري محاولات لإقناع جنبلاط بالسير بوزيرين درزيين من حصته “الصافية” على ان يكون الثالث مقبولاً منه ومن الرئيس عون والنائب طلال ارسلان .
أما تمثيل النواب السنّة الموالين لـ”حزب الله” فقد قَطَع الحريري الطريق عليه بنسْفه مبدأ وجود كتلة متراصة اسمها “المعارضة السنية”، مع مناخٍ يشي بأن خصومه السياسيين ليسوا، حتى الساعة، في وارد خوض معركة بوجهه في هذه النقطة.