عقدت اللجنة التنفيذية لحركة التجدد الديموقراطي اجتماعها الأسبوعي وأصدرت اثره البيان الآتي:
“تنشغل القوى السياسية اللبنانية مرة جديدة في عملية عسيرة لتأليف الحكومة، وفقاً لمنطق المحاصصة وصراع الاحجام والمزايدات الطائفية، غير آبهة بالمسار الانحداري الذي تسلكه البلاد بسبب انحلال مفهوم دولة القانون وحقوق الانسان وأخلاقيات العمل السياسي.
لم يعد هذا التراجع يقتصر على تردّي الوضع الاقتصادي وانكماش الأسواق وندرة فرص العمل، ولم تعد مظاهر التفلّت من القانون تنحصر بالفساد المستشري في معظم الدوائر الرسمية والصفقات العامة، بل أصبح هذا التراجع يترجم خطراً حقيقياً على أبسط حقوق الانسان في لبنان.
فالحق بالصحة يواجه أزمة نفايات متجددة، وكارثة تلوّث المياه الجوفية والنهرية والبحرية، وهي تصل إلى حدود تفوق القدرة على معالجتها ليس بسبب انعدام الحلول التقنية بل لطغيان ذهنية المقاولة المفرطة والكسب الفاحش.
والحق بحياة كريمة وحرّة من كافة أشكال التمييز يُجرّد من معناه يومياً مع تحويل العنصرية وكراهية الآخر إلى سياسة رسمية للدولة اللبنانية، مستعيرةً لغة شوفينية وتحريضية لا يلاقيها إلاّ خطاب أحزاب أقصى اليمين في أوروبا والولايات المتحدة. فبدل أن تتحمّل الحكومات المتعاقبة منذ العام 2011 مسؤوليتها في وضع سياسة عامة متكاملة وشاملة لمعالجة أزمة اللجوء السوري إلى لبنان، تعتمد على الإحصاءات الدقيقة، والوقوف على أسباب نزوح كل فرد، ومرتبطة برؤية واضحة لمسألة تشغيل اليد العاملة، وبسط الأمن بحزم، واحترام حقوق الانسان، ارتأت القوى السياسية اعتماد سياسة “اللا سياسة”، ممزوجة بلغة عنصرية، ورمي المسؤولية على مؤسسات الأمم المتحدة، والتسوّل من المانحين الدوليين.
ولا تتوقّف مظاهر العنصرية عند مسألة اللجوء، إنما تنتشر – وبدون معالجة منذ سنوات طويلة – تجاه عاملات المنازل من جنسيات مختلفة، الخاضعات لنظام الكفالة المتهالك، ولفوضى قطاع مكاتب الاستخدام، في ظل تدخّل سافر من قبل جهات نافذة لقمع مقالات صحافية وتقارير من مؤسسات حقوق الانسان الدولية تتعلق بهذا الموضوع.
والحق بالكلمة الحرة بات مهدّداً بشكل جدي، مع استسهال إصدار أحكام بالسجن بحق صحافيين وفي قضايا النشر والتعبير عن الرأي، وتكرار ظاهرة التوقيف الاحتياطي من قبل مختلف الأجهزة الامنية، بما في ذلك بحق قاصرين.
أما الحق بحياة آمنة فلم يعد في حمى الدستور والقانون بل أصبح رهينة التفاهمات السياسية، والخطط الأمنية، والتفاوض مع مجموعات مسلحة خارجة عن القانون، تستقوي بغطاء شرّع تفلّت السلاح وعبور الحدود الدولية دون حسيب ورقيب، وتحوّل مناطق عزيزة من لبنان إلى بؤر يسقط فيها الضحايا، بفعل الرصاص وامتناع الدولة عن ممارسة وجودها وسيادتها لعقود.
ما يحتاجه لبنان اليوم يتخطى تأليف حكومة وإقرار مراسيم وتوافق سياسي على حصص ومناصب. ما لم تستوِ الحياة العامة في كنف قانون واحد وعادل، يعيد الاعتبار للالتزام باحترام القانون وحقوق الانسان دون تمييز أو تمييع، فلن تنفع أي من محاولات الترقيع التي أضحت السمة الغالبة على الممارسة السياسية في لبنان، ولا مساعي استعادة الثقة، داخلياً وخارجياً، وهي الشرط الأساسي لاحتواء الأزمة الاقتصادية وتحريك عجلة الاستثمار والنمو”.