الجمهورية
محطتان بارزتان يفترض أن تحدّدا وجهة الاستحقاق الحكومي المُعطّل، الأولى خطاب الامين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله اليوم والموقف الذي سيعلنه تجاه عقدة تمثيل «سنّة 8 آذار»، وتوحي أجواء ما قبل الخطاب بأنّ نصرالله سينزع تهمة تعطيل تأليف الحكومة عن الحزب، ويُلقي كرة الحل في ملعب الرئيس المكلف سعد الحريري، وضمناً في ملعب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، مشدداً على أحقيّة تمثيل هؤلاء النواب، وأنهم الجهة المعنية بالتفاوض معها لبلورة الحل. وأمّا المحطة الثانية فهي عودة الحريري الى الاستقرار في بيروت مُنهياً زيارته الباريسية، ليشّكل الأسبوع المقبل مختبراً متجدداً للنيّات تحدّد فيه الاتصالات التي يفترض أن تنطلق بعد عودته لتحديد المسار، إن في اتجاه الحلحلة، والتي تبدو مُستعصية حتى الآن، أو في اتجاه التعقيد. وهذا معناه انّ الحكومة ستمكث طويلاً على رَف التعطيل.
الواضح عن الأجواء المحيطة بهذه العقدة أنها أعادت بناء جدار سميك في طريق الحكومة، واذا كان تيار «المستقبل»، المُطمئن الى موقف رئيس الجمهورية، قد حسم قراره مسبقاً بعدم التراجع امام محاولات الضغط التي يمارسها بعض القوى، وفي مقدمها «حزب الله»، لفَرض تمثيل كتلة نيابية مفتعلة، في الحكومة، في عملية تُشتَمّ منها رائحة احتيالية على التأليف، خصوصاً انّ ثلثي هؤلاء النواب الستة، قد تمثلت كتلهم الأم في الحكومة، أي كتل حركة «أمل» و«حزب الله» وتيار «المردة»، فإنّ الاجواء السائدة في جانب النواب الستة تؤكد انّ قراراً واضحاً قد اتخذ (من جانب «حزب الله»)، بعدم السماح بتأليف الحكومة بمعزل عنهم. في وقت لوحظ انّ الحزب، يسعى في الفترة الاخيرة، الى أن ينأى بنفسه عن التعطيل.
وفي هذا السياق، قالت مصادر الحزب لـ«الجمهورية»: «انّ «حزب الله» ليس في موقع المتهم، بل هو أعلن موقفه صراحة بأنه يدعم الى النهاية حقّ نواب اللقاء التشاوري بالتمثيل في الحكومة أسوة بغيرهم، وبناء على حقهم في ذلك، الذي أكّده فوزهم في الانتخابات النيابية وأوجَبته ثقة الشريحة الواسعة من المواطنين بهم. موقف هؤلاء النواب صَلب، و«حزب الله» يتضامن معهم، ويعتبر انّ كرة الحل في ملعب الرئيس المكلف.
وليلاً، قالت مصادر «المستقبل» لـ«الجمهورية»: «انّ موقف الرئيس سعد الحريري على حاله، وهو لن يتراجع عن رفض توزير سنّة 8 آذار».
وأضافت: «نحن غير معنيين بكل حركة هؤلاء بأيّ شكل من الاشكال، ونكرّر انّ الحل عند الفريق الآخر الذي ابتدَعَ هذه البدعة، والتي نكرر انها لن تمر».
إتصالات حثيثة
وكان اليومان الماضيان قد شهدا حركة اتصالات هاتفية حثيثة، خصوصاً ما بين بعبدا وعين التينة، وبين بعبدا وباريس، وكذلك بين عين التينة وباريس، وسجّل أكثر من اتصال بين الحريري والوزير علي حسن خليل، الّا انّ هذه الاتصالات لم تبدّد الاجواء الضبابية، ولكن تم التوافق على إطلاق حركة اتصالات مكثفة خلال الاسبوع المقبل. إلّا أنّ السؤال الذي تفرضه هذه الإتصالات هو: هل ستؤدي الى نتيجة، لا بل هل ستنطلق فعلاً؟
مصادر سياسية معنية بملف التأليف تعلق آمالاً على إمكان توصّل هذه الاتصالات الى حلحلة للعقدة السنية، ذلك انّ الاطراف المعنية بها، مُتصلّبة الى حد يَنعى إمكانية التراجع، فالرئيس المكلف أبلغ الى الجميع أنّ حكومته جاهزة وينقصها فقط 3 اسماء حتى الآن يمتنع «حزب الله» عن تقديمها، وانه، أي الحريري، غير معني بأيّ تراجع او تنازل او رضوخ للشروط التي تفرض عليه، فأيّ خطوة من هذا النوع تعدّ بمثابة الانتحار بالنسبة إليه.
