خبر

احتلالُ الكويت وتحوُّلاتٌ سُعوديّة مَنسيَّة

الملك الراحل فهد بن عبد العزيز والأمير الراحل جابر الأحمد الصباح في مرحلة الغزو العراقي للكويت. ( عن الإنترنت)

 الذكرى الـ28 للغزو العراقي الغاشم مرّت على الكويت في 2 آب /أغسطس، مستعيدةً تحولات عميقة وقاسية أحدثها ذلك الغزو سعودياً وعربياً ودولياً، والمؤسف أن المؤلفات السعودية، وربما العربية، عن ذلك الحدث الرئيسي شحيحة رغم أهميته.

جاء الغزو في ظرف دقيق إقليمياً ودولياً، الاتحاد السوفياتي يلفظ أنفاسه الأخيرة، والولايات المتحدة تتأهب للانفراد الرسمي بصدارة العالم، وعلى الصعيد الإقليمي وصلت الأمور إلى طريق مسدودة، فأبواب السلام موصدة في لبنان وفي فلسطين وما حولها، والوحدة اليمنية الوليدة تقف على شفا جرف هارٍ.

وفي السعودية كانت الصورة معقدة وحساسة، إذ استقر ما يسمى بتيار الصحوة الإسلاموية، ولا همّ له إلا قطف حصاد تغلغله الإعلامي والثقافي والاجتماعي، وفي المقابل كانت النخبة المثقفة طامحة إلى التحاق بلادها بركب العالم، فيما المؤسسة السياسية هاجسها الأول والأساس هو استمرار التنمية التي تتصادم بظروف الداخل والخارج.

في ذلك الوقت، اختمرت داخل  المملكة ثمار مراحل سابقة، منها المتناقض ومنها المتناغم، كالطفرة التي أحدثتها أسعار النفط المرتفعة بعد حرب تشرين الأول/ اكتوبر ١٩٧٣، ونضج ثمار مشروع الابتعاث الذي استمر عقوداً، ولا ننسى الإشارة إلى الصراع بين الحداثيين وبين الصحويين في الثمانينيات، ومرحلة "الجهاد الأفغاني" وتداعيات "حادثة جهيمان" اللتين غيرتا وجه السعودية اجتماعيا وإعلاميا وثقافيا.

ما جرى في المنطقة بعد الغزو العراقي أصبح معروفاً. بارك داهية دمشق وجلادها حافظ الأسد تحرير الكويت في مقابل وصاية لنظامه على لبنان مهّدت ومكنت لاحقاً لوصاية إيرانية شعارها الميليشيا الإرهابية المسماة بـ"حزب الله"، والتي يغطى نشاطها الإرهابي اليوم مساحة واسعة من العالم.

ودخلت المنطقة بعد الغزو في حقبة سلام متفائلة، وانضمت إلى قطار كامب ديفيد دولة مهمة مثل الأردن لتنجو من عزلتها بعد التعاطف مع صدام حسين، فضلا عن "منظمة التحرير الفلسطينية"، وكادت سوريا ولبنان أن يلحقا بالقطار المنشود، لكن الصورة الوردية تمزقت بعد اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين، وهو اغتيال لم يقصد شخصاً بقدر ما قصد مشروعاً ومرحلة.

في الكويت، عادت الحياة البرلمانية بعد التحرير، وصُدمت السلطات الكويتية بإقدام جماعة "الإخوان المسلمين" على تأييد الغزو الصدّامي، رغم ميل السلطات قبل الغزو إلى الأسلمة وفق مذكرات السياسي الكويتي البارز أحمد الخطيب.

وقلب العراقيون في العذابات بعد الغزو كما كان حالهم قبلها، من حرب إيران إلى حرب الكويت، ثم الحصار، ثم الدخول الأميركي والاستحواذ الإيراني وتفشي الإرهاب، وقبل كل شيء جهنم "البعث".

صدام حسين يقدم رشاشاً مذهباً هدية إلى الملك فهد بن عبد العزيز. ( عن الإنترنت)

ثلاثة أحداث مفصلية داخلية في السعودية

أحدثها غزو صدّام حسين للكويت

لكن ما جرى خلال الغزو وبعده في السعودية هو اللافت والجوهري، إذ يجب أن نلحظ الأثر السلبي للثورة الإسلاموية الإيرانية على المنطقة ككل، بارتفاع نبرة الإسلام السياسي على الرؤى الليبرالية وأفكار القومية العربية التي توقف نبضها تماماً مع دخول اول جندي عراقي الأراضي الكويتية.

