خبر

992 مليون دولار لدعم القروض وفق آلية جديدة

«المركزي» يتشدّد مع المصارف للإمساك بالسيولة
رصد مصرف لبنان 995 مليون دولار لدعم القروض في عام 2018 وفق آلية جديدة صُمّمت بهدف الحفاظ على سيولته وتحفيز المصارف على استعمال سيولتها. بالنسبة للمقترضين ستزيد كلفة القرض بنحو نصف نقطة مئوية، فيما بات على المصارف التأكّد من انطباق شروط الدعم على المقترض تحت طائلة التغريم بما يوازي 15% من قيمة القرض

أصدر مصرف لبنان، الجمعة الماضي، تعميماً وسيطاً رقمه 485 يضع آلية جديدة لدعم القروض بمبلغ 1495 مليار ليرة أو ما يعادل 992 مليون دولار. وسيوزّع هذا المبلغ على المصارف وفق «كوتا» يحدّدها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، كما أن 46% منه سيكون بالدولار الأميركي، و50% منه مخصصة للقروض السكنية. التغيير الأساسي في آلية القروض المدعومة، لا يتعلق بشروط الإقراض للزبائن، بل بطريقة التمويل والكلفة على الزبون.

ففي السابق كان مصرف لبنان يضخّ مبلغاً مدعوم الكلفة (كان يقرض المصارف بفائدة 1%) تستعمله المصارف لإقراض الزبائن بفائدة لا تزيد على 5%. أما الآلية الجديدة فتفرض على المصارف استعمال سيولتها لإقراض الزبائن مقابل الاستفادة من دعم مصرف لبنان بالاستناد إلى معادلة احتساب جديدة تربط فائدة القرض بمؤشر «توظيفات المصارف لدى مصرف لبنان» بدلاً من «مؤشر سندات الخزينة»، وهذا ما يفرض ارتفاعاً في فائدة القرض السكني بنحو نصف نقطة مئوية.

الدافع وراء هذه الخطوة، وما سبقها من قرارات تتعلق بدعم القروض، يكمن في السياسة النقدية التي لم تعد تتحمّل هذا «الثقب الكبير» في آليات الدعم، على حدّ تعبير أحد مسؤولي مصرف لبنان. إذ تبيّن أن قسماً من القروض المدعومة كان يُستعمل لتمويل مضاربات على العملة ومضاربات عقارية، فيما الدعم مخصّص لرسملة الشركات وتنمية قدراتها، ولتمويل القدرة الشرائية للأسر الفقيرة أو المتوسطة. لكن المؤشرات المالية والتوقيعات السوقية لم تعد تحتمل هذا الإنفلات. فمن جهة هناك عجز متراكم في ميزان المدفوعات على مدى السنوات السبع الأخيرة بما يزيد على 9 مليارات دولار، ومن جهة ثانية هناك صعوبة في استقطاب الدولارات من الخارج. إذ أن نموّ الودائع يكاد يوازي صفراً إذا احتسبنا النموّ الناتج من الفوائد المصرفية على قاعدة الودائع، ما يجعل أولوية مصرف لبنان تصبّ في كيفية الحفاظ على احتياطاته بالعملة الأجنبية من خلال إرساء تكتيكات تضمن له الإمساك بالسيولة والتشدّد أكثر مع المصارف بعد اكتشاف عدد هائل من المخالفات.

من هذه الزاوية تأتي الآلية الجديدة التي سبقتها سلسلة قرارات صدرت عن مصرف لبنان في الأسابيع الماضية بدأت بوقف دعم القروض بالعملة المحليّة وتخصيصه للعملة الأجنبية (الدولار) مع بعض الاستثناءات للسكن والتعليم والقروض الصغيرة، قبل أن تصدر تعاميم تتشدّد في تطبيق شروط منح القروض. ثم صدر التعميم الأخير الذي يعيد توزيع الدعم تبعاً لعملة القرض والمصرف والقطاعات ويربط كلفته بمؤشّر توظيف المصارف لدى مصرف لبنان. 

وبحسب التعميم 485، فإن مصرف لبنان يخصّص 750 مليار ليرة لدعم القروض السكنية، و22 ملياراً لدعم القروض التعليمية، و30 ملياراً لدعم «القروض الصغيرة». كذلك خصّص 460 مليون دولار لدعم «القروض الأخرى الممنوحة بالدولار».

ويحدّد التعميم حصّة كل مصرف من الدعم المخصّص لعام 2018 من خلال «حدّ أقصى لكل مصرف يحدّده حاكم مصرف لبنان على أساس مجموع القروض المستفيدة من حوافز مصرف لبنان الممنوحة من المصرف»، أي أن «المركزي» سيُحصي مجموع المبالغ التي استفاد منها كل مصرف وفق آلية الدعم السابقة المعروفة باسم «حوافز مصرف لبنان»، وسيحوّلها إلى نسبة تصلح لتوزيع مبالغ الدعم وفق الآلية الجديدة.

