صحيفة الجمهورية
يحتفل لبنان اليوم بعيد استقلاله الخامس والسبعين، في وضع سياسي مهتزّ يُفقده معناه، ويثبّته في عين العواصف مُهدداً بالأسوأ وبالانجرار الى ما لا تحمد عقباه.
هو العيد الذي يفترض أن تعمّ فرحته كل الارجاء اللبنانية، فإذا به يأتي هذا العام ناقصاً، لا بل مشوّهاً بأجواء سياسية قاتمة أسقطت الآمال التي أوهمت اللبنانيين بأن يكون هذا العيد عيدين، عيد استقلال ترفرف رايته على مستوى الوطن كله، وعيد ميلاد حكومة محكوم عليها بالسجن المؤبّد داخل معتقل سياسي تديره الشهوات والمصالح، وأسقطت مع تلك الآمال الخائبة أوراق التوت، وكشفت للقاصي والداني عورات الذهنية المتسلطة والمتحكّمة بمصير البلاد والعباد.
إنتهى بازار التأليف الى الحائط المسدود، ورُكن البلد على رصيف الانتظار وعادت الى التمترس خلف مواقفها التي لم يفهم بعد ما هو السرّ الكامن خلف التصلّب، والامعان في التعطيل ووضع العصي في دواليب المخارج والحلول.
الحريري لن يعطي
في النتيجة، حازت عقدة تمثيل سنّة 8 آذار في الحكومة على لقب سيّدة التعطيل بامتياز. نأى عنها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ومن خلفه «التيار الوطني الحر»، والرئيس المكلف سعد الحريري رفض ان يتلقّف إعلان الوزير جبران باسيل الخروج من مقايضة الوزير المسيحي بالوزير السني من ضمن الحصة الرئاسية، وأجواؤه لا توحي بالارتياح من هذه المبادرة غير المنتظرة من قبله، والتي تُلقي الكرة في ملعبه. وهو الأمر الذي دفعه، كما يؤكد مقربون، الى الإصرار على أنه وضعَ تشكيلة حكومته وصارت جاهزة، وليس معنياً بتمثيل كتلة مفتعلة، القَصد منها التعطيل وليس التسهيل.
وبحسب هؤلاء المقرّبين، فإنّ الحريري، وإن كان قد حَدّد موقفه بأنه لن يرضخ لأي ضغوط تمارَس عليه من أي طرف كان، الّا انه في الوقت ذاته يعتبر الكرة في ملعب الآخرين، من دون أن يعني ذلك انّ باب الخيارات مقفل بالنسبة إليه، والتي لن يجد أيّ مانع أمامه في اللجوء اليها في الوقت المناسب، في حال استمر الحال على ما هو عليه.
واذا كانت أجواء بيت الوسط قد حسمت عدم رغبة الرئيس المكلف بلقاء «سنّة 8 آذار»، لأنّ مثل هذا اللقاء لن يقدّم أو يؤخّر على صعيد التأليف، كما انه لن يبدّل في موقف الحريري الذي سبق وعبّر عنه برفض تمثيلهم، خصوصاً على حساب تيار «المستقبل»، فإنّ مصادر معنية بملف التأليف أكدت لـ«الجمهورية» انّ السبب الأساس لعدم الرغبة في هذا اللقاء هو انّ الرئيس المكلّف لا يريد أن يعترف بهؤلاء النواب ككتلة قائمة ومستقلة، فيما هي «تَجمِيعة نيابية» مُفتعَلة، من 3 كتل سَبقَ وأن نالت حصصها الوزارية في الحكومة الجاري تشكيلها، ما يعني أنهم بمحاولتهم اقتناص مقعد وزاري إضافي يريدون أن يأخذوا بالجملة والمفرّق.
«سنّة 8 آذار»
على انّ أجواء نواب «سنّة 8 آذار» تبدو متشنجة، خصوصاً إزاء ما تعتبره أوساطهم التعاطي الاستعلائي مع هذه المجموعة النيابية التي أكدت الانتخابات النيابية حضورها، سواء على المستوى الوطني أو على مستوى الشارع السنّي الذي لا يستطيع الرئيس المكلّف أن يقول إنه طَيّع في يده، ويستطيع التحكّم به والتفرّد في تمثيله بالحكومة وحَصره بتيار «المستقبل»، الذي هو جزء أساس من الطائفة لكنه يجب أن يعترف أنّه ليس كل السنّة.