وقفت القيادة السياسية السعودية أمام  ثلاثة أحداث داخلية مفصلية أفرزها الغزو العراقي:

– قيادة ٤٧ امرأة سعودية سيارات في شوارع الرياض، منهن عزيزة المانع ونورة الصويان، في مطالبة سلمية لإنهاء منع المراة من القيادة.

– "العريضة المدنية" التي رفعتها النخبة المثقفة إلى صاحب القرار في كانون الأول/ ديسمبر ١٩٩٠، وكان من أهم مطالبها: وضع إطار تنظيمي للفتوى، الشروع في تكوين مجلس الشورى، إحياء المجالس البلدية، مراجعة أوضاع القضاء، تنظيم الحرية الإعلامية، الإصلاح الجذري والشامل لقطاعي التعليم و"هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وتمكين المرأة في الحياة العامة. ومن أهم رجال العريضة: الوزير أحمد صلاح جمجموم، المستشار محمد سعيد طيب، والكاتبان عبدالله مناع ومحمد صلاح الدين، مع دور خفي للكاتب إياد مدني الذي أصبح في ما بعد وزيرا للحج ثم وزيراً للثقافة والإعلام.

– الحدث الثالث والنقيض، كان إقدام أقطاب التيار الإسلاموي على رفع عريضة مضادة، سُمّيت بـ"خطاب المطالب"، ثم "مذكرة النصيحة" في أيار/ مايو ١٩٩١، وكانت أهم نقاطها، وفق تعابير أهل المذكرة:

– أن يكون العلماء والدعاة في مقدمة أهل الحل والعقد والأمر والنهي، وإليهم ترجع الأمة – حكاماً ومحكومين – لبيان الحكم الشرعي لسائر أمور دينهم ودنياهم.

– قطع العلاقات الديبلوماسية والاقتصادية مع كل دولة تحارب الدعاة إلى الله فيها، أو تضطهد الأقليات الإسلامية فيها، وأن تكون العلاقات مبنية على حسن تعامل تلك الدول مع الدعاة والأقليات الإسلامية.

– إعادة النظر في وزارة الخارجية وأوضاع السفارات والسلك الديبلوماسي لكي تؤدي السفارات الرسالة الإسلامية المنوطة بها.

– مراجعة الأنظمة القائمة مراجعة شاملة لتنقيحها وإلغاء كل مخالفة للشرع فيها، وكذلك العمل على وضع أنظمة شرعية بديلة مما يتعسر تنقيحه منها.

– وقف كل أشكال الصرف على المجالات التي تعد من أشكال الإسراف والتبذير، مثل ملاعب الرياضة والمعارض.

– وقف البنوك والقروض التي تحتسب الفوائد.

– حذف ألقاب التفخيم التي ما أنزل الله بها من سلطان.

– وقف المظاهر المنافية للآداب وسلوكيات المسلم، كالتبرج وإظهار العورات في التلفاز، وأصوات الميوعة والخضوع بالقول في المذياع.

– إخضاع المادة الإعلامية الخارجية لرقابة شرعية، ومنع الجرائد والمجلات التي تروج لأفكار الكفر والعلمنة والسفور والخلاعة والصور الفاضحة.

– إذكاء روح الجهاد وحب الموت في أبناء هذه الأمة.

 يستلزم فهم ذاك التحرك رصد خلفياته. فقد كانت دول الخليج مساندة لصدَّام في حربه مع إيران، وحين انتهت الحرب انقلب صدَّام – وغدره معروف وثابت – على دول الخليج، وافتعل أزمة وهمية مع الكويت وانقض عليها. ومن باب السذاجة لوم دول الخليج على دعم صدَّام في مرحلة سابقة. فأولاً لا أحد يعلم بالغيب، وثانياً من يستحق اللوم هو المذنب وليس المحسن، وثالثا – وهذا الأهم – أن دعم صدَّام كان واجبا في مواجهة المبدأ الإيراني "تصدير الثورة"، ولنا في انتفاضة القطيف السعودية ١٩٧٩ المثل الناصع، فقد كانت لها أسبابها الداخلية، لكن أحد دوافعها المهمة كان التضامن مع إيران ضد الولايات المتحدة في أزمة احتجاز رهائن السفارة الأميركية في طهران.

