خبر

جرمانوس يدّعي على «المعلومات»: دعسة ناقصة أم قرار عوني؟

صحيفة الأخبار

انفجر ملف مكافحة الفساد القضائي أمس. مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس بدأ «هجوماً مضاداً»، استهدف فيه فرع المعلومات في المديرية العامة لقوى الامن الداخلي، والمدير العام اللواء عماد عثمان. للمرة الاولى في تاريخ القضاء يدّعي النائب العام العسكري على جهاز أمني. المدّعى عليه هو «فرع المعلومات»، لا رئيسه، ولا ضباط التحقيق فيه. ثم أتبع جرمانوس ادّعاءه باستنابة قضائية إلى مختلف الأجهزة الامنية (من بينها المعلومات أيضاً)، يطلب فيها تزويده بمعلومات عن تلقّي رجال أمن رشى لتمرير حفر آبار ارتوازية غير شرعية والبناء غير المرخص وفي الأملاك العمومية، «لا سيما في قضاء المنية». ومن المعلوم أن غالبية الآبار الارتوازية غير الشرعية يجري تمرير حفرها بقرار من المدير العام لقوى الأمن الداخلي. وسبق لوزارة الطاقة والمياه أن راسلت وزارة الداخلية في هذا الخصوص، طالبة وقف الاستثناءات غير القانونية التي يمنحها رئيس مؤسسة الشرطة.

لماذا وصلت الامور إلى هذا الحد بين النائب العام العسكري والمديرية التي تشكل العمود الفقري للضابطة العدلية؟
منذ أن بدأ فرع المعلومات «نبش» الملفات التي تؤدي إلى الاشتباه في قضاة ومساعدين قضائيين وسماسرة في قضايا فساد، يتردد اسم القاضي جرمانوس. السبب الاول هو توقيف عدد من المقرّبين منه، أو من الذين يزعمون القرب منه. أما السبب الثاني، فهو أن جرمانوس يتولى الادعاء عندما يكون الموقوف في تلك القضايا رجل أمن. لكن الجزء الاكبر من الملف كان في عهدة النائب العام في جبل لبنان، القاضية غادة عون. وبعدما أوقف فرع المعلومات، بناءً على إشارة عون، المدعو جو ع. (أشهر الموقوفين في قضايا الفساد القضائي)، بدا أن الامر أزعج جرمانوس. فجو كان يزعم أنه «مدير العلاقات العامة لدى مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بيتر جرمانوس». وبعد أيام، طلب الأخير من الشرطة العسكرية في الجيش التحقيق مع جو، الموقوف لدى فرع المعلومات، على خلفية استخدامه لوحة تسجيل سيارة مزوّرة. ردّ فرع المعلومات بأنّه أجرى التحقيق مع الموقوف المذكور على خلفية اللوحة المزوّرة، بناءً على إشارة القاضية عون. لم تنته القصة هنا. عاود جرمانوس الإيعاز إلى مديرية المخابرات بـ«استخراج» جو ع. للتحقيق معه، فردّ النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود بـ«الموافقة على استخراجه فور الانتهاء من التحقيق معه». غير أن التحقيق لم ينته بعد. ويوم أمس، ادّعى جرمانوس على فرع المعلومات بجرائم «التمرّد على سلطته» و«تسريب معلومات عن مضمون تحقيقات أولية وتحوير هذه التحقيقات وتشويه وقائعها، واحتجاز أشخاص وتوقيفهم خارج المهل القانونية»، ثم أحال الادعاء على قاضي التحقيق العسكري لإجراء التحقيقات اللازمة.
يقول مقرّبون من جرمانوس إن «المعلومات» تجاوز مدة التوقيف الاحتياطي المنصوص عليها قانوناً، ولم يسلّم جو للمخابرات، فضلاً عن تسريبه لمعلومات تستهدف مفوّض الحكومة، ما دفعه إلى الادعاء. الأمر هو بهذه البساطة بالنسبة إليه.
لكن مصادر المديرية العامة لقوى الامن الداخلي، وقضاة من خصوم جرمانوس، يرون أن الأخير يقود معركة منع فرع المعلومات من استكمال التحقيق في قضايا الفساد القضائي. ولأجل ذلك، تضيف المصادر، حاول مفوض الحكومة تجييش التيار الوطني الحر ضد المعلومات، من خلال سردية تقول إن «فرع المعلومات يستهدف رجال العهد: أولاً، استهدف المديرية العامة لأمن الدولة في قضية الممثل زياد عيتاني والمقدم سوزان الحاج. ثانياً، استهدف المدير العام للجمارك بدري ضاهر. وثالثاً، استهدف مفوض الحكومة». وتضيف رواية مصادر المديرية والقضاة أنفسهم أن جرمانوس يشعر أن توقيف جو ع. وآخرين مقرّبين منه، سيؤدي إلى الإضرار به، حتى لو لم تكن له أي صلة مشبوهة بالموقوفين. ولأجل ذلك، قرر الهروب إلى الامام عندما لم تتجاوب معه قيادة التيار الوطني الحر. وتستدل المصادر على رأيها بالقول إن جرمانوس ادّعى على جهاز أمني، لا على الضباط العاملين فيه، وبالتالي، لا توجد إمكانية لتنفيذ الادعاء، فمع من سيحقق قاضي التحقيق؟ وتلفت المصادر إلى أن إجراءات فرع المعلومات تتم بناءً على إشارة القضاء، سواء القاضية غادة عون أو القاضي بيتر جرمانوس نفسه، أو المدعي العام التمييزي القاضي سمي حمود، فلماذا ادعى جرمانوس على «المعلومات»، فيما مشكلته مع القضاة الذين يقررون الإجراءات التي ينفذها المحققون؟
لكن مصادر أخرى ترى أن ما قام به جرمانوس يحظى بغطاء قيادة التيار، إذ لن يجرؤ قاضٍ على قلب الطاولة بهذه الطريقة، من دون دعم سياسي كبير. تزدحم الأسئلة لتكشف وجود خطر يحدق بمسار مكافحة الفساد في «العدلية». فوقف التحقيق واقتصاره على أربعة قضاة جرى كفّ أيديهم، وعلى توقيف عدد من المساعدين القضائيين والسماسرة، سيعني أن المسار تعرّض للعرقلة، لأن الشبهات تحوم حول أكثر من 10 قضاة على أقل تقدير.
السؤال المفتاح هنا يتفرع عنه سؤالان: هل ما قام به جرمانوس هو فعل قضائي بحت يهدف إلى تصويب مسار التحقيق، أم هجوم مضاد على التحقيق في الفساد القضائي؟ وهل يحظى جرمانوس بغطاء التيار الوطني الحر (قناة «أو تي في» بدت أمس داعمة لقرار مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية) أم أنه أقدم على القرار الخاطئ الذي سيُنزل عليه غضب رئيس الجمهورية المنادي باستكمال ملف مكافحة الفساد القضائي؟ الإجابات ستظهر سريعاً. فهيئة التفتيش القضائي ستشهد في الساعات المقبلة تحقيقات مفصلية مع عدد من الموقوفين.