خبر

قلق مبالغ فيه من زيارة ظريف

جوني منيّر – الجمهورية

 

بخلاف الأجواء السلبية المبالغ فيها عبر وسائل الاعلام حول قلق أميركي وغربي من زيارة وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف للبنان، فإنّ المطلعين لا يعتقدون ذلك، ولو أنهم لا يعكسون ترحيباً بها في الوقت نفسه.
واضح انّ وزير الخارجية الايرانية يزور لبنان بعد الزيارات الاميركية الثلاث، وخصوصاً بعد زيارة السفير ديفيد هيل والتي أتت استكمالاً لزيارة وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو لعدد من عواصم المنطقة. يومها، وما ان غادر بومبيو العراق حتى وصل اليها ظريف، في رسالة مفادها ان لا شيء قد تبدّل على صعيد الروابط الايرانية – العراقية.

ذلك انّ جوانب العلاقات التي تربط ايران بالعراق باقية، وللمصادفة فإنّ أحد هذه الجوانب تتعلق بالطاقة الكهربائية واستيراد العراق الكهرباء من ايران.
في مراحل سابقة، كانت واشنطن قد عرضت على بغداد الاستغناء عن الكهرباء والغاز الايرانيين، ولكن المسألة لم تكن عملية او سهلة، وبقيت الامور على حالها.

وقبَيل وصول ظريف الى بيروت، عرض الامين العام لـ«حزب الله» 3 مجالات تعاون ايرانية ـ لبنانية. وسيأخذ مجال عرض تأمين منظومة دفاع جوي كثيراً من الجدل الاعلامي الداخلي، ولو انّ الجميع يدرك سلفاً استحالة حصول ذلك.

فلا السلاح الغربي الذي يشكل نحو 90% من سلاح الجيش قادر على استيعاب هذا النوع من السلاح، ولا القرار السياسي الحكومي سيسمح بذلك، ولا المناخ الدولي سيعطي الضوء الاخضر. وايران تدرك ذلك. جلّ ما في الامر هو توجيه رسالة ضغط لإسرائيل لعدم التمادي في استخدام الاجواء اللبنانية ضد اهداف في سوريا.

امّا على مستوى الكهرباء، فإنّ المسألة قابلة للنقاش والتفاوض وليس هناك من اعتراض غربي جدي حولها، كما مسألة ادخال الادوية الايرانية الى السوق اللبنانية. لكن هنالك جوانب لا بد من توضيحها حول طريقة الاستفادة كهربائياً وموضوع بناء المعامل وجودتها وتفاصيل تقنية أخرى.

ولا شك في انّ هذا النقاش حتى ولو لم يؤدِ الى تعاون كهربائي اكيد، الّا انه سيساهم في خفض «الفاتورة» التي يطرحها البعض وتضييق هوامش العمولات والاستفادة.

وبالتأكيد، فإنّ هذه الزيارة تأتي قبل انعقاد مؤتمر وارسو الذي يريد بومبيو بنتيجته تشكيل تحالف شرق أوسطي لمواجهة ايران.

وليس على سبيل المصادفة بدأت المرحلة الاخيرة من إنهاء وجود «داعش» في منطقة شرق الفرات. ذلك انّ نقاشات ومفاوضات وتفاهمات صعبة دارت طوال الاشهر الماضية للوصول الى ترتيبات مطلوبة.

وخلال معركة إنهاء الوجود الأخير لـ«داعش»، ستراقب مختلف الاطراف المعنية التزام الاطراف الاخرى التفاهمات التي تم التوصّل اليها، بحيث انّ هذه المعركة ستكون أشبه باختبار كل طرف نيّات الاطراف الاخرى.

والمعروف انّ هذه الاطراف تشمل، اضافة الى الولايات المتحدة الاميركية، روسيا وتركيا وايران. ما يعني انّ التحرك الايراني غرباً في اتجاه مناطق النفوذ يتزامن مع نتائج معركة شرق الفرات. فالحكومة اللبنانية بعد المجلس النيابي ورئاسة الجمهورية باتت في موقع الصديق لإيران.

