فؤاد مخزومي
تنتهي المواسم ولا تنتهي الأزمات
منذ عدة أشهر ودَّعنا موسم الانتخابات المليء بالكلام عن مشاكل المواطن الحياتية المزمنة، والقضايا الوطنية المهمة، والوعود بإنجازات كبيرة على مستوى البلد عموماً، وعلى مستوى مدينتنا الغالية بيروت خصوصاً.
وبعد الانتخابات بعدة أيام، انشغل الرأي العام بقضايا طغت على مشاكل المواطنين.. قضايا تخص طموح بعض السياسيين.
أصبحت القضية الأبرز: تكليف، وتأليف، وتأجيل، وخلافات، وحصص، ومصالح وصلاحيات.
اسمحوا لي في هذا اللقاء الصريح وعلى مسافة بعيدة جداً عن أجواء المعارك والمزايدات، أن أؤكد لكم أننا لا زلنا على وعدنا في العقد الذي أبرمناه مع أهالي بيروت.
ولا زلنا نحمل همومهم ولا ننسى ولا نهمل الناس الذين عاهدناهم ووضعوا ثقتهم بنا.
وهذا سبب دعوتنا اليوم لهذا اللقاء.
والمدعوون هم خيرة العارفين بموضوعنا الحيوي والحساس: وهو طبعاً النفايات.
هو عنوان لا يشرفنا كثيراً أن نجده دائماً على رأس أولويات وهموم المواطن.
لكن لا يمكننا أن ننكر أهميته وتأثيره على مختلف جوانب حياتنا.
لماذا دعونا للحديث عن هذا الموضوع؟ وعن بيروت تحديداً؟
أولاً، لأننا لم نقرر عن عبث أن نكون ممثلين في المجلس البلدي لمدينة بيروت عبر السيدة هدى الأسطة قصقص.
ولم نحصل بالصدفة على قرار من أهل بيروت في تمثيلهم في المجلس النيابي.
إذا لم أطرح السؤال باسم من اختاروني ممثلاً عنهم في البرلمان.. ماذا أجيبهم إذا سألوني؟
نحن أولاد هذا الوطن.. نحن أهل بيروت.. مؤتمنون على الأرض والبيئة، وعلى نمط الحياة الذي نطمح إليه اليوم لأولادنا وأحفادنا وأجيال المستقبل.
فهل يمكن أن نقف موقع المتفرج على الأذى الذي يلحقه ملف النفايات بوطننا من دون أن نسأل؟
موضوع النفايات ليس من اختصاصنا.. لكنه يخصنا ويؤذينا ويؤذي أولادنا وسمعة بلدنا وحياتنا وكرامتنا.
لهذا السبب لجأنا إلى أهل العلم والخبرة لنطرح عناوين نستطيع أن ننطلق منها بروح إيجابية من دون كلل أو ملل. لنصل إلى نتائج عملية ومضمونة.
نحن لسنا متحمسين لاعتماد أو رفض حلول معينة، ولا ندعي القدرة على هكذا مواقف مسبقة.
نحن متحمسون للوصول إلى دراسة رصينة وحقيقية، نابعة من طبيعة المشكلة وتقدم حلولاً فعالة.. حلول لا تراعي زعيماً ولا متعهداً ولا صاحب مصلحة سوى مصلحة الناس والوطن.
إدارة النفايات الصلبة مسألة حساسة تقتضي أن نجد لها المنهجية الأنسب للبنان من بين التجارب المعتمدة في الدول المتقدمة.
ومن خلال علوم المختصين وجهودهم يمكننا أن نحوّل ملف النفايات من عبء ثقيل على لبنان إلى ثروة مفيدة لكل المناطق اللبنانية.
من الواضح أن الحل الأمثل الذي يمكننا الاتفاق عليه، هو طريقة تنفيذ الحل.
الدول التي اعتمدت المحارق عالمياً فرضت على نفسها مواصفات وشروطاً التزمت بها. ولم تسمح بالإهمال والتساهل أن يلحق الأذى ببلدانهم.. الأذى الذي تعرضنا له من قبل فئة من المسؤولين من جهات معينة.
ونحن اليوم نسأل الشعب الذي يثق بكلام القيمين على صحته وبيئته: كيف يمكننا أن نلومهم ونحن نتنشق معهم دواخين شـِـكّا والزوق؟ كيف نلومهم ونحن نتأمل معهم جبالنا المهشمة وتلالنا المشوّهة؟ كيف ونحن نتأمل معهم النفايات تجري في أنهارنا وبحيراتنا؟ كيف نلومه ونحن نستقبل معهم مرتجعات بحرنا الأبيض المتوسط؟
تطبيق الحل لا يقل أهمية عن ملاءمة الحل لطبيعة مشاكلنا وطبيعة أرضنا.
إذا منعنا الفساد والمحاصصة والمزايدات، وفرضنا مبدأ الفرز وأنشأنا المصانع المطلوبة للفرز والتدوير وإنتاج الطاقة، يمكننا أن نسترجع الأمل بأن يغيب لبنان عن لوائح الهدر والتلوث والفساد ويتربع مجدداً في المكان الذي يستحقه.
لهذا الحلم.. والواقع الذي كان من مسلمات الحياة في مطلع شبابنا، لصورة لبنان التي أحببناها وبتنا نفتقدها اليوم، ولحماية سمعة بلدنا.. لكل هذه الأهداف، قرر حزب الحوار الوطني أن يضع نفسه بتصرف أهل الخبرة والعلم والمعرفة لخدمة هذا الملف.. لأن حلمنا ببلد خال من النفايات ممكن.
وفي الوقت نفسه، من جهتي كممثل للشعب اللبناني في المجلس النيابي، قررت تكريس جميع جهودي لطرح الحلول العلمية الفعالة، والمبادرة والمتابعة لاجتراح القوانين المناسبة وتحريك الجهات المسؤولة بالاتجاه الصحيح.
للذين تركوا وطنهم ويشتاقون إليه من بعيد ويزورونه من حين إلى آخر..
نحن تركنا وطننا يبتعد عن حقيقته واليوم اشتقنا إليه.. نريد أن تعود بيروت كما كانت نريد أن يعود لنا لبناننا كما عهدناه.