صحيفة الجمهورية
يتأكد يوماً بعد يوم فقدان الأمل بولادة الحكومة، وديوك السياسة تواصل صياحها الذي يضج الارجاء اللبنانية، وتتقاذف مسؤولية اغتيال هذا الامل. وبات أكيداً، وسط هذا الجو، انّ أكثر ما يحتاجه لبنان في هذه المرحلة هو الواقعية، ومصارحة اللبنانيين بما صنعت أيدي السياسيين في بلد أشبعوه نَهشاً ونَهباً ومحاضرات بالعفّة الفارغة، وحوّلوه الى دولة موبوءة بامتياز وملوّثة سياسياً وإدارياً ومناخياً وبيئياً وفي كل مكان من البحر الى كل الأنهر.
في دولة تعاني هذا التلوّث السياسي المسبّب لكل الأزمات، ينبغي توقّع أيّ شيء: أنانيات متصارعة حول كل شيء، وذهنيات تريد كل شيء، وذهنيات تنصّب نفسها خيمة لتظلل من خلالها البلد بهيمنتها واستئثارها وسياساتها وتوجهاتها ورهاناتها… وفي النتيجة يحصد البلد وأهله حصاداً كريهاً، ويُلقى به، كما هو حال المواطن اللبناني اليوم، في مستنقع أزمات متتالية في كل المفاصل، ضربت الاقتصاد وكل مناحي حياة الناس، وزادت خوفهم على حاضرهم ومستقبلهم.
في دولة معقدة، من الطبيعي أن تزيد العقد وتنعدم الحلول، صار تأليف الحكومة المعطّل مسخرة؛ 6 أشهر من الدوران في حلقة التكاذب المخجل، والشروط التي تتوالد او توالدت من كل الجوانب السياسية بطريقة غريبة وألقيت في طريق الحكومة، وآخرها وربما ليس الأخير، توقيف التأليف على حاجز تمثيل «سنّة 8 آذار» وربط مصيرها بتمثيلهم فيها.
وعلى هذا المنوال، الذي يبدو انه سيستمر، سيطاح بأشهر إضافية طويلة، خصوصاً مع العقليات المتحكّمة في هذا الملف، والتي أكدت بما لا يقبل أدنى شك، أنّ بعض الطاقم السياسي يريد أن يفرض شروطه، ويشكّل في الحكومة «حكومته المصغّرة» على نحو أكثر أهميّة وقوّة وفعّالية من الحكومة نفسها.
لا حلّ
الجو العام المحيط بالتأليف حالياً، يؤكد ان لا حلّ في الأفق، بل هناك مزيد من التوجّه نحو التعقيد والتصعيد، خصوصاً بعدما أكدت مصادر معنية بهذا الملف لـ»الجمهورية» أنّ المسألة لم تعد مسألة رفض الرئيس المكلف سعد الحريري توزير «سنّة 8 آذار» في الحكومة على حساب تيار «المستقبل»، بل انّ الحريري يرفض أصل ومبدأ توزير هؤلاء النواب في الحكومة، على اعتبار انه يرفض ان يشكّل سابقة تمثيل كتلة مُفتعلة يريد من خلالها «حزب الله» اقتناص مقعد وزاري بطريقة التحايُل.
وهو الأمر الذي دفع رئيس المجلس النيابي نبيه بري مجدداً الى توسّل الدعاء، لعلّ الآفاق المقفلة تنفتح ويتبلور المخرج. لكن لا يبدو في أوساط المعنيين بهذه العقدة أيّ بارقة نزول عن سقوفهم العالية.
بري لـ«الجمهورية»
وقال بري لـ»الجمهورية»، رداً على سؤال حول حل هذه العقدة: «وفق المنطق، أعتقد انّ الحل عند رئيس الجمهورية».
وكان بري قد أبلغ الى المعنيين انّه و»حزب الله» و»اللقاء التشاوري» ليسوا في وارد التراجع عن مطلب تمثيل السنّة المستقلّين، ولا الرئيس سعد الحريري يبدو انّه في وارد التنازل، بعد الذي سمعه من الطرف الآخر. وبالتالي، فإنّ الرئيس ميشال عون قد يكون الأقدر على المبادرة في اتجاه معالجة العقدة السنّية.