لكن ما لفت كان تصريح السفير الروسي في لبنان الكسندر زاسبيكين لوكالة «نوفوستي» الروسية، فهو اعتبر انّ واشنطن تسبّب بتوتير أوضاع الشرق الاوسط من خلال حملتها على ايران و«حزب الله»، بدلاً من التعاون مع روسيا والاطراف المعنية الاخرى.

والواضح انّ كلام زاسبكين الى «نوفوستي» جاء بمثابة رسالة اعتراض في هذا الوقت بالتحديد. وقد يكون المقصود هنا جزء من القرار الاميركي او ربما قسم من العسكر الذي يتحسّس من توسّع النفوذ الروسي في الشرق الاوسط على حساب التراجع الاميركي. ذلك انّ روسيا تقوم بملء الفراغات الناتجة عن الانسحاب الاميركي من المنطقة.

ويستعرض هؤلاء الموقف الروسي التصاعدي منذ الدخول الى الساحة السورية، ومن ثم تنظيم مناورات عسكرية روسية جريئة والتي توّجتها مناورة الشرق عام 2018 التي شكلت أضخم مناورة شارك فيها نحو 300 الف عسكري.

وفي سوريا رسّخت موسكو نفوذها مع امتلاكها قاعدة بحرية كبرى في طرطوس اضافة الى القاعدة الجوية في حميميم، فضلاً عن تزايد صفقات السلاح الروسية بعد عروض السلاح الروسي في ساحات القتال السورية.

وفي تركيا أثارت صفقة صواريخ الدفاع الجوي «S-400» غضب الجيش الاميركي، خصوصاً انّ أنقرة متمسكة بها في ظل اقتصاد تركي يعتمد على السيّاح الروس.

قسم من الضباط الاميركيين يشتكي من انّ الحضور الصاروخي الروسي عبر منظومتي S-400 وS-300 في تركيا وسوريا يجعل واشنطن ملزمة بالتنسيق مع روسيا، ما يعني تقييد حرية الحركة العسكرية الاميركية في المنطقة.

أضف الى ذلك، تطور العلاقة الروسية مع القاهرة، والزيارة الاولى من نوعها لملك السعودية الى موسكو عام 2017، وهو ما يعطي دليلاً قاطعاً على النفوذ الروسي في المنطقة والمَدى الذي بلغه. وانّ هذا ما يدفع برئيس الحكومة الاسرائيلية الى زيادة زياراته لموسكو بمقدار كبير لتتقارب مع عدد زياراته الى واشنطن.

لكنّ فريق إدارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب يعتبر انّ القلق لدى قسم من الجيش الاميركي «مبالغ فيه وغير واقعي». فوفق هؤلاء إنّ الموازنة العسكرية الروسية توازي عشر الموازنة العسكرية الاميركية لا اكثر، وانّ القوة العسكرية الاميركية في المنطقة هي اكبر من الروسية المحصورة بسوريا فقط، وانّ حاملة الطائرات الروسية الوحيدة «الاميرال كوزنتيسوف» لا تزال تخضع للاصلاحات ووضعها غير سليم.

أضف الى ذلك انّ موسكو قادرة على المساعدة في حماية المصالح الاميركية في منطقة شهدت فيها هذه المصالح نكسات وخسائر، وخصوصاً في افغانستان والعراق وسوريا ولبنان.

لذلك، فإنّ التفاهمات والتقاطعات بين موسكو وطهران لا يمكن ان تتطور لتصبح استراتيجية، وهو ما عبّرت عنه روسيا بقولها انّ ايران ليست حليفة روسيا.

وفي لبنان انّ توقيع إدارة وتخزين النفظ مع شركة روسية لا يزعج المصالح الاميركية بتاتاً، وهو ربما يزعج الاوروبيين. فالتجارة ما بين روسيا ولبنان رغم تحسّنها لم تتجاوز الـ 800 مليون دولار. وفي المحصّلة، إنّ الاثارة الاعلامية تجاه ايران وروسيا مبالغ فيها بعض الشيء.