رعى رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري مساء اليوم الجمعة في مركز المؤتمرات IFEMA في العاصمة الاسبانية مدريد حفل تخرج اكثر من 1900 طالبا في جامعة IE Business School لادارة الاعمال ينتمون الى اكثر من 93 دولة في العالم من بينهم حوالي الستين خريجا لبنانيا قاموا بدراسة برامج الماجستير في المدارس المختلفة التابعة للجامعة في القانون والعلاقات الدولية و العلوم الإنسانية والتكنولوجيا و مدرسة للهندسة المعمارية والتصميم.
وكان في استقبال الحريري لدى وصوله ال مبنى الموتمرات IFEMA رئيس الجامعة سالفادور كارمونا والرئيس التنفيذي سانتياغو انغيز وعمداء الكليات والقييمين على الجامعة، وحضر الحفل الوزير غطاس خوري والسفيران هالا كيروز وخوسيه ماريا بيني دي لا فيرا وحشد من السفراء ورؤساء ومدراء كبرى الشركات العالمية من بينهم الرئيسة التنفيذية لbooking.com جيليان تانس وأهالي الطلاب واكثر من 8000 مدعو.
استهل الحفل بدخول الخريجين والأساتذة والعمداء من ثم كانت كلمة ترحيبية للسيد سكوت كليفيردون تطرق فيها الى أهمية هذا الحدث والى المكانة المرموقة التي تمكنت الجامعة من الوصول اليها في وقت قصير نسبيا.
انغيز
ثم تحدث الرئيس التنفيذي للجامعة فقال: “إنه لشرف لي ان امنح الرئيس سعد الحريري ميدالية جامعة “آي إي ” في خطوة ذات دلالة كبيرة على احترامنا وإعجابنا بالتزامه الذي أظهره في تعزيز التنمية الاقتصادية وتوطيد النظام الديمقراطي في لبنان”.
أضاف: ان جامعة IE تقدم نظامًا إيكولوجيًا للتعلم يعتمد على التكنولوجيا للقادة الذين يصنعون فرقًا حقيقيًا في العالم من خلال الابتكار، والرؤية العالمية، والعقلية التجارية، والتركيز الفريد على العلوم الإنسانية. وفي الجامعة كليات تضم أكثر من 500 أستاذا يقومون بتدريس طلاب من 131 دولة في برامج الماجستير والدكتوراه وبرامج التعليم التنفيذي إضافة الى شبكة الخريجين التي يبلغ عددها أكثر من 50000 خريجًا يشغلون حاليًا مناصب إدارية في 165 بلدًا تقريبًا. واشار انغيز في كلمته الي ان الرئيس الحريري سبق له ان منح عدد من الاوسمة الرفيعة المستوى.
ميدالية
ثم قلد رئيس الجامعة الحريري ميدالية جامعة “آي إي ” تقديراً لالتزامه بتعزيز التنمية الاقتصادية وتوطيد النظام الديمقراطي في لبنان.
الحريري
بعد ذلك تحدث الرئيس الحريري فقال:
“منذ حوالي ربع قرن تخرجت من الجامعة، وربما كنت كمعظمكم الْيَوْمَ، اتساءل عن العالم الذي أنا على وشك الدخول اليه، وكانت حينها الحرب الباردة قد انتهت وبدأ العالم يتحول الى قرية احادية القطب، واليوم يبدو اننا نشهد نهاية هذه الاحادية، كما يبدو كذلك ان العولمة بالتأكيد بدأت تفقد قوتها.
لكن يبقى السؤال الى اي عالم، أنتم الخريجون اللامعون لعام ٢٠١٨، ستدخلون؟ وقبل محاولة الإجابة، اسمحوا لي ان أشارككم تجربة شخصية.
لقد ترعرعت في صيدا، وهي مدينة جميلة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، تقع على بعد حوالي ٤٠ كلم جنوب بيروت، وكان جدّي الحاضر دائماً وبشكل كبير في سنوات طفولتي الاولى، يقول لي، انه، في أيامه، اذا أراد احدهم الإجابة على سؤال محدد، فغالباً ما كان يجب ان يسافر على ظهر حصان الى بيروت.
وفِي بعض الأحيان، كان يقال له، ان الجواب قد يكون مع عالِم في بغداد، اَي ان الامر كان يستغرق رحلة أسابيع.
وبعد ثلاثة اجيال، اذا سئل ابني أو ابنتي السؤال نفسه، فهم بحاجة فقط الى هاتف ذكي، ليحصلوا على اجمالي المعرفة الموجود، حرفياً عند أطراف أصابعهم. وبفضل وسائل التواصل الاجتماعي قد يتمكنون من التواصل على الفور مع مجتمع كامل من الأشخاص، مهتمين بموضوع معين، أو متخصصين فيه. هذه هي المسافة الهائلة، القفزة العملاقة، التي وفرتها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وهذه هي، الفرصة العظيمة التي يحظى بها جيلكم، كل المعلومات متوفرة عند أطراف أصابعكم.