بعض مراهقي اليوم، يُصدّرون صورة صدَّام حسين في حساباتهم على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، متناسين أن هذا الطاغية هدد وجودهم وقصف بلادهم، احتل الكويت وكان هدفه التالي المملكة، لكن الأقدار تختار رجالها، فمن حسن حظ السعوديين والكويتيين والعرب، أن الملك فهد – رحمه الله- كان على رأس الحكم في المملكة العربية السعودية، ليتخذ قرارا من أهم القرارات في مسيرة الدولة: الاستعانة بالقوات الأميركية لتحرير الكويت وردع صدَّام، ولولا هذا القرار الشجاع والعظيم لكان من يرفعون صور صدَّام يرقدون في جحيمه، لا يهمني كيف مات صدام حسين، بل يهمني كيف عاش، حين مات فرعون قال: "آمنت برب هارون وموسى".

من يتعاطف مع صدَّام يعزو موقفه إلى مواجهته لإيران، والحقيقة أن صدَّام هو أسوأ من واجه الإيرانيين، وتفاصيل الحرب العراقية – الإيرانية تكشف جهالة صدَّام عسكرياً وسياسياً، ومن الأساس لم يربح صدَّام أي حرب طوال مسيرته، وانتهت حربه مع إيران قبإذعانه لمطالب الإيرانيين، للأسف.

 وهناك من يتعاطف مع صدَّام لأسباب طائفية، صدَّام السنّي ضد الشيعة، حين أن صدّام كان بعثياَ لا سنياً، نكل بالأكراد السُنَّة كما نكل بالشيعة، ومعتقلاته ورصاصاته وأسلحته الكيميائة عابرة للطوائف، لكنه كأي بعثي وصل إلى الحكم عبر الغدر والسلاح اعتمد على عصبية أقلوية، وصودف أن العرب السُنّة هم أقلية العراق تماماً كالعلويين في سوريا الذي اعتمد عليهم حافظ الأسد ضد الأكثرية.

كانت الثورة الإسلاموية الإيرانية أثارت غيرة رجال الدين السُنَّة

من نفوذ رجال الدين الشيعة وسلطانهم

قرار الملك فهد الذي أنقذ السعودية والكويت والخليج برمته، كان أكبر من استيعاب بعض مجتمعه الذي أصيب بجرح نرجسي، فالإعلام الرسمي كان قد ركز على منجز "الأمن والأمان"، لذا تساءلت بعض النخب عن نجاعة الإنفاق الأمني والعسكري، أما الإسلامويون الذين انطلقوا من زاوية عقائدية جامدة ومذعورة، فاعتبروا قرار الاستعانة بالولايات المتحدة استعانة بالكُفَّار على المسلمين للدفاع عن بلاد الحرمين، وأدت قيادة النساء للسيارات ثم "العريضة المدنية"، إلى صياغة رؤية تآمرية للحدث رأت في هدف تحرير الكويت قضاءً على الإسلام في السعودية، والحقيقة هي الخشية على النفوذ، لذلك كان مضمون "خطاب المطالب" ثم "مذكرة النصيحة" تسنيناً للنظرية الشيعية الخمينية "ولاية الفقيه"، وكانت الثورة الإسلاموية الإيرانية أثارت غيرة رجال الدين السُنَّة من نفوذ رجال الدين الشيعة وسلطانهم. وفي إشارة بليغة إلى التطرف الإسلاموي، يظن من يقرأ أدبيات الإسلامويين في تلك المرحلة أنهم يتحدثون عن لاس فيغاس وليس عن السعودية المحافظة.

مصائر المعارضين 

أسامة بن لادن.

اعتمد الإسلامويون على وسائل التواصل التي سادت وقتها للتجييش والاستقطاب، أي منابر المساجد والمنشورات وشرائط الكاسيت، ومن أبرز وجوههم في تلك المرحلة: سلمان العودة وسفر الحوالي وعبدالمحسن العبيكان وعبدالله التويجري وأسامة بن لادن الذي كان موالياً للدولة في تلك الحقبة.

