خبر

الحقائب مستعصية.. إبراهيم ينتظر.. و«التــشاوري»: مَن يتنازل؟

صحيفة الجمهورية

 

 

يومان، وتحزم سنة الـ2018 حقائبها وترحل الى غير رجعة، وتأخذ معها كل مصائبها، وأثقالها، وكوابيسها، والوجع الذي زرعته في كل بيت، وتنضم الى سابقاتها رقماً في روزنامة التاريخ. يومان، وينزع اللبنانيون آخر ورقة من الروزنامة، ويودّعون واحدة من السنوات العجاف التي ارهقتهم فيها طبقة سياسية، أدارت ظهرها لمصالحهم، ولما يعانونه من أعباء، واقترفت الكبائر والمعصيات العظام، بحقهم، وقبلهم بحق البلد، وتفنّنت في إفقاره وامتصاص موارده، وفي تشويه ماضيه، وفي إثخان حاضره بالجراح السياسية والاقتصادية والمعيشية، وفي تهديد مستقبله، والمقامرة به عبر مجموعة من الهواة والمراهقين في السياسة دفعت به الى مصير مجهول.
قبل عيد الميلاد، زرع المتحكّمون بأمر البلاد والعباد الوهم في نفوس اللبنانيين، بوضع البلد على سكة الانفراج. أمّلوهم بحكومة تكون ولادتها عيديّة تكمّل عيد الفرح، فكذب وعدهم، وطارت الحكومة، وقدّمت السلطة الحاكمة للبنانيين فشلاً إضافياً، في صياغة توافق على حكومة، تُدرك هي قبل غيرها انّ أسسها مخلّعة، ولا تعدو كونها هيكلاً عددياً من ضمن عائلة الحكومات السابقة، او بالاحرى المحاصصات التي ابقت البلد في الوراء، وحبسته في الأزمات وسدّت عليه أنابيب الحياة والانتعاش، وبالتالي ذهب الميلاد وأخذ عيديته معه، وتربّعت هذه السلطة، بكل هواتها ومراهقيها، من جديد على عرش التعطيل، وذلك في وقت تصمّ فيه آذان هذه السلطة عن التحذيرات من مخاطر المراوحة السلبية القائمة، وآخرها ما ورد من باريس على لسان خبراء معنيين بمؤتمر «سيدر» ومفادها:

إن لم تعجّلوا في تشكيل حكومة وتشرعوا في إجراء الاصلاحات المطلوبة، فلبنان ذاهب الى الانهيار، واموال «سيدر» إن بقيتم على هذه الحال، لن تنتظر طويلاً، بل هي ستذهب حتماً الى مكان آخر!

طاولة قمار

هذه الصورة، عكسها مسؤول كبير بقوله لـ«الجمهورية»: «انّ مشكلة لبنان مزمنة، ومتأتية من طبقة سياسية تمنع عليه ان يصبح دولة، وبعض مراهقي هذه الطبقة وضعوه على طاولة قمار، ويقامرون بمصيره، وكأن هذا الوطن في نظرهم لقيط نشأ من حمل حرام».

وسجّل المسؤول ملاحظة وصفها بـ«المريبة»، وقال: «انا لا أتهم احداً، ولا اريد ان اسمّي احداً بالاسم، ولكن فليفسّروا لنا هذه الأحجية، فهل هي مصادفة بأنّه كلما تزايدت المخاطر على لبنان، وتحديداً التي تهدّده من محيطه، وكلما كانت المنطقة أمام استحقاق او محطة حرجة، تنطوي على تداعيات خطيرة عليها وامتداد نحو لبنان، تجد من يهرول عن قصد او عن غير قصد، لكي «يكرسح» هذا البلد ويمنعه من اللحاق بالتطورات التي تتسارع من حوله، وتمنعه ايضاً حتى من بناء التحصينات الضرورية التي تقيه من لهيب النار من ان تتمدّد اليه إن اشتعلت او احتدمت وزادت إضطراماً في اي لحظة، بل اكثر من ذلك، تراه يجرّه عمداً الى التعقيد ويعيد الامور الى الوراء، ويشحن البلد بالتوتر السياسي ويعبئه طائفياً ومذهبيا».

