أخبار عاجلة

“الإعلام اللبناني… “والانحدار المريع

“الإعلام اللبناني… “والانحدار المريع
“الإعلام اللبناني… “والانحدار المريع

دافيد عيسى

لطالما كان لبنان متميزاً بإعلامه الذي هو نتاج ثقافته وحضارته ورسالته، الإعلام اللبناني كانت له دائماً هذه الخصوصية والفرادة متقدماً ومتمتعاً بمزايا تنافسية وقد رفد الإعلام العربي بالكثير من الكفاءات والطاقات والمواهب وكان لبنان دوماً حتى في عز أيام الحرب بلداً حامياً لحرية الإعلام ومحافظاً على مستويات عالية لإعلام حرّ راقٍ مسؤول رصين ومثقف…
ما يشهده بعض الاعلام منذ فترة وقد تفاقم في الأشهر والأسابيع الأخيرة هو الخرق المتمادي للقيم والمبادئ التي قامت عليها مدرسة الإعلام في لبنان عندما يجري تشويه لصورة الإعلام وتعدٍ على حريته واستغلال فوضوي لها، وعندما يحصل هذا الهبوط المريع في مستوى التعبير والتخاطب خلال البرامج السياسية والتحريض في حالات كالذي حصل مؤخراً في “حادثة الجاهلية” وما رافقها.
ليست هذه حرية الإعلام ولا تكون كذلك، الحرية تكون مسؤولة ومقيّدة بضوابط وأخلاقيات وإلا أصبحت فوضى وسبباً لتدمير المجتمع، الحرية تقف عند حدود حرية الآخرين والإعلام لا يجب أن يتحوّل مصدراً لإيذاء الآخرين وإزعاجهم والتعدي عليهم…
وليس هذا هو المستوى المعهود والمطلوب في الإعلام اللبناني الذي كان مثالاً يحتذى ومركز إشعاع في المنطقة، وعكس دوماً الوجه الحضاري والثقافي للبنان.
أتوقف أولاً عند ما يجري على وسائل التواصل الاجتماعي ويخرج في كثير من الأحيان على أصول النقاش والتخاطب والحوار ويفتقر إلى اللياقات والأدبيات والتهذيب، وسائل التواصل وجدت لتكون مساحة حوار وتفاعل إيجابي للأفكار والمواقف لا ساحة مبارزة وتشهير وتحامل وافتراء، ولتكون ساحة صراع فكري لا حلبة مصارعة “بالكلمات واللكمات” التي لا تراعي الحد الأدنى من القواعد الأخلاقية ولا تقيم وزناً لمحرمات وكرامات ومقامات، والثورة التكنولوجية في وسائل الإعلام
وجدت لتحسن من أوضاع ومعنويات وثقافات الناس لا لتشد بهم إلى الوراء وتحاصرهم ضمن أسوار الجهل والتعصب مع أشخاص لا يفقهون معنى الإعلام ولا يحسنون استخدام هذا السلاح الأمضى في توجيه الرأي العام والتأثير عليه، فتراهم يندفعون في إثارة الغرائز والعصبيات وشحن الأجواء وتوتيرها، ولا يتورعون عن استخدام أقذع العبارات وأكثرها سوءاً وسفاهة وسخافة، وتكون النتيجة أن نصل إلى وضع لا يطاق من فوضى متفلّتة من القيود والضوابط القانونية والأخلاقية وحتى خارجة عن كل مقتضيات الرقابة الذاتية والحس بالمسؤولية.
أتوقف ايضاً عند ظاهرة الإطلالات الإعلامية المشينة لما يسمى اعلاميين ومحللين سياسيين فتحت لهم الشاشات وأعطوا منابر إعلامية مميزة وأتيحت لهم فرصة التعبير وإيصال أفكارهم إلى جمهور عريض من المشاهدين، فإذا بهم يستغلون هذه الفرصة على أسوأ ما يكون ويمعنون في التشويش والتشويه والإيذاء والاستفزاز والتعدي على الكرامات والمقدسات والمشاعر و”المسلمات”.
يعتقد البعض أنهم إذا أكثروا من لؤمهم ووقاحتهم، يؤثرون أكثر على الناس، وقناعاتهم ويحوزون أكثر على اهتمامهم ومتابعتهم، ولكن في الواقع هم ينفّرون الناس منهم ويبعدونهم عن الشاشات والندوات وحلقات الحوار والنقاش التي تعدّ متنفساً لحرية الرأي والتعبير، وإنما أصبحت تسبب اختناقاً وضيقاً في التنفس الفكري والثقافي.