نصائح أوروبية
على انّ اللافت للانتباه في حلقة التعقيد المتجددة، هو النصائح الاوروبية التي تواصلت في الفترة الاخيرة، وشدّدت على التعجيل بتأليف الحكومة، ويبرز فيها تأكيد فرنسي متجدد تمّ إبلاغه الى كبار المسؤولين في الدولة، أنّ باريس تنظر بعين القلق الى بقاء الوضع الحكومي في لبنان معطلاً، خصوصا أن ثمة استحقاقات مهمة تنتظره في الفترة المقبلة، والتأخير المتواصل في تشكيل الحكومة يُرتّب عليه خسائر كبرى وأضراراً قد يصبح من الصعب عليه احتواؤها.
وبالتالي، فإنّ باريس تدعو جيمع الاطراف في لبنان الى تأليف حكومتهم في أسرع وقت ممكن، والشروع فوراً في إيجاد المعالجات للوضع الاقتصادي الدقيق في لبنان، والذي يؤكد المسؤولون اللبنانيون انه بلغ نقطة الخطر الشديد.
والأمر نفسه أكدت عليه بريطانيا، وعبّر عن ذلك الوفد البرلماني البريطاني الذي يزور لبنان حالياً، حيث عكس أعضاء في هذا الوفد استغراباً للتأخير في تشكيل الحكومة. وكذلك عكسوا الخشية من أن يفتح هذا التأخير الباب على بروز سلبيات، في وقت انّ لبنان، الذي ينعم باستقرار أمني ملحوظ، هو في أمسّ الحاجة الى الاستقرار السياسي والاقتصادي.
واذا كان مؤيّدون لتمثيل «سنّة 8 آذار» يتحدثون عن ظلم متعمّد لهؤلاء على يد الرئيس المكلف، ويعتبرون انّ زيارته لفرنسا ومكوثه فيها طوال هذه الفترة بالتزامن مع تفاعل عقدة تمثيلهم، هو بمثابة «اعتكاف مقنّع»، فإنّ المعارضين لهذه المسألة، وفي مقدمهم تيار «المستقبل»، ينفون بنحو قاطع فرضية الاعتكاف، ويؤكدون في الوقت نفسه انّ الحريري ماضٍ في موقفه وموقعه، ولن يعطي احداً ما هو ليس حقاً له. وبالتالي، فإنّ المشكلة وحلها في يد مَن افتعلها.
مرجع سياسي
وحول هذا الأمر، سألت «الجمهورية» مرجعاً سياسياً، عمّن يعطل الحكومة؟ فقال: «لو انّ معياراً واقعياً قد اعتمد من الاساس، في تأليف الحكومة، لَما كنّا وصلنا الى ما وصلنا اليه. وفي أّي حال هذا الطرف يقول شيئاً، وذاك الطرف يقول نقيضه، وأمام هذا التناقض فإنّ حل هذه العقدة يكون عبر تطبيق المثل الشعبي القائل «اللي طلّع الحمار على الميدنة… ينزلو».. ولكنني امام هذا الوضع لست متفائلاً، وصرت متشائماً الى حد اننا قد لا نرى حكومة في المدى المنظور، وثمة خاسر وحيد في هذا الوضع، وهو البلد. عيب ان يكون مصير بلد كامل معلقاً على حقيبة وزارية».