أضاف المسؤول نفسه: «كنا قد توصلنا الى اتفاق كامل على تشكيل الحكومة، وصرنا على وشك ان نعلنها ونصدر مراسيمها، ولكن فجأة انهار كل شيء ورجعنا الى نقطة الصفر، وصارت الحكومة في خبر كان، وبدل ان نكون في مشكلة تمثيل «سنّة 8 آذار»، جرى تظهير مشكلة جديدة، أكثر صعوبة من الاولى، تتعلق بإعادة خلط اوراق الحقائب الوزارية، وهو امر لا يثير فقط التساؤلات بل الشبهات، كما هو امر لا يبعث على الاطمئنان، بل على الخشية الكبرى من ان يكون تأليف الحكومة قد دخل مجدداً في مدار التعطيل الطويل».

هل يريدون حكومة؟

في ظل هذه الصورة الحالكة سياسياً وحكومياً، لم يعد السؤال متى ستتشكّل الحكومة، بل صار السؤال: هل ستتشكّل الحكومة؟ أو بالأحرى هل يريدون تشكيل حكومة؟

الجواب، سبق وقدّمته السلطة الحاكمة عبر فشلها في إنجاز حكومة دخل تعطيلها شهره الثامن، وبأسبابها العلنية – وربما المخفية – التي تمنع لبنان من بناء سلطته التنفيذية وابقائه مشلول القدرة والقرار، ومع ذلك، ومع اقتراب السنة الجديدة، عادت الاسطوانة ذاتها للدوران من جديد، وبدأ الكلام يتسرّب من زوايا السلطة الحاكمة، عن عيديّة ما بعد عيد رأس السنة، وأنّ الحكومة ستكون ثمرة حركة اتصالات سريعة ستجري بعد عطلة العيد.

وتبعا لذلك، بحسب الكلام المسرّب، فإن دور اللواء عباس إبراهيم في صياغة التفاهم الحكومي، سيعاد إحياؤه وحقنه بالمقويات والمنشطات.علما انه استأنف حراكه منذ الاثنين الماضي وكثف اجتماعاته خلال الساعات الماضية على خط بعبدا – بيت الوسط – وحزب الله، والوزير جبران باسيل مستندا على المبادرة الرئاسية مع تطوير في الافكار بعدما استمع الى كل الاطراف محاولا الخروج بتسوية جديدة للعقدة السنية.

وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» ان هذا الحراك سيخرج الى الضوء مطلع السنة الجديدة، وان الفرصة الآن متاحة بشكل كبير وان الكل ابدى في الجولة الاخيرة نوايا حسنة واستعدادا للحل مع تسهيل.

ومن الطبيعي في هذه الأجواء ان ينتظر اللواء ابراهيم تلقيه الإشارة الرئاسية للانطلاق من جديد، لصياغة التوافق الحكومي، علما انه التقى في الساعات الماضية رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل في منزل الاخير في اللقلوق.

لا أبواب مقفلة!

ويعوّل أصحاب هذا الكلام على نتائج سريعة لحركة الاتصالات المرتقبة. ذلك انّ ابواب الحلول والمخارج ليست مقفلة، وخصوصاً من قِبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري. إذ انّ «المبادرة الرئاسية» لم تمت، بعد سقوط ورقة جواد عدرا، وانّ رئيس الجمهورية، وعلى رغم التعطيل الذي ضرب مبادرته لا يرى أنّ الأفق الحكومي مقفل، بل هو ما زال يأمل في تشكيل الحكومة في وقت قريب، ومن غير المُستبعد ان يصدر عنه موقف علني قريب حيال هذا الامر.

تتقاطع أجواء رئيس الجمهورية، مع أجواء «بيت الوسط» التي لوحظ انّها ملفوحة ببعض التفاؤل، وهو ما عكسه زوار الرئيس المكلّف سعد الحريري خلال الساعات الماضية، الذين اكّدوا لـ«الجمهورية» انّهم لاحظوا انّ الرئيس المكلّف يقارب الملف الحكومي هذه المرّة بحماسة وحيوية واطمئنان وثقة حول امكانية ولادة وشيكة للحكومة. وسمعوا منه ما يفيد «إن شاء الله بعد رأس السنة تتحرّك الامور ويحصل انفراج، وبيصير عنا حكومة قريباً».

