ملاك عقيل – الجمهورية
ما مصير إدّعاء مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس على «شعبة المعلومات»؟ لا شيء. عملياً، كل ما يحصل في العدلية من «خضّات» متتالية في ملف «الفساد القضائي» يجعل من هذا التطور غير المسبوق في تاريخ القضاء مجرّد تفصيل أمام السؤال الأساس: هل ستسقط الرؤوس الكبيرة الفاسدة «الحاكِمة» بأمرها في القضاء؟
إحالة جرمانوس الإدّعاء الى قاضي التحقيق العسكري لم يكن كافياً لاستكمال الإجراءات «العقابية» بحق «المعلومات». الأدق القول، إنه لن يؤدي الى مكان، حيث لم يحصل أي إستدعاء بعد على خلفية هذا الإدّعاء، خصوصاً أنّه شمل «شعبة المعلومات»، التي لا تتمتع بالشخصية المعنوية، ولم يدعِّ بالأسم على ضباط. وحتى لو هناك وجهات نظر قانونية «تفتي» بأنّ قاضي التحقيق العسكري له صلاحية التوسّع في التحقيق للكشف على أسماء الضباط الذين «تمرّدوا» على سلطة النائب العام العسكري وتعمّدوا تسريب التحقيقات، ثم في استدعائهم للمثول أمامه وسماع إفادتهم وصولاً الى الإدّعاء عليهم وتوقيفهم، فإنّ الوقائع تتقاطع عند حدّ التأكيد أنّ «ثورة» جرمانوس، في ظل غياب المساندة السياسية، قد هَمدت.
موقف الوزير جبران باسيل قبل أيام لم يكن مجرّد تفصيل عابر، وهو يعكس مباشرة موقف رئيس الجمهورية ميشال عون، «نحن لا نغطي أحداً في مسألة القضاة، وليس هناك قضاة للعهد وقضاة لغير العهد». يصبح لهذا الموقف أهمية مضاعفة حين يكون جرمانوس، من المحسوبين مباشرة، باللغة السياسية «الدارجة»، على «قضاة العهد»، كما غيرهم ممن شملتهم التشكيلات القضائية الماضية، على رأسهم المدّعي العام لجبل لبنان غادة عون.
هي التركيبة اللبنانية المتعارف عليها: كل عهد له «ضباطه وقضاته ورجالاته الكبار في الادارات»… عهد عون لم يشذّ بالتأكيد عن هذه القاعدة!
لكن ما يحصل فعلياً، انّ انفجار المواجهة بين جرمانوس، ومن خلفه قضاة باتوا يعبّرون مباشرة عن استيائهم من «تجاوز الحدود» معهم، وبين «شعبة المعلومات» وصولاً الى «نشر الغسيل» المُتبادل على السطوح، لم يحظ بأي تغطية سياسية من رئيس الجمهورية وقيادة «التيار الوطني الحر»، الجهتان المعنيتان بالدفاع عن قاضٍ يخوض مواجهة مع جهاز أمني، ويُصادف أنّ هذا القاضي كان خياراً عونياً خالصاً لتبؤّ المركز الذي يشغله اليوم.
وتقول مصادر سياسية بارزة في «التيار الوطني الحر»: «لا أحد في وارد فتح معركة مع «شعبة المعلومات»، ولم يقم القاضي جرمانوس بما قام به بدفع منا، وبالتأكيد ما حصل لا يأخذ أبداً شكل المواجهة بين عون ورئيس الحكومة سعد الحريري، بل محصور فقط على مستوى قاضٍ وجهاز أمني، وله أطره للمعالجة».
وفيما يلتزم «حزب الله» الصمت التام حيال المواجهة بين القضاء والأمن، فإنّ للصمت دلالاته السياسية، خصوصاً أنّ الحزب غارق في ورشة «مكافحة الفساد» بين «الشغل» الحزبي الداخلي ومجلس النواب ونشاط نوابه الملحوظ، ويُفترض أن يعنيه ما يحدث في قصور العدل. عملياً، لا موقف من «حزب الله» في ما يتعلق بالملفات المفتوحة في القضاء، والتي بدأت تطاول قضاة يُحالون تباعاً الى المجلس التأديبي، ولا حتى في شأن المواجهة المفتوحة بين جرمانوس و»الشعبة». لكن العارفين يصفون الوضع بكلمتين: «حزب الله» «يتفرّج ويستمع». وتذهب مصادر مواكبة الى أبعد من ذلك «انّ عدم إطلاق «حزب الله» أي موقف في ما يتعلق بالإتهامات الموجّهة الى جهاز أمني «بتجاوز صلاحياته»، تحديداً «شعبة المعلومات»، هو موقف في حدّ ذاته، خصوصاً أنّ ضباط «الشعبة» لا يخطون أي خطوة إلاّ بإشارة قضائية، ولا يبقى أي موقوف في زنزاناتهم إلاّ بإذن القضاء».
الموقوف ج. ع. الذي شكّل أحد الأسباب الرئيسية لانفجار الخلاف بين جرمانوس و»الشعبة»، لا يزال قيد التوقيف في نظارة «الشعبة» في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي. وباستثناء، جرمانوس وبعض القضاة، الذين يعتبرون أنّ ج.ع تجاوز مدة التوقيف لدى «الشعبة» ومطلوب تسليمه، مع موقوفين آخرين من السماسرة، فإنّ أجوبة حاسمة قد وصلت، وفق المعطيات، ومنها الى وزارة العدل ورئاسة الجمهورية، بأنّ إستمرار التوقيف لا تشوبه شائبة قانونية، وهناك ما يكفي من الحيثيات التي تبرّر هذا التوقيف.
وفيما يجزم مطلعون أنّ ج.ع قد ظهر في إفادته أنه كان على علاقة وثيقة بأكثر من قاضٍ، فإن «تفريغ» هواتفه الخلوية كشف كثيراً من المعطيات التي تدينه وتضع قضاة في إطار الشبهات أيضاً، مع العلم أنّ بعض الموقوفين من سماسرة العدلية بتهم فساد من أصحاب السوابق وفي حقهم مذكرات توقيف!