الّا انّ مصادر مؤيّدة لموقف الحريري، قالت لـ»الجمهورية»: «انّ عقدة تمثيل سنّة 8 آذار ما هي الّا واجهة، وغطاء للسبب الحقيقي لتعطيل الحكومة الذي بادر اليه «حزب الله»، وكل المؤشرات تدل على انّ الحزب افتعل هذه المشكلة إنفاذاً لأجندة خارجية، وإيرانية تحديداً، ويؤكد ذلك التزامن بين العقوبات الاميركية على ايران وبين افتعال «حزب الله» للعقدة السنّية».
على انّ ما ذهبت اليه المصادر المؤيدة للحريري، لم تؤيده مصادر مؤيدة لفكرة تمثيل سنّة 8 آذار، التي أكدت بدورها لـ«الجمهورية»: «أنّ «حزب الله» جاد في حمل قضية تمثيل هؤلاء. والحزب، له سابقة كبرى في الانتظار، فقد سبق له أن عطّل انتخابات رئاسة الجمهورية لسنتين ونصف السنة، حتى تحقّق هدفه بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. وحالة النواب الستة مشابهة لِما سبق، اذ ان مَن انتظر سنتين ونصف السنة لتحقيق هدفه الرئاسي، يستطيع ان ينتظر طويلاً حتى تمثيل هؤلاء في حكومة الحريري».
حركة «السنّة المستقلين»
وكان النواب «السنة المستقلين» واصلوا تحركهم، فزاروا الرئيس عون وعرضوا معه لمطلب تمثيلهم في الحكومة، إنطلاقاً من المعايير التي وضعت عند بدء البحث في تشكيلها، ورفضهم حصر أحادية التمثيل السني بتيار «المستقبل» دون سواه من القوى والكتل التي أنتجتها الإنتخابات النيابية.
وشرح عون وجهة نظره مجدداً تأكيداً لمضمون موقفه المعلن. ونُقل عنه قوله انه يتذكر جيداً مشاركتهم في الإستشارات النيابية بمرحلتيها التأليف والتكليف من خلال الكتل النيابية التي ينتمون اليها في الإنتخابات وليس باستقلالية عنها. ولفت عون النواب «السنة المستقلين» الى عدم صوابية الربط بين نشوء كتلتهم النيابية الآن وبين كتلة «ضمانة الجبل»، التي تألفت قبل الإنتخابات وخاض أعضاؤها الإنتخابات معاً ما جعلها مستقلة، وإن انضمّت لاحقاً الى تكتل «لبنان القوي».
ووعد عون الوفد بدرس مطلبهم مع الحريري بغية إيجاد حل، ودعاهم الى الهدوء وتَفهّم حاجة البلاد الى حكومة في اسرع وقت، لكي تواجه رزمة التحديات المتعددة الوجوه ومخاطرها على اكثر من صعيد.
وعلمت «الجمهورية» انّ عون أبلغ زواره امس أنّ هذا الموضوع سيكون من ضمن اهتمامات رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، الذي يمكن ان يلتقي النواب السنة المستقلين قريباً إذا دعت الحاجة.
وفي ظل انقطاع ايّ تواصل بين رئيس الجمهورية و»حزب الله»، علم انّ نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي يؤدي دوراً في جزء منها، وانّ هناك فكرة ستتم بلورتها في الساعات المقبلة من خلال اتصالات سيجريها باسيل مع قيادة «حزب الله»، وتسبق خطاب السيد نصرالله بعد ظهر اليوم.
وقال عضو «اللقاء التشاوري السنّي» النائب الوليد سكرية لـ«الجمهورية»: «نحن ثابتون على موقفنا ولن نتزحزح، ولن يكون هناك وزير إلّا من النواب الستة. هذا موقفنا، فلماذا علينا ان نلغي أنفسنا؟».
وأضاف: «كان لا بد، بعد إطلالة الرئيس عون المتلفزة، من ان نوضح له الصورة ونطلعه على حقنا في التمثيل، ولنؤكد له اننا لسنا من يضع العصي في دواليب التأليف، وشدد الرئيس عون أمامنا على وجوب التفتيش عن حل وحصول حوار وتواصل».
الجلسة التشريعية
من جهة ثانية، تتجه الانظار الى الجلسة التشريعية التي دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري الاسبوع المقبل، وثمة أسئلة تحوط بها، وخصوصاً حول انعقادها، او فقدان نصابها، ما يعني تعطيلها.