وحدّد مصرف لبنان خمسة شروط للاستفادة من الدعم:

ــــ أن تكون القروض ممنوحة لتمويل مشاريع جديدة أو توسيع مشاريع قائمة وغير ممنوحة لإعادة تمويل مشاريع قائمة أو لشراء مساهمات أو مشاركات أو لتسديد قروض سابقة.

ــــ ألا تكون ممنوحة لتمويل مشاريع تتعلق بالالتزامات متعاقد عليها مع الدولة اللبنانية أو البلديات أو المؤسسات العامة.

ــــ أن تكون القروض السكنية كافة ممنوحة لشراء أو بناء مسكن في لبنان لمرة واحدة، على أن يكون هذا المسكن مقر الإقامة الرئيسي للعميل اللبناني أو المغترب.

ــــ ألا تتجاوز، خلافاً لأي نصّ آخر، الفوائد والعمولات من أي نوع كانت التي تحتسب سنوياً على هذه القروض النسب المحدّدة في جدول مرفق بالتعميم.

ــــ أن يتم تسديد هذه القروض بدفعات تستحق في نهاية كل شهر أو كل فصل وفقاً لما هو محدّد في العقد الموقع بين المصرف المعني وعميله.

وحمّل مصرف لبنان المصارف المعنية مسؤولية المخالفات. إذ نصّت الفقرة العاشرة من المادة الأولى من التعميم على أن «يتحمّل كل مصرف يمنح قروضاً من الفئات المحددة، مسؤولية صحة تنفيذها ومراقبة استعمالها وتطابقها مع الغاية الممنوحة من أجلها، وذلك تحت طائلة تسديد قيمة الدعم المدفوعة من مصرف لبنان مقابل كل قرض ممنوح بطريقة مخالفة لأحكام هذه المادة، والزام المصرف المعني بدفع تعويض، بمثابة بند جزائي، مقداره 15% من قيمة القرض، بالإضافة إلى إيداع احتياطي خاص بما يوازي قيمة الدعم المذكور مقابل هذا القرض لفترة توازي المدّة التي استفاد فيها من الدعم».

ورغم التشدّد في قمع المخالفات، تبقى مسألة الكلفة على المقترضين غامضة على غير التقنيين. وهذه الكلفة محدّدة بجدول مرفق بالتعميم تحت عنوان «الحد الأقصى للفائدة والعمولات على القرض». ويتضمن هذا العنوان معادلة احتساب خاصة لكل فئة من فئات القروض المدعومة من مصرف لبنان، وجميعها يحتسب على أساس «مؤشر معدل فوائد التوظيفات لدى مصرف لبنان»، ويحسم من الناتج الصادر عن المؤشر نسبة محدّدة. فعلى سبيل المثال، تحتسب القروض السكنية المعروفة باسم قرض مصرف لبنان على أساس مؤشر معدل فوائد التوظيفات لدى مصرف لبنان ناقص 3.75%، أي أنها ستزيد 0.5% مقارنة بما كانت عليه. أما قروض المؤسسة العامة للإسكان فتحتسب على أساس مؤشر معدل التوظيفات لدى مصرف لبنان ناقص 4.72%، وقروض إسكان العسكريين وباقي البروتوكولات من تعاضد القضاة وقوى الأمن الداخلي والجمارك الأمن العام وسواها فتحتسب على اساس مؤشر معدل التوظيفات لدى مصرف لبنان ناقص 5.872%، أي أن الفوائد على المقترض ستبقى على حالها.

في السابق كان الرابط بين كلفة التمويل والدعم هو مؤشر سندات الخزينة، إلا أنه مع ارتفاع مستوى توظيفات المصارف لدى مصرف لبنان إلى أكثر من 100 مليار دولار لم تعد هناك مصلحة للمصارف في أن يبقى المؤشر هو سندات الخزينة التي انخفضت كلفتها، ولا سيما أن مصرف لبنان اكتتب في الفترة الأخيرة بمبلغ 3000 مليار ليرة بفائدة 1%. هذا الخيار في تغيير المعادلة، يعكس مدى انكشاف المصارف على مصرف لبنان وانخراطها في تمويله على أن يقوم هو في المقابل بتمويل الدولة فتتجنب المصارف الدخول في لعبة المنافسة على اسعار فائدة سندات الخزينة، فيما تحصل من مصرف لبنان «بالتراضي والرضى» على فائدة أعلى.

الكاتب: محمد وهبة
المصدر: الأخبار