وعمّا إذا كان بري يشجّع الحريري على استقبال «اللقاء التشاوري»؟ قال بري: لم يسألني الرئيس الحريري رأيي، ويبدو انّ بعض المحيطين به قد تكفّلوا بالأمر»… أضاف: «ليس المهم اللقاء في حد ذاته، بل النتيجة. وسواء انعقد أم لا، أنا أدعو رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف الى ان «يحلّوها»، بحيث يتمّ اختيار وزير من بين النواب الستة، حتى ننتهي من هذه المراوحة، لأننا لم نعد نملك ترف الانتظار».
عون
وفيما لم يصدر عن أجواء القصر الجمهوري ما يوحي بأنّ رئيس الجمهورية قد يبادر الى تَلقّف كرة الحل، خصوصاً بعد موقفه الأخير الذي أشار فيه الى مَثل سليمان الحكيم، وسأل فيه عن أم الصبي، أبلَغ زوّار عون «الجمهورية» انّ «ما قصده الرئيس عون يمكن فهمه على انه هو من يلعب دور سليمان الحكيم وقد عرضت عليه قضية «ام الصبي». ولذلك، فإنه وضعَ طرفي الأزمة في مواجهة متكافئة بينهما أمام «سليمان الحكيم» الذي عليه ان يفصل بينهما، وتحديد «ام الصبي». فكل منهما يقول إنه ام الصبي، وعليهما إثبات من سيكون منهما الام الحقيقية، فليس لأيّ صبي في العالم «أمّان اثنتان».
ولفت الزوّار الى «انّ ما ظهر واضحاً من التوصيف الجديد لرئيس الجمهورية، انّ التنازلات مطلوبة من الطرفين، وليس من الرئيس عون وحده. وانّ الحل الذي يمكن التوَصّل إليه لا يمكن ان يكون على حساب رئيس الجمهورية، وبالتالي فهو ليس على استعداد لمزيد من التنازلات، وبالتالي فإنّ حصته الحكومية غير معرّضة لأيّ تعديل».
وانتهى زوّار عون الى القول: «انّ الحل المطلوب سيكون على حساب الطرفين اللذين يدّعيان انّ كلّاً منهما هو «أم الصبي».
«المستقبل»
وفيما أعاد تيار «المستقبل» التأكيد على ان الرئيس الحريري ليس معنياً بما تسمّى عقدة تمثيل «سنّة 8 آذار»، واستبعدت أوساطه استقبال الرئيس المكلف للنواب السنّة الستة، لاحظت مصادر «بيت الوسط» ما وصفتها الحملة المنظّمة والمُستهجنة التي تستهدف الرئيس المكلف ووالده الشهيد رفيق الحريري.
وكشفت المصادر لـ»الجمهورية» انّ كتلة نواب «المستقبل» ستلتئم اليوم، وستصدر بياناً يؤكد على أمرين أساسيين: الأول، استنكار هذه الحملة المنظمة، مع الدعوة الى وَقفها فوراً منعاً لتردداتها السلبية على الوضع في البلاد. والثاني، دعم موقف الرئيس الحريري من التشكيلة الجاهزة لديه، ودعوة الجميع الى إتمامها بتسمية من لم يسمِ بعد وزراءه، ذلك ان من يعتقد انّ مثل هذه المواقف قد تؤدي الى اعتذار الرئيس المكلف هو مخطىء، ولن يتحقق له ما أراد.
النواب الستة
في هذا الوقت، لا تبشّر اوساط «سنّة 8 آذار» بانفراج أزمة تمثيلهم، نتيجة ما يسمونها العقلية التي يواجَهون بها من الرئيس المكلف. وقالت هذه الأوساط لـ»الجمهورية»: «يجب أن يَمتثل الرئيس المكلف لنتائج الانتخابات النيابية التي اكدت فوزنا وحضورنا، وفرضت تمثيلنا».
ورفضت الاوساط اتهام هؤلاء النواب بمحاولة الحصول على مقعد وزاري بالاحتيال، وقالت: نحن ربحنا الانتخابات، امّا تيار «المستقبل» فكان ممثلاً بـ36 نائباً في المجلس النيابي السابق، وفي الانتخابات الاخيرة خسر 16 نائباً. ومع ذلك، فهو يريد ان يَحتكم بكل التمثيل السنّي في الحكومة ويحرم على الفائزين حقهم في ذلك، ليظهر من خلال هذا الامر انه ما زال الممثّل الوحيد للسنّة في لبنان، فيما نصف هؤلاء السنّة تقريباً هم خارج إطار تيار «المستقبل»، هذه الحقيقة يجب أن يعترفوا بها».