بدأ نشاط بن لادن المنبري والاجتماعي قبيل الغزو، حذر من غزو الكويت قبل حدوثه، وأشار إلى مؤامرة كونية على الإسلام في السعودية، وبالطبع قصد الإسلام السياسي وليس  الإسلام. بعد الغزو اقترح ان يقوم المجاهدون الأفغان بتحرير الكويت، لكن مسؤولا سعوديا عالي المستوى رد عليه: أفغانستان تستطيعون الاحتماء بكهوفها وجبالها، لكن الكويت مبسوطة مثل كف اليد، ماذا ستفعلون حين تسقط عليكم الصواريخ والأسلحة الكيميائية؟ أجاب بن لادن بسذاجة: نواجهها بالإيمان!

هاجم سفر الحوالي الدولة صراحة في محاضرة في الرياض عنوانها "ففروا إلى الله". وسانده بعد ذلك عبدالمحسن العبيكان بخطبة تجيز الإنكار من دون موافقة السلطة.

كان موقف المؤسسة الدينية الرسمية بقيادة الشيخ عبدالعزيز بن باز معقداً، فهي أولا أصدرت فتوى تؤيد قرار الملك فهد، ثم وقع بعض أعضاء هيئة كبار العلماء وأئمة الحرمين "خطاب المطالب" و"مذكرة النصيحة"، ولاحقاً وقف بن باز وإمام الحرم النبوي الشيخ عبدالعزيز بن صالح ضد "مثيري الفتنة"، وأجاز ابن صالح في فتوى شهيرة قتلهم، لكن للأمانة يمكن أن نقرأ موقف المؤسسة الدينية كالتالي: تعاطفت تعاطفاً مكتوماً مع النشاط الإسلاموي، لكنها حين خُيّرت بين الدولة وبين الإسلامويين اختارت الدولة بلا تردد.

تفاعل الملك فهد بحصافة عالية مع الأحداث الداخلية، تعامل بحزم مع تظاهرة قيادة للسيارة ونشاطات الإسلامويين، وبحنو مع رجال "العريضة المدنية"، وكانت مبرراته مفهومة ودقيقة، إذ اعتبر التظاهرة سلوكاً يجرح هيبة الدولة، ورأى أن "العريضة المدنية" تريد تطوير الدولة بينما تريد "مذكرة النصيحة" تغييرها، إذ يمكن تلخيص مطالب العريضة في إعلان الأنظمة الثلاثة (النظام الأساسي للحكم "الدستور"، مجلس الشورى، المناطق)، وعد بذلك فيصل بن عبدالعزيز وليا للعهد (١٩٦٢) ثم ملكا (١٩٦٤)، وشكل الملك خالد لجنة لإصدار هذه الأنظمة برئاسة وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز وعضوية الوزراء: محمد إبراهيم مسعود، عبدالوهاب عبدالواسع وإبراهيم العنقري. وحين تولى الملك فهد مقاليد الحكم وعد في حوار مع مجلة "درشبيغل" الألمانية بإصدارها، ونفذ وعده في ١ آذار/ مارس ١٩٩٢، ليضع المملكة في جادة الدولة الحديثة، دولة القانون والمؤسسات.

أسلوب الملك فهد الإستيعابي وآثار حرب الخليج 

الأمير بندر بن سلطان.

 ويحسب للملك فهد أيضا تعامله الشفاف مع الإعلام في تلك المرحلة، فقد تحدث صراحة عن أن الجيش السعودي رغم قوته لا يملك خبرة ٨ سنوات قتالية كالجيش العراقي (صحيفة عكاظ – ٢٨ تشرين الثاني / نوفمبر ١٩٩٠). وكانت التيارات القومية واليسارية، وقد أيد معظمها تحرير الكويت باستثناء العناصر الموالية لبعث العراق، تأمل في أن يتحقق التحرير بتحالف عربي صرف، لكن قائد القوات المشتركة الأمير خالد بن سلطان أوضح بلغة الأرقام أكثر من مرة أن هذا الاقتراح ليس عملياً.

