خبر

ما هي نصيحة «حزب الله» لـ«الشامتين»؟

عماد مرمل – الجمهورية

 

 

«يمكن توقّع كل شيء من «حزب الله» في معركة مكافحة الفساد».. تعكس هذه العبارة التي أطلقها أمينه العام السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير تصميمه على الذهاب الى ابعد الحدود في هذا التحدي الذي وضعه أمام اختبار داخلي غير مسبوق، من دون أن تؤثر بعض المصاعب المالية الطارئة على قراره في المساهمة الوازنة في تحرير خزينة الدولة ومؤسساتها من «احتلال» محترفي السرقة والهدر.
يوحي السقف العالي لخطاب نصرالله أنّ «الحزب» وصل الى نقطة اللاعودة في مواجهته ضد الفساد ورموزه، بمعنى انه لم يعد قادراً، لا على التراجع ولا على المساومة، مهما اشتدّت الضغوط عليه.

كما انّ قاعدته الشعبية رفعت سقف توقعاتها الى مستوى ارتفاع نبرة «السيد» في حملته الإصلاحية، وبالتالي فقد صار «الحزب» معنياً بالاستجابة لآمال جمهوره وطموحاته، وحماية صدقيته ورصيده اللذين صنعهما خلال تجاربه السابقة.

ويؤكد العارفون، انّ «الحزب» في صدد المضي الى ما بعد بعد ملف الحسابات المالية للدولة اللبنانية في حملته ضد الفساد والفاسدين، وانّ العقوبات التي يتعرض لها لن تضعف عزيمته على الدفع بكل قوته وثقله نحو تحقيق الاصلاح، ولن تدفعه الى الانكفاء لحماية بنيته التنظيمية في مواجهة الحصار المالي كما قد يفترض البعض.

وعليه، فإنّ الناطق باسم جيش الاحتلال الاسرائيلي افيخاي أدرعي استعجل كثيراً في «احتفاله» بتداعيات مفترضة على «حزب الله» جراء العقوبات المالية، وصولاً الى دعوته هيفاء وهبي عبر «تويتر» الى التبرّع لـ»الحزب»، من باب السخرية او الشماتة.

ولعلّ «الخفة» التي طبعت تغريدة أدرعي تعكس مقداراً كبيراً من سوء التقدير والحسابات لدى تل أبيب في التعامل مع واقع «الحزب» ومقدراته، حتى ولو كان يتعرض لحصار من «الدرجة الاولى».

ولئن كان نصرالله قد أقر في كلمته خلال احتفال «هيئة دعم المقاومة الاسلامية» بوجود تأثيرات معينة للعقوبات المالية، إلّا انّ ما يتجاهله او يجهله الاسرائيلي هو انّ اعتراف «الحزب» بهذه الحقيقة لا يلغي حقيقة أخرى وهي أنّ وضعه المالي تحت السيطرة الكاملة، على ما يجزم المطلعون، بل انّ قيادة «الحزب» تعمل في اتجاه تحويل التهديد المالي فرصة، كما فعلت في السابق مع أشكال أخرى من التهديد، بحيث تستفيد من ضغوط الحصار الحالي لمراجعة أنماط السلوك في المرحلة الماضية والدفع نحو ضبط الانفاق وترشيده، على قاعدة إعادة هيكلة البنية العامة لتصبح أكثر رشاقة وأقل تكلفة.

وتبعاً للمعلومات، لم ينعكس الظرف المالي المستجدّ على متانة المفاصل الاساسية لـ«الحزب» وانتظامها، لا سيما منها تلك المتصلة بعمل أجهزة المقاومة التي تُمنح الاولوية الاساسية في الإنفاق، وبالتالي ليس هناك ايّ تعديل او تراجع في برامج المقاومة وجهوزيتها على كل الصعد، سواء في لبنان او في سوريا، «وأيّ تقدير آخر يذهب اليه العدو الاسرائيلي سينطوي على خطأ فادح ومكلف في الحسابات»، وفق تأكيدات العارفين بتفاصيل وضع «الحزب».

وقد تعمّد نصرالله مصارحة جمهور المقاومة وحلفائها بطبيعة الظرف الذي يمر فيه «الحزب» بفعل العقوبات، على رغم انه كان في مقدوره ان يلجأ الى إخفائه او تجميله. لقد اعتمد «السيد» خيار المصارحة، أولاً من باب الالتزام المستمر في اتّباع الشفافية في العلاقة مع البيئة الحاضنة واصدقائها وهي شفافية منحت نصرالله صدقية عند العدو قبل الصديق، وثانياً من أجل تحفيز القاعدة والمناصرين على تفعيل الدعم التطوعي لـ«الحزب».

وإذا كان «الحزب» قد مرّ في مرحلة من «البحبوحة» بعد انتصارَي عامَي 2000 و2006 في مواجهة اسرائيل، ما أدّى نسبياً الى التخفيف من اعتماده على رافد التبرعات او التقديمات التي تمنحها له بيئته الحاضنة، فإن انتقال المعركة أخيراً الى الميدان المالي – الاقتصادي وما رافقه من حصار محكم على طهران والحزب، فرض إعادة تزخيم «الموارد المحلية» التي تأتي عبر قناة التبرعات والمساهمات اللبنانية، وهو الأمر الذي بدأت تظهر انعكاساته العملية على الأرض بوتيرة تصاعدية، خصوصا بعد دعوة نصرالله الى تفعيل نشاط هيئة دعم المقاومة.

ويشدّد القريبون من «الحزب» على انّ الحصار أعاد الاعتبار الى «جهاد المال»، لافتين الى انّ «من قدّم الدماء بغزارة دفاعاً عن المقاومة وخياراتها يهون عليه تقديم المال لمؤازرتها في «حرب الارادات» مع أعدائها».

ويجزم هؤلاء «انّ خزائن «الحزب» يمكن ان تمتلئ في وقت أقصر ممّا يظن البعض، وبالتالي فإن الظرف الحالي هو عابر، وهناك حاجة فقط الى بعض الجهد المدروس وحسن التدبير من أجل التكيف معه ومن ثم تجاوزه لاحقاً، ونصيحتنا المجانية الى المحتفلين بالعقوبات والمراهنين عليها ان يتمهّلوا قليلاً لئلّا تكون خيبة أملهم مدوية فيما بعد».