واذا كانت الاطراف السياسية جميعاً قد أكدت لبري أنها ستحضر الجلسة، فإنّ معلومات ترددت في الساعات المنصرمة، عن محاولات تعطيل هذه الجلسة، وتطيير نصابها بعد إقرار بنود معينة مدرجة في مقدم جدول أعمالها.
وقالت مصادر مجلسية لـ«الجمهورية»: «ان خطوة من هذا النوع، تعني الدخول في التحدي مع رئيس المجلس، الذي عمل على إطلاق العجلة التشريعية للمجلس، ودرس وإقرار مجموعة من القوانين التي يحتاجها البلد، خصوصاً تلك المتعلقة بالملف الاقتصادي والملف النفطي الذي يعوّل عليه منفذاً للبنان من أزمته الاقتصادية.
بري: التعطيل ممنوع
وفي هذا السياق، كرر بري التأكيد أمام زوّاره «انّ المجلس سيّد نفسه ولا توجد اي موانع على الاطلاق امام ممارسته لدوره التشريعي». وأشار الى «انّ قطار التشريع قد انطلق، والجلسة التشريعية المحددة الاسبوع المقبل، تشكّل فاتحة لجلسات متتالية».
وفي هذا السياق، سئل بري عمّا يتردد حول تحضيرات بعض القوى السياسية لتعطيل الجلسة، فأجاب: «إن فكر أحد ما بتعطيل المجلس، ننصحه بأن لا يلعب هذه اللعبة، علماً انّ لعبة النصاب، هي لعبة تُعطّل ولا تسهّل، ومن جهتي سأقف بالمرصاد لأي محاولة من هذا النوع».
وقيل لبري: في حال لعبوا لعبة النصاب، فما العمل؟ فأجاب: «الامر في غاية البساطة، سأدعو الى جلسات تشريعية مفتوحة ومتتالية، لا شيء يمنع انعقاد المجلس، فالمجلس اليوم في دورة انعقاد عادية، وأقل واجبه ان يمارس دوره التشريعي. في السابق كانوا يتذرعون بأنّ المجلس لا يستطيع ان ينعقد لأنه ليس في دورة انعقاد عادية، وعلى رغم ذلك أصَرّينا على الانعقاد. وهذا ما حصل تحت عنوان تشريع الضرورة، واليوم نحن أمام ضرورة التشريع، وفي اي حال «فليلَحّقوا» عليّ جلسات».
ورداً على سؤال قال بري: «المجلس ممنوع ان يتعطّل، واذا كان في ذهن احد ان يعطل المجلس، فهو يرتكب خطيئة كبرى، ويجب ان يكون معلوماً انّ تعطيل المجلس هو الخراب بعينه، يعني جعل البلد بلا مؤسسات، لا حكومة ولا مجلس، يعني لا بلد».
وعمّا اذا كان سيفتح المجال للنواب في الجلسة المقبلة للنقاش في الوضع الحكومي والتجاذب حول هذا الامر؟ قال بري: «لا استطيع ان اقول لأحد ما يجب عليه ان يفعله، وطالما انّ كلامه ضمن النظام وتحت سقفه، فله الحق في قول ما يشاء، ولكن اذا ما خرج هذا الكلام عن حدود النظام فساعتئذٍ الحل عندي، أي أتدخل وأوقف هذا الامر».
وعمّا اذا كانت المعلومات دقيقة حول محاولة تطيير النصاب؟ قال بري: «بصرف النظر عمّا اذا كانت صحيحة او غير صحيحة. أنا تعمّدتُ وضع جدول الاعمال، وتوزيع بنوده فيه، على نحو يوجب ان يبقى النواب في الجلسة، هناك بنود بالغة الاهمية، فمن حق طرابلس مثلاً، أن تأخذ وتعطى ما تريد، ولذلك أدرجتُ البند المتعلق بها في صدارة جدول الاعمال، هذا البند مهم جداً، ولكن هناك بند آخر اعتبره الاكثر أهمية، وهو المتعلق بملف النفط، الذي تعمّدتُ وَضعه في آخر الجلسة لكي يبقى الجميع فيها».