والآن قد يتساءل البعض: اذا كنّا على تواصل الى هذا الحد، ولدينا هذا الكم من المعرفة، بتصرفنا الفوري، فلماذا نميل بشكل متزايد، الى الانعزالية، والحمائية، والهويات الوطنية، والإقليمية، والدينية، والطائفية، والعرقية، اي بكلمة واحدة: الهويات الصغيرة. وبرأيي انه سيترتب على جيلكم ان يجد حلاً لهذا التناقض.
اسمحوا لي ان اتوجه لعقولكم النيرة والمثقفة، ببعض الافكار. في البلدان المتقدمة، يتقدم السكان في السن، في الوقت الذي يصبح فيه سكان البلدان النامية أصغر سناً. ان التقدم التكنولوجي، وعلى الرغم من فوائده، إِلَّا انه يدمّر الوظائف التقليدية، وسوف تحلّ بشكل متزايد الأتمتة والروبوتات، مكان الانسان، في قطاعات كاملة.
ان التغيير المناخي، او الاحتباس الحراري، يزيد من التصحر والفيضانات والكوارث الطبيعية، مما يجعل مياه الشرب نادرة، ومن المتوقع ان يؤدي هذا الامر أيضاً، على نطاق واسع، الى ارتفاع مستويات البحار، مما يهدد المناطق الساحلية المأهولة بشكل كثيف.
كل هذا، اضافة الى تفاقم الهويات الصغيرة، يؤدي الى زيادة الهجرة للفرار من النزاعات، أو للبحث عن فرص.
أضاف، الْيَوْمَ واحد بالمئة من سكان العالم هم لاجئون داخل أو خارج بلدانهم، اي شخص واحد من كل مئة فرد في كوكبنا. ونحن في بلدنا نعرف بالتأكيد، أموراً عديدة عن هذا الموضوع. فلبنان، الذي يبلغ عدد سكانه ٤ ملايين شخص، يستضيف مليون ونصف مليون لاجئ، فرّوا من بلدهم بسبب الحرب والقمع. وذلك أشبه، بأن تستضيف اسبانيا الْيَوْمَ، ١٥ مليون لاجئا على أراضيها.
كما ان التقدم التكنولوجي، يسهّل على المنظمات الإرهابية والشبكات الاجرامية، تجنيد وزعزعة استقرار المجتمعات وتسليح الصراعات، وهم باتوا يستخدمون طرقاً جديدة لأنشطتهم، ومنها الاٍرهاب السيبراني والجريمة الالكترونية.
لقد اشرت الآن الى ٣ تحديات رئيسية، وهي تغيير المناخ والهجرة والارهاب، جميعها مترابطة، ومن المستحيل مواجهتها من دون زيادة التعاون الدولي والتكامل والحوار .
وعوضاً عن ذلك، فان الجواب على هذه التحديات، يبدو التوجه نحو الانعزالية والحمائية والاستبداد، وهذا ببساطة يشكل مساراً غير مستدام، وهو التناقض والتحدي الرئيسي الذي سيواجه جيلكم.
قد يسأل بعضكم ماذا بإمكاني ان افعل كفرد حيال كل ذلك، الجواب بسيط: أنتم لستم مجرد أفراد عاديين، بل انه من خلال تخرجكم من هذه الجامعة ، تشكلون جزءاً من نخبة الغد. أنتم قادة وصناع رأي، ومن تقع عليه مسؤولية حل المشكلات في المستقبل.
وخلال سعيكم وراء أحلامكم الفردية، وممارسة مهاراتكم المكتسبة، لتحقيق إمكانات غير محدودة، أتمنى عليكم ان لا تنسوا، ولا تتجاهلوا، واقعاً اساسياً: ان عقولكم النيرة هي عقول شجاعة أيضاً، ان الانسانية تحتاج الى شجاعتكم بقدر ما تحتاج الى ذكائكم. الشجاعة لمواجهة التحديات، التي سوف تؤثر على كل فرد منّا، والشجاعة أيضاً لحلّ التناقض في عصرنا.
شكراً لكم”.
تانس
بعد ذلك القت جيليان تانس، الرئيس التنفيذي لـ Booking.com، الخطاب الرئيسي لحفل التخرج في الجامعة، وتجدر الإشارة الى ان تينس تولت منصب الرئيس التنفيذي لـ Booking.com منذ أبريل 2016. وهي مسؤولة عن الاستراتيجية العالمية وعمليات الشركة التي لديها أكثر من 15،000 موظف يعملون في 198 في 70 دولة.