عماد مرمل – الجمهورية
صحيح أنّ النواب السنّة المستقلّين كانوا يتوقعون، عشية خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، أن يعلن عن دعمه التام لمطلبهم بالحصول على مقعد وزاري، لكنّ الأرجح أنّ “السيد” ذهب في مؤازرته لهم الى أبعد ممّا كانوا يفترضون.
ليس بسيطاً أن يؤكد نصرالله أنّ “الحزب” سيظلّ واقفاً الى جانب المطلب المحقّ للنواب الستة “حتى قيام الساعة”، إذا اقتضى الامر. هذا الالتزام قطعه “السيد” قبلاً لشخص واحد هو العماد ميشال عون بعد حرب تموز 2006، وترجمه عملياً في السياسة عبر الثبات على دعم ترشيح عون لرئاسة الجمهورية نحو عامين ونصف عام، الى أن اصبح الجنرال سيد قصر بعبدا.
وعندما كان نصرالله يُسأل عن إمكان موافقة “الحزب” على البحث في خيار آخر للرئاسة، كان يجيب: “القرار عند عون، ونحن نقبل بما يقبل به، وما دام هو مرشح فإننا ماضون في دعمه”.
بهذا المعنى، يبدو كأنّ السيناريو نفسه يتكرّر مع “اللقاء التشاوري” للنواب السنة، وبالتالي تصبح الرسالة الكامنة في خطاب “يوم الشهيد” واضحة: “ما يقرره اللقاء التشاوري نوافق عليه، وما دام مصراً على نيل مقعد وزاري مشروع، فسنبقى الى جانبه حتى.. القيامة”.
ونصرالله الذي بدا متأسّفاً على افراطه في التواضع الوزاري خلال المفاوضات الحكومية، كشف عن بعض ملامح “الوجه الآخر”، وقدّم “عيّنة” عمّا يمكن أن يكون عليه “حزب الله” إذا قرر أن يعلق العمل بـ”نظام الريجيم” على مستوى السلطة، ويخوض بكل ثقله في الشأن الداخلي استناداً الى حجمه الموضوعي ووزنه الصافي، فيما يعتبر خصومه أنه قدّم نفسه عبر الاطلالة الاخيرة لأمينه العام بصورة “الآمر الناهي” الذي يختزل الرئاسات والسلطات على حساب الدستور والأصول.
هنا، تتكشّف الهوّة بين منطقين: الحزب يفترض أنّ الوقت قد حان ليطالب بما “يستحق”، ومعارضوه يشعرون بأنه يسعى الى “السحق”.
اما “اللقاء التشاوري”، فقد اشتدّ عودُه وساعدُه بعد الهجوم المضاد الذي شنّه نصرالله، مستجرّاً الطاقة السياسية من “معمل الإنتاج” في حارة حريك، استعداداً للآتي، خصوصاً انّ “الحزب” أكّد انّ صلاحية التفاوض والقرار في شأن تمثيل السنة المستقلين تعود اليهم حصراً.
ولعلّ هؤلاء يشعرون أنهم أمام فرصة ذهبية لتكريس الاعتراف بهم، كخط سياسي متمايز عن تيار”المستقبل” داخل الطائفة السنية، في مواجهة محاولات الإنكار من الرئيس سعد الحريري الذي يحاول منع تمدّد مفاعيل الانتخابات النيابية نحو الحكومة، مفترضاً انه بذلك يمنع “شرعنة” اختراق “حزب الله” للطائفة عبر “دفرسوار” وزاري.
ويؤكد أحد النواب الستة انّ كلام نصرالله يعزّز الموقع التفاوضي لـ”اللقاء التشاوري”، استناداً الى الأسس الآتية:
– الإصرار على كسر حصرية تيار”المسستقبل” شبه الكاملة في التمثيل الوزاري، ربطاً بنتائج الانتخابات النيابية التي قلّصت حجم كتلته كثيراً، ومنحت المستقلّين عنه 10 مقاعد، من بينها ستة تعود الى “اللقاء التشاوري” وتمثل في نهاية المطاف شريحة شعبيّة وازنة، سواءٌ كانت تلك المقاعد متفرّقة أو موجودة ضمن تكتل واحد.
– رفض أيّ تسوية على قاعدة محاكاة المعالجة التي اعتُمدت للعقدة الدرزية، وبالتالي معارضة خيار السني الوسطي والتمسك بإختيار وزير من بين النواب الستة، “يعكس بأمانة ووضوح خطنا السياسي المقاوم والعروبي، وهناك مقولة مصرية تنطبق على موقفنا الحالي، هي الآتية: الكبير كبير، والصغير صغير، والوسط ما نعرفوش”.
– التشديد على ضرورة أن يكون الوزير السني المستقل من الحصة السنية في الحكومة وليس من حصة رئيس الجمهورية، “لأنّ المطلوب تثبيت الاعتراف بما ومَن نمثل في طائفتنا”.
– عدم الاستعداد للتنازل عن المقعد الوزاري الذي بات يحمل رمزية تتجاوز قيمة المقعد في حدّ ذاته، وما عجز “المستقبل” عن أخذه في معركة الانتخابات النيابية لن يُعطى له الآن تحت وطأة التهويل والتحريض “ونحن لسنا في صدد إلغاء أنفسنا طوعاً مهما اشتدّ الضغط علينا”.
ويؤكد النائب المنتمي الى “اللقاء التشاوري” انّ أحد الاجهزة الامنية “بدأ بممارسة الضغوط علينا من خلال ملاحقة بعض أنصارنا والتضييق عليهم”، مؤكداً “انّ هذه الطريقة لن تنفع في دفعنا الى التراجع عمّا هو حقّ لنا”.
ويعتبر هذا النائب انّ الأجهزة الأمنية هي وحدها القادرة على تحريك الشارع أو لجمه تبعاً لحساباتها، لافتاً الى “انّ الحريري لم يتمكّن من اقناع الشريحة الاوسع من الناخبين السنة بالمشاركة في الانتخابات النيابية وبالتالي فهو اضعف من استقطاب الشارع واستنفاره ضدنا، إلّا إذا دخلت الاجهزة على الخط، ما يستوجب من رئيس الجمهورية الطلب منها عدم التدخل حرصاً على حياديّتها من جهة والاستقرار من جهة أخرى”.
ويكشف النائب نفسه انّ رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل طرح على السيد نصرالله خلال اجتماعهما الاخير إمكان قبوله بحلّ وسط يقوم على توزير شخصية سنية من خارج “اللقاء التشاوري” ملمّحاً الى انّ الحريري قد يقبل بهذا المخرج، لكنّ نصرالله لم يتجاوب ربطاً بإصرار “اللقاء” على أن يتمثل بواحد من أعضائه.