«حزب الله»
الى ذلك، قالت مصادر قيادية في «حزب الله» لـ»الجمهورية»: انّ كرة الحل هي في يد الرئيس المكلف، وليس أي طرف آخر. وسبق لنا ان أبلغنا الجميع من دون استثناء اننا لسنا الجهة المعنية بحل مسألة تمثيل نواب اللقاء التشاوري في الحكومة، هناك من كان وَفياً لحلفائه حتى آخر لحظة، وهناك من سعى الى إرضاء حلفائه حتى آخر رمق، ونحن من جهتنا أشد الأوفياء لحلفائنا ولن نتراجع عن ذلك على الاطلاق مهما طال الزمن، الحل في يد الرئيس المكلف وحده.
وعن رفض الحريري التنازل لحل هذه العقدة، قالت المصادر القيادية: معروف عنّا اننا نُحسن الانتظار، والجميع يعلمون اننا انتظرنا سنتين ونصف لكي يتم انتخاب الرئيس ميشال عون. نحن لن نتراجع عن دعمنا لمطلب تمثيل نواب اللقاء التشاوري، وسننتظر المبادرات العلاجية لهذه العقدة لكي تأتي من الرئيس المكلف، فهو الذي يحدد زمانها أكان في وقت قريب او غير ذلك، وسننتظره.
وجزمت المصادر انه «في النهاية سيتمثّل نواب اللقاء التشاوري في الحكومة، وسواء ارتفعت وتيرة هجومهم علينا او خَفّت، فهذا الضجيج لا يعنينا، ولن يؤثر على موقفنا لأننا اعتَدنا على مِثله، ولن يوصلهم الى اي نتيجة معنا، بل سيصلون في نهاية المطاف الى التسليم بأحقية هؤلاء النواب بأن يكونوا شركاء في الحكومة.
«14 آذار»
بدوره، قال مصدر بارز في فريق 14 آذار لـ«الجمهورية» انّ «حزب الله» يؤكد يوماً بعد يوم انه يرفض قيام الدولة، ويسعى الى إبقائها عاجزة ومُشتتة، بما يخدم مشروعه الممتد من بيروت مروراً بنظام بشار الاسد في سوريا وصولاً الى ايران. وأشار المصدر الى انّ «الحزب» أخرج قراره الى العلن بأنه لا يريد
ان تتشكل الحكومة، وذلك لكي يبقي البلد رهينة له.
جعجع : خياران
في هذه الأجواء، برز موقف لافت لرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، دعا فيه رئيس الجمهورية والرئيس المكلف «اللذين يتحملان المسؤولية الدستورية في التشكيل واللذين يمسكان «القلم»، وصلاحيات التوقيع في يدهما، الى اتخاذ قرار حاسم ، فإمّا يقولان لـ»حزب الله»: نريدك في الحكومة وأعطنا أسماء وزرائك، فإذا سلّمهما إيّاها كان به، وإلّا يشكّلان حكومة بمَن حضر». أو عليهما، ونظراً لحساسية الوضع ولضرورة اتخاذ، أقلّه، بعض الخطوات الضرورية والاساسية لمنع تدهور الواقع الاقتصادي أكثر، الاتفاق على عقد جلسات حكومية للضرورة على غرار جلسات تشريع الضرورة، كي تُتخذ خلالها بضع خطوات أساسية جوهريّة لمنع سقوط لبنان في الهاوية».
زائر بلجيكي
في غضون ذلك، بدأ رئيس البرلمان البلجيكي أمس الأول، زيارة للبنان أجرى خلالها لقاءات، أبرزها مع رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي، وأكد الرئيس عون أمامه في بعبدا «انّ الحل الأمثل لأزمة النازحين السوريين هو في عودتهم الى المناطق الآمنة في بلادهم، لأنّ ربط هذه العودة بالتوَصّل الى حل سياسي للازمة السورية يترك مجالاً للشكوك في ما خَصّ بقاءهم في الدول الموجودين فيها، لاسيما انّ تجربة الشعب الفلسطيني لا تزال ماثلة أمامنا، وقد مَرّت 70 سنة وحل القضية الفلسطينية لم يتحقق بعد.