وبحسب هذه الأوساط، انه على رغم الأصداء السلبية من بيت الوسط، فإنّ فكرة طلب موعد للقاء الرئيس المكلّف ما زالت قائمة، وهي قيد الدرس وسيتحَدّد ذلك في القريب العاجل، وكل ما يَستجدّ على هذا الصعيد سيكون في متناول الاعلام، سواء ما يتصل بطلب الموعد، او برَدّ الحريري عليه أكان إيجابياً أو سلبياً.
«حزب الله»: كمين
أمام هذا الجو المقفل، بات محسوماً لدى مختلف الاوساط السياسية أنّ ملف التأليف يُحتضَر. واللافت في هذا السياق زحمة التوقعات التي توالَت بشكل لافت للانتباه في الساعات الماضية، وأثيرت تساؤلات حول دوافعها وكذلك حول مَن أوحى بها، ولعلّ أبرزها ما تَوقّعه مقرّبون من الرئاسة الأولى من أنّ الامور ستنحى في وقت قريب الى مبادرة الرئيس المكلف الى تقديم تشكيلة لحكومة من 30 وزيراً، ولكن من دون 4 أسماء، على أن تملأ لاحقاً، وهو أمر سرعان ما سُحب من التداول بعد اتصالات قيل فيها «كلام كبير» لصاحب هذا التوقع اعتبر ما قاله «أمراً بالغ الخطورة، ويلبّي ما ترمي إليه جهات ودول خبيثة».
وبرز في هذا السياق أيضاً حديث البعض عن تنازل يقدّمه «حزب الله» بمبادلة وزير شيعي من حصّته بوزير سني يُسند الى أحد نواب «سنّة 8 آذار»، وهو أمر تَبيّن، بحسب مصادر «حزب الله»، أنه غير صحيح في الشكل والمضمون، ولا مكان له أصلاً في حسبان «الحزب»، وأشبَه ما يكون بالطرح الذي سبق أن صاغَته بعض الغرف السياسية، ونسبت الى الرئيس نبيه بري طرحاً مُماثلاً يقضي بتخَلّيه عن مقعد شيعي لمصلحة توزير أحد نواب «سنّة 8 آذار»، وهو الطرح الذي اعتبره بري خبيثاً يستبطن كميناً.
عون
وعشيّة عيد الاستقلال، وجّه الرئيس عون مساء أمس رسالة الى اللبنانيين، قال فيها: «انّ لبنان يعيش اليوم أزمة تشكيل الحكومة، صحيح أنها ليست فريدة من نوعها وسبق أن عاشَها سابقاً وتحصل في دول عريقة، ولكنها تخسرنا الوقت الذي لا رجعة فيه، وتحول دون إمكانات الانتاج». وأضاف: «إذا كنتم تريدون قيام الدولة تذكّروا انّ لبنان لم يعد يملك تَرف إهدار الوقت»…
برّي
في هذه الاجواء، تبدو الصورة قاتمة لدى رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، الذي قال أمام زوّاره انه كان يعلّق الأمل على أن يجد الطرح الذي قدّمه للوزير باسيل سبيلاً للسَير به لحلّ أزمة التأليف، لكن مع الأسف تمّ تجاوزه. وقال: «طبّقوا هذا المخرج كما يريدون، وأنا من جهتي لا أخجل بالمخرج الذي طرحته، والذي كان برأيي سيؤدي الى حل يكمّل سلسلة الحكومة».
ورفض برّي ما ذهبَ إليه البعض من اتهام «الجانب الشيعي بشِقّيه حركة «أمل» و«حزب الله» بأنه لا يريد حكومة»، وقال: «الحمدلله ان ليس بين النواب السنّة الستّة أيّ نائب شيعي. في أيّ حال، فليقولوا ما يريدون. المشكلة معروف أين مكانها، وكل الناس تعرف اننا قدّمنا كل تسهيل من أول الطريق، وضَحّينا على حساب حصتنا».
وسُئل بري الى أين تتجه الامور حالياً؟ فقال: «حقيقة، لا جواب عندي. الآن رَقّدوها وهَمّدوها، يمكن الآن «عَم يرتاحو». وكَم من الوقت سيرتاحون؟ لا أعرف، وكم يتحمّل البلد؟ لا أعرف».
وقيل له: يعني الحكومة طارت؟ فاكتفى بالقول: «شو شايف إنت؟»
وسُئل بري عن اللقاء الرئاسي في بعبدا بعد احتفال الاستقلال اليوم وما إذا كان الرؤساء الثلاثة سيبحثون العقدة الحكومية؟ فرَدّ مُمازحاً: «سيكون لقاء صامتاً»… ثم أضاف: «أفضل شيء في رأيي أن نسترجع أفلام شارلي شابلن الصامتة، لأنه في هذه الايام يبدو انّ الصمت هو سيّد الكلام».