عقدتان

تبعاً لذلك، فإنّ هذه الاجواء إذا صحّت حول انّ مبادرة رئيس الجمهورية ما زالت قائمة وصالحة لولوج حل حكومي بعد رأس السنة، فذلك يثير سؤالاً عمّا اذا كانت المبادرة الرئاسية معدّلة، ام انّها مرتكزة على تخلي الرئيس عون عن الوزير السنّي من حصّته الوزارية لصالح «اللقاء التشاوري»؟

والسؤال الأساس، ماذا عن موضوع الحقائب الذي أُعيد طرحه مجدداً، هل توقف ام انّه سيشهد جولة جديدة من الاخذ والرد مع بداية السنة الجديدة؟

الأجواء التي سادت في البلد منذ عطلة عيد الميلاد، يبدو انّها عطلت لغة الكلام والتواصل الحكومي بين القوى السياسية، حيث لم يُسجل اي حراك مرتبط بالملف الحكومي، ما خلا بعض المجاملات والمعايدات التي تمّ تبادلها في مناسبة عيد الميلاد.

11 وزيراً

وبحسب معلومات «الجمهورية»، فإنّ عقدتي تمثيل سنّة 8 آذار، وايضاً عقدة إعادة توزيع بعض الحقائب الوزارية، ما زالتا مستعصيتين، وتوحي أجواء القوى السياسية المعنية بهما بأنهما تتطلبان الكثير من الجهد والكثير من الوقت لفكفكتهما. فمشكلة تمثيل «اللقاء التشاوري» في الحكومة قد اعادها سقوط اسم جواد عدرا من خانة التوزير، الى نقطة البداية، ووضعها على سكة الحل، تنتظر من يتنازل من قبل القوى المعنية بها. وهو أمر لا مؤشر له حتى الآن.

والجديد حيال هذه المسألة، ان لا تأكيد رئاسياً جديداً على تنازل رئيس الجمهورية عن الوزير السنّي من الحصّة الرئاسية، كما لا توجد اي اشارة جديدة الى هذا الاحتمال من قِبَل فريق رئيس الجمهورية، بل انّ الاشارات التي ترد الى القوى السياسية تؤكّد انّ الوزير جبران باسيل ما زال يصرّ على 11 وزيراً يشكّلون الحصّة الرئاسية (5 وزراء) وحصّة «تكتل لبنان القوي» ( 6 وزراء).

وفي الوقت نفسه، لا إشارات من الرئيس المكلّف حول إمكان تخلّيه عن مقعد سنّي لصالح سنّة 8 آذار، وهو ما اكّدته اوساط قيادية في تيار «المستقبل» لـ«الجمهورية» بقوله: «الرئيس الحريري حسم قراره في هذه المسألة، وبالتالي هذا الامر غير قابل للبحث بالنسبة اليه، ولا مجال للقبول به مهما كلّف الامر».

هذه الأجواء، وكما هو واضح، تبقي تمثيل «اللقاء التشاوري» في دائرة المشكلة المعقدة. وبحسب المعلومات، فإنّ «اللقاء» ينحى بعد سقوط اسم عدرا، في اتجاه التصلّب اكثر في موقفه، مستنداً الى دعم مباشر من قِبَل رئيس مجلس النواب نبيه بري وكذلك من «حزب الله»، اللذين اكّدا مجدداً انّهما مع ما يقرّره «اللقاء التشاوري»، يوافقان على ما يوافق عليه ويرفضان ما يرفضه. وانّ من يختاره للتوزير في الحكومة سيمثله حصراً، على اساس انّ الفرع هو نسخة طبق الاصل عن الاصل.

وتبعاً لذلك، أعاد «اللقاء» تأكيد إصراره على تسمية شخصية سنيّة تمثله وتلتزم معه وبموقفه حصراً، لا ان تكون من حصّة أي طرف حتى ولو كان رئيس الجمهورية.

