إحتفل اللبنانيون منذ يومين بعيد القديس شربل الذي ملأت عجائبه الكرة الأرضية بشمالها وجنوبها وشرقها وغربها. وتزامنًا مع الإحتفال بعيد القديس الكبير، برزت بعض التعليقات المتهكّمة على عجائبه، من بعض الأشخاص على مواقع التواصل الإجتماعي.
هدفنا ليس الردّ، ولا الدخول في جدالات عقيمة حول إثبات ما لا يحتاج أي إثبات أصلًا، لأن رسائل الشكر متعدّدة اللّغات التي تُرمى عند ضريح مار شربل، والكتب المتعدّدة حول سيرة حياته، المنتشرة في مختلف بلدان العالم، وبلغّات عدّة ايضًا، هي خير إثبات ودليل على عظمة القديس، وشفاعته لدى السيّد المسيح. كما أن هدفنا ليس بالتأكيد إدانة الآخرين، لأن الإدانة والدينونة هما للربّ القدير والقادر وحده على معرفة خفايا وقلوب البشر وضُعُفاتهم ومدى وعيهم لما قاموا به. ولكن من حقّنا الإضاءة، ولو قليلًا، على جانب من أهمية الأعاجيب في الايمان المسيحي، ودورها في تثبيت المؤمنين.
وفي سياقٍ متصل، نشدّد ايضًا على أهمية الايمان المسيحي الصلب والمؤسَّس على السيّد المسيح وشفاعة العذراء مريم، بمعزل عن ما إذا كانت العجيبة تمّت. فلا نكون أبدًا من الفئة التي تؤمن وتسمع كلام الله وتقبله بفرح، ومن ثمّ تعود لترتدّ عن الايمان وقت التجربة. ولا نشبه ايضًا فئة الذين يقبلون كلمة الله، بموازاة اختناقهم بهموم الدنيا وتحدّياتها، والذين لا يأتون عادة بأي ثمرٍ روحي وزمني…
أحد أبرز الإثباتات الواردة في الإنجيل المقدّس على أهمية اقتران الأعجوبة بالايمان هو ما حدَث مع المرأة الكنعانية، التي لم تكُن من الشعب العبراني (شعب الله بحسب الشريعة اليهودية). فهي طلبت من السيّد المسيح شفاء ابنتها من الشيطان، ورغم الأخذ والردّ والكلام الكثير، بقيت مصرّة على موقفها وايمانها الثابت والراسخ بأن السيّد المسيح وحده يُمكنه أن يُعطيها مُشتهى قلبها، وهي بذلك استحقّت الأعجوبة، وجعلت الله نفسه يعترف بعظمة ايمانها. وهي بذلك تشبه “قائد المئة” الذي قال السيّد المسيح في شأنه: “ما وجدتُ مثل هذا الايمان ولا حتى في إسرائيل…”.
الإنجيل المقدّس
من جهته، أكد المطران بولس صياح أن “الدليل الابرز على أهمية الأعاجيب في الايمان المسيحي هو الإنجيل المقدّس نفسه، إذ نجد أعاجيب فيه كثيرة اجترحها السيد المسيح، وهنا لا مجال لأي تنظير”. وأكد في حديث الى وكالة “أخبار اليوم” أن “الايمان يرتبط بالأعجوبة ارتباطًا وثيقًا، وهذا يظهر من عدم اجتراح المسيح نفسه أعاجيب كثيرة في منطقته بسبب عدم ايمان الساكنين فيها”. وأضاف صياح: لا أحد يستطيع ان يُعرقل عمل الله طبعًا، ولكن الله يُريد منه الإنسان ان يتجاوب معه، لأنه (الله) أتى إلينا وبذل ذاته، ومن واجبنا أن نتجاوب مع النعمة وموهبة التبنّي التي أعطانا إياها”.
وإذ أشار صياح الى أن “الله يجترح أعاجيب مع أشخاص غير مسيحيين”، أضاف: هذا الأمر يعني انه (الله) يعلم ما في القلوب. فالمهمّ أن تكون نوايا الإنسان صافية، ويحبّ التقرُّب من الله، وعلى استعداد كامل للسير بإرادة الله في حياته مهما كانت. وبالتالي، تحصل بعض الأعاجيب نتيجة للثقة المطلقة التي يتحلّى بها الإنسان بالله.
وعن حصول أعاجيب أحيانًا مع أشخاص متصلّبين بالخطيئة والشرّ، أكد صياح: نحن البشر لا نعرف ماذا يوجد في القلوب، ولذلك، قال السيّد المسيح: “لا تَدينوا كي لا تُدانوا”.
وردًا على سؤال حول أهمية بقاء الايمان ثابتًا بمعزلٍ عن تحقيق الأعجوبة، قال صياح: “لا شكّ أن الإستمرار بالصلاة وطلب قوّة الايمان هما العامل الأهم”، لأننا لا نقوم بعملية تجارية مع الله أو “عطيني تأعطيك”. يجب الوثوق بالله “على العمياني” إنطلاقًا من أنه يحبّنا الحب المُطلق والكامل.