مسألة أخرى أود التطرق إليها وقد تكررت أكثر من مرة في الآونة الأخيرة عندما يندفع البعض إلى نبش الماضي والعودة إلى سنوات وعقود خلت ليس لأخذ العبر والدروس وبلسمة الجراح وإنما لفتح صفحات طواها الزمن ولنكء الجراح وللنيل من شخصيات وزعامات خطفها الموت ولكنها ما زالت مقيمة في الوجدان الجماعي لشرائح وفئات لبنانية واسعة.
وحصل شيء من ذلك في برنامج تلفزيوني يستقطب اهتمام ومتابعة الرأي العام حيث جرى التعرض للرئيس الشهيد بشير الجميل وجرت محاولة للنيل من مكانته وشهادته وفرض رأي أحادي لا يمثّل إلا صاحبه، وهنا أحب أن أورد نقطتين وأن أركز عليهما:
الأولى: ان منطق أو مبدأ العدالة والمساواة يجب أن يسود عند استخدام الإعلام والاحتكام إليه، فلا يجوز لما هو ممنوع ومحظور بالنسبة للبعض أن يكون مسموحاً ومباحاً بالنسبة للبعض الآخر… بمعنى آخر اذا كان ممنوع التطاول واهانة المقامات السياسية عند الجميع وشاهدنا ما حصل في الشوارع وعلى الطرقات عندما اطلقت نكتة
على السيد حسن نصرالله في احد البرامج التلفزيونية، او عندما قال الوزير جبران باسيل كلمة “بلطجي” عن الرئيس بري، من هذا المنطلق هناك شريحة من الناس يجب احترام رايها ايضاً ترفض التطاول على احد اهم وابرز رموزها وقادتها وشهدائها ولن تسمح ان يهان او يقلل من احترامه في عقر دارها.
الثانية: أن هناك مسلمات وبديهيات ومقدسات، وسموها ما شئتم، عند كل الطوائف والفئات ولا تقبل النقاش في ماضيها ولا محاولة النيل منها أو المس بها أو التقليل من شأنها.
كل طائفة لها رمزها الذي حفر عميقاً في تاريخها ووجدانها، ولا ترضى بأي إهانة أو إساءة بحقه، فكيف إذا صدرت عن سابق تصوّر وتصميم وأراد أصحابها استفزاز المشاعر وإثارة العصبيات… ولنقلها صراحة:
* الشيعة لا يقبلون أي إساءة بالإمام موسى الصدر.
* والدروز لا يرضون أي تهجم على الزعيم كمال جنبلاط.
* والمسيحيون لا يقبلون أي تشويه لصورة الرئيس بشير الجميل وذكراه.
* والسنة لا يقبلون أي انتقاص من شهادة ومكانة الرئيس رفيق الحريري.
كل هؤلاء القادة غيبوا أو قضوا شهداء من أجل الوطن وكل أبناء هذا الوطن معنيون بتغييبهم وشهادتهم أو هكذا يفترض ويجب أن يكون الأمر، فلنخدم بعضنا بعضاً والبداية تكون من الاحترام لخصوصياتنا وقضايانا الخاصة ولقادتنا وشهدائنا، ومن التصرف كأبناء وطن واحد متساوين في الحرية والكرامة.
صحيح أن بعض الإعلام في لبنان يمر بوضع سيء ومسار انحدار وهو جزء من الحياة العامة، وقطاع من قطاعات كثيرة تشهد هبوطاً في المستوى… ولكن الصحيح أن الفرصة ما زالت موجودة لإصلاح هذا الوضع وما أفسدته السياسة والطائفية وإعادة بناء قطاع الإعلام وتنقيته من الشوائب والعيوب ويكون ذلك عبر سلسلة من الخطوات المتكاملة بدءاً من وضع قانون جديد لضبط وسائل التواصل الإعلامي تحت سقف قانوني يحكم عملها وأداءها، مروراً بتفعيل المجلس الوطني للإعلام وتوسيع صلاحياته ليشمل كل وسائل الإعلام واشكاله، وصولاً إلى ردّ الاعتبار للصحافة المكتوبة التي تظل العين الساهرة، هذه الصحافة التي انتخبت لها حديثاً مجلس جديد لنقابة المحررين والذي نتمنى له النجاح والتوفيق في مهمته الجديدة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى