خبر

اعتصام أمام «التربية» كي لا يسقط جورج زريق آخر

فاتن الحاج – الأخبار

كي لا يسقط جورج زريق آخر، كان الاعتصام الذي دعا اليه اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة أمام وزارة التربية أمس. زريق لم يكن وحيداً في المعاناة مع المدارس الخاصة. لمى الطويل تحدثت باسم الاتحاد عن حالات لا تعدّ ولا تحصى من ممارسات لا إنسانية وغير أخلاقية أو قانونية من «بعض» إدارات المدارس الخاصة «التي لا تبغي الربح»، والضغوط على قضاة ووسائل إعلام من مرجعيات روحية وزمنية بهدف إخفاء فضائح وفظائع بعض الممارسات، وتواطؤ وزارة التربية في تغطية المخالفات، والغياب شبه التام لأي دور للجنة التربية النيابية. الاستنكار لـ«قتل» جورج زريق، كان مناسبة لفتح سجل المخالفات التي ترتكبها المدارس الخاصة، وللمطالبة بـ«فتح الموازنات وتعيين مدققي محاسبة محلّفين من دون كفالات والكشف عن مصير الزيادات السابقة منذ عام 2011». ودعا الاتحاد الى «صدور تعميم رسمي عن وزارة التربية يشرح نص المادة 10والفقرة الأخيرة من المادة 12 التي تحمي الطلاب من ابتزاز الإدارة وتضمن لهم ولأولياء الأمر حقوقهم القانونية، وإلزام المدارس بتعليقها في أماكن ظاهرة في المدرسة».

لكن ما كان لافتاً، في الساعات القليلة التي تلت سقوط جورج زريق شهيداً بنار الأقساط المدرسية، محاولات تبرئة المدارس الخاصة من مسؤوليتها الأخلاقية عن ذلك، و«تبرير» فرضها زيادات «ذبحت» الناس وفاقت قدرتهم على الدفع، والتصويب على عجز التعليم الرسمي أمام كفاءة التعليم الخاص وتصاعد الدعوات إلى خصخصة هذا القطاع «الفاشل». بدءاً من دعوة البطريرك الماروني بشارة الراعي، في عظة الأحد، الدولة الى دفع «مساندة مالية للمدرسة الخاصة مثلما تساند المدرسة الرسمية، لأن كلتيهما ذات منفعة عامة»، وصولاً الى تبرئة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع مدرسة بكفتين من المسؤولية، ومروراً بدعوة الوزير السابق فادي عبود الى «تلزيم التعليم الرسمي للمدارس الخاصة الناجحة».
الدعوات إلى الخصخصة تقاطعت مع استخدام وسائل الإعلام معطيات وأرقاماً مغلوطة للتسويق للكلفة المالية الكبيرة للتعليم الرسمي، منها أنّ المنح المدرسية تلامس 516 مليار ليرة، وأن هناك أستاذاً واحداً لكل 3 تلامذة، في حين أنّ احتساب المتعاقدين الذين يساوي عددهم عدد أساتذة الملاك يكون على أساس ساعات التدريس وليس على أساس أعداد المتعاقدين، إذ إن بعض هؤلاء لا يعلّمون 10 ساعات في الأسبوع.

منبر | كي نقتل اليأس معاً بدل أن يقتلنا فرادى

معن الأمين
لبناني آثر أن يضع حداً لحياته على أن يعيش تحت وطأة الذل الذي شعر به لعجزه عن تعليم أولاده في مدرسة خاصة.
بدلاً من النظر الى أسباب قراره، تسابق ممثلو أحزاب السلطة، وعلى رأسهم وزير التربية أكرم شهيب ووزير الدولة لشؤون التجارة الخارجية حسن مراد، إلى إطلاق الكلام المهين، وتبعهما كثر من داخل البلاد وخارجها، فحوّلوا قرار جورج زريق بمواجهة الإذلال إلى حفلة تسوُّل وتمنين تُمعن في إذلاله وعائلته بعد وفاته.
المسؤولية، لو كان من مسؤول، تقتضي مقاربة مسألتين متداخلتين: الفقر والتعليم، ومن خلالهما كرامة الإنسان.
عندما تُفتقد الدولة ويعمّ النفاق، من يتولى فعلياً التعليم؟ المعلمون والمعلمات قبل كل الباقين:
المعلمون والمعلمات في الخاص، الذين يتهمهم أصحاب المدارس بـ«الطمع» وبالإصرار على تصحيح أجورهم، ويضعونهم في مواجهة الأهالي، في حين رفع أصحاب المدارس الأقساط أضعافا منذ 1996، وسلطة الأمر الواقع، ممثلة بوزارة التربية، تنأى بنفسها ظاهرا عن الموضوع، وتتدخل فعليا لتغطية مخالفة أصحاب المدارس لقانون صريح،
والمعلمون والمعلمات في الرسمي الذين يحمّلهم الأهالي مسؤولية الوضع البائس للتعليم الرسمي، في حين أن تدمير هذا القطاع هو نتيجة عمل ممنهج من أعمال زعماء الأمر الواقع، فيبذل الأهالي الغالي والرخيص، وصولا إلى حياتهم، كي لا يسلّموا تعليم أولادهم إلى المدارس الرسمية.
أما الفقر، فما ظهر منه حتى الآن قليل، وأما الآتي فأعظم.
حكومة «سيدر» تعدنا بزيادة الضرائب وضرب التقديمات الاجتماعية لتأمين شروط استدانة إضافية من الخارج، ما يعني مزيداً من الفقر والمآسي. ولن يتوانى من يزعم محاربة الفساد عن تمرير صفقات تفوح رائحتها منذ الآن في البيان الوزاري، لا سيما في قطاعات النقل والطاقة والاتصالات. وهم لا يتورعون طبعا عن النأي بأنفسهم، ليس فقط عن مسؤوليتهم عما فعلوا كي تصل الأمور إلى المصائب التي نشهد كل يوم، بل أيضاً عمّا ستحمله الأزمة المالية الداهمة من مآس جديدة.
نحن في «مواطنون ومواطنات في دولة» لا نسعى للتهويل، وإنما لا نقبل أيضاً بالتخدير. تثور مشاعرنا من الإمعان في تدمير المجتمع ومن تغطيته بالدجل، بقدر ما تهزها عذابات الناس كل يوم. نعرف ما يحتاج هذا المجتمع، يحتاج بديلاً واعياً وواضحاً عن تسلّط الفاشلين من زعماء الحرب والمليارات.
عنوان المرحلة ليس أبداً التأجيل وتعظيم المصاب، بل الإقدام على توزيع عادل وهادف للخسائر وللأعباء، كي لا يتمادى مسلسل الانتحارات.
• توزيع عادل أي متوازن مع قدرات كل فئة، كي لا تُحمّل الخسائر فقط الى الفئات الأضعف من المجتمع.
• توزيع هادف أي يؤمن انتقالاً سلمياً من مجتمع واقتصاد محكومين بالقلق والتبعية إلى مجتمع واقتصاد مقتدرين، فلا تضيع التضحيات ويبقى من تسببوا بالخسائر متربعين على عروش التسلط.
• التوزيع العادل والهادف يحمي مدخرات اللبنانيين في صناديقهم المختلفة، من الضمان الاجتماعي إلى صناديق التقاعد والاستشفاء.
• التوزيع العادل والهادف يعزز الحقوق الاجتماعية التي يتكفلها المجتمع بالأولوية وعلى رأسها الصحة والتعليم الأساسي لأولاد الناس جميعا.
غير أن هذا لن يكون ما دامت السلطة محصورة بستة أو سبعة زعماء، ينتدبون عنهم ممثلين في الحكومة والمجلس وفي هيئات عديدة سُلبت من المجتمع وطُوّعت.
لذا نتوجه إلى أهالي التلاميذ وجمعياتهم والمعلمين أولا، والى كل من يستشعر المخاطر والمسؤولية، للعمل سوياً، حتى نستطيع الإمساك بواقعنا ورسم مستقبل مجتمعنا…
كي نقتل اليأس معاً بدل أن يقتلنا فرادى.

* معن الأمين
مفوض التواصل والإعلام ومنسق العلاقات السياسية اللبنانية
حركة «مواطنون ومواطنات في دولة»