تحرير الكويت كشف موقفا حكيما آخر للملك فهد، إذ استطاع معالجة ملف المعارضة الشيعية التي ت بسبب شكلت بسبب "انتفاضة القطيف"، أقامت المعارضة في إيران أولا ثم تصادمت مع رئيس الجمهورية علي خامنئي، فانتقلت إلى دمشق ومنها إلى لندن، اكتشفت تلك المعارضة باختصار أن إيران تريدها أداة في يدها تستنزفها ثم تتخلص منها، فضلا عن أن المعارضة الشيعية كانت حركة احتجاج أكثر من كونها تنظيما سياسيا، ونظرا إلى أن حرب الخليج رفعت سقف النقد السعودي لم يعد للمعارضة الشيعية من داع، فأعلن رئيسها الشيخ حسن الصفار تضامنه مع الحكم السعودي ضد تهديدات صدَّام، ثم تمت المصالحة التي كان من عرابيها: الأمير بندر بن سلطان، غازي القصيبي، الوزير السابق ناصر المنقور، المستشار عبدالعزيز التويجري والسفير أحمد الكحيمي، ومن نتائج المصالحة تمكين الشيعة من أداء شعائرهم في العلن، ومنع الاعتقالات العشوائية مطلقاً.

الوزير السعودي الراحل غازي القصيبي.

لكن آثار حرب الخليج لم تتوقف هنا، فمعظم الوجوه التي شاركت في "العريضة المدنية" عادت إلى النشاط بعد أحداث 11 أيلول /سبتمبر ٢٠٠١ بوثيقة الرؤية (عام ٢٠٠٣)، وعادت إلى التحرك مجددا بعد اندلاع "الربيع العربي". أما وجوه المعارضة الشيعية فتقلبت علاقتهم مع الحكم بين مد وجزر، وبعض عناصرها اختار القطيعة رغم عودته إلى المملكة، مثل فؤاد إبرهيم وحمزة الحسن اللذين انتقلا لاحقاً إلى لندن وأصبحا أداتين لدولة معادية.

أما من شاركوا سراً وعلانية في "خطاب المطالب" ثم "مذكرة النصيحة" فقد تشتتت مصائرهم: سعد الفقيه ومحمد المسعري شكلا معارضة رديئة ورجعية  ومرتهنة في لندن، وأسامة بن لادن انشق تماماً واختار طريق الإرهاب بمغادرته إلى السودان ثم أفغانستان، وسلمان العودة غيّر جلده مراراً ، وسفر الحوالي ظل متربصاً بالسلطة، أما عبدالمحسن العبيكان فعاد إلى كنف الدولة.

أفرزت حرب الخليج نجومها وظواهرها، عزز بندر بن سلطان (سفير السعودية في واشنطن) مكانته رجلاً للمهمات المستحيلة، وغازي القصيبي (سفير السعودية في لندن) قام بدور رأس الحربة ضد إعلام صدَّام وضد الإسلامويين، ووزير خارجية السعودية الأمير سعود الفيصل بالموازاة مع وزير خارجية الكويت آنذاك الشيخ صباح الأحمد توليا مهمة "الجهاد الديبلوماسي" على أكمل وجه، ومن الأدوار المنسية دور السفير السعودي في تركيا الدكتور عبدالعزيز خوجة الذي جمع أقطاب الحكم في منزله ليصدروا بيانا مؤيدا للمملكة في حفظ أمنها وتحرير الكويت.

الوزير السابق عبد العزيز الخوجة.

واللافت أن حادثة صغيرة أوحت تطورات متوالية لاحقاً، فقد انعقدت القمة الخليجية في قطر للتضامن مع الكويت، وفوجئ القادة بأن ولي عهد قطر الشيخ حمد بن خليفة أراد استغلال الظرف للاستيلاء على جزيرة الحوار المتنازع عليها بين قطر وبين البحرين، لكن الملك فهد أدَّبه.

الدرس الأهم من غزو الكويت وتحريرها، هو أن السعودية هي الدولة التي سيجدها جارها وصديقها وقت الشدائد، فحتى لو غدرك القريب ستنجدك المملكة.

ولا أجد بطلاً في تداعيات حرب تحرير الكويت غير «مكر التاريخ»، كما يسمّيه هيغل. إن مكر التاريخ، هو أحد تلك الطرق والوسائل التي يستطيع «المطلق» من خلالها أن يتجسد في التاريخ، من دون أن تعي تلك الوسائل أنها تحقق – في ما هي تفعل – إرادته. وهذا ما جرى!

كاتب صحافي سعودي مقيم في لبنان