وابلغت اوساط «اللقاء» «الجمهورية» قولها: «قبل ايام، مررنا بتجربة، حاول من خلالها البعض ان يتحايلوا على الجميع ويصادروا تمثيلنا وفشلوا في ذلك، ونأمل أن يستفيد الجميع من هذه التجربة، ويدركوا اننا لن نقبل ابداً بأن يتم تجاوزنا تحت أي ذريعة. نحن فقط من نختار الوزير الذي يمثلنا لا ان يمثل اي طرف غيرنا. وهناك اربعة اسماء موجودة لكلّ من حسن مراد، علي حمد، عثمان مجذوب وطه ناجي وقد نسمي اسماً خامساً، فليتم الاختيار من بينهم، واي واحد من هؤلاء سيمثل «اللقاء التشاوري» حصراً».

الحقائب .. مشكلة

اما موضوع الحقائب، وبحسب المعلومات، فيبدو انّه لم يخرج من دائرة التعقيد، ولم يوفق الرئيس المكلف في اقناع وليد جنبلاط بمبادلة وزارة الصناعة بالاعلام، كما لم يتمكن من اقناع بري و«حزب الله» بتمرير تبادل بعض الحقائب. ذلك ان الضرورات التي دفعت الحريري ومعه الوزير باسيل الى إعادة طرح ملف مبادلة الحقائب، لافساح المجال امام توزير بعض الشخصيات القريبة منهما، وهو الامر الذي رتّب ما سُميت ضرورات التوازن بين الطوائف، هي كما يراها الثنائي الشيعي، ضرورات تعنيهما وحدهما فقط. ذلك انّ موضوع الحقائب حُسم قبل اشهر وانتهى الامر ولا عودة اليه بحسب مشيئة او رغبة هذا الطرف او ذاك.

ومن هنا، رفض الثنائي الشيعي الطرح المتجدّد عليهما بأن يكون هناك وزيرا دولة من ضمن الحصّة الشيعية، وان تُنتزع وزارة الشباب والرياضة من حصّة «حزب الله»، وتُسند الى بري، على ان تُسند للحزب وزارة المهجرين، وثمة اغراءات طُرحت لقبوله بهذه الوزارة بانّ موازنتها جيدة تزيد عن 40 مليار ليرة.

كما رفض بري طرحاً بأن تُسند الشباب والرياضة له بدل اي من حقيبتي البيئة والزراعة المحسوبتين من حصّته، ورفض بشكل قاطع طرحاً مماثلاً بان يتخلّى عن البيئة مقابل ان تُسند اليه حقيبة الاعلام، وابلغ الحريري حينما طرح عليه هذا الامر:

«تطرح عليّ الاعلام، وهذه الوزارة يجب ان تُلغى، فما الفائدة من ابقائها، ما بالكم تعودون الى الوراء، وتفتحون موضوع الحقائب، فعلى حد علمي انتهينا منه وخلصنا. اذا عدتم الى هذا الموضوع من جديد، فأنا اقول لكم بأننا سنطالب بحصّة اكبر مما هي الآن».

بري

ومع ذلك، لم يقفل بري الباب امام إمكان المبادلة، وقال لـ«الجمهورية»: «عندما طرح عليّ الرئيس المكلّف أن آخذ وزارة البيئة، وقبلت ذلك، شكرني على قبولي بها. أنا الآن لست متمسكاً بالبيئة، فليعطِني حقيبة غيرها، فأقبل بها فوراً، الّا الاعلام».

واذ أكّد بري امام زواره انّ الاتصالات جامدة بالكامل بقوله: «ما حدا عم يحكي مع حدا بموضوع الحكومة»، قال امام زواره رداً على سؤال عمّا اذا كانت الحكومة ستتأخّر: «مش لازم تتأخّر، الوضع لا يحتمل».

وعمّا اذا كانت هناك ثغرة يمكن النفاذ منها الى بلورة مخرج للعقدة الحكومية، قال بري: «المسألة في منتهى البساطة، فليختاروا واحداً من الاسماء التي سمّاها «اللقاء التشاوري» كممثل حصري له في الحكومة يعبّر عنه ويلتزم موقفه، ولا يكون تابعاً او ممثلاً لأي طرف آخر، هذا هو الحل في رأيي ولا أرى غيره، وهنا تنتهي المشكلة».