كلير شكر-جريدة الجمهورية
قبيل استذكاره «ربيع 14 آذار» على وقع الأحداث في السودان والجزائر، بدا وليد جنبلاط في إطلالته التلفزيونية الأخيرة عروبياً أكثر من جمال عبد الناصر. أعاد الكوفية الفلسطينية إلى كتفيه، وراح يلوّح بها يمنة ويسرة أمام مشاهديه، لتصير «القضية المركزية» ملاصقة لأيّ موقف يطلقه. يُسأل عن «صفقة القرن» فيعود إلى فلسطين، ويَسأل عن الشباب في مشهدية 2030 فيعود أيضاً إلى فلسطين.
بدا جنبلاط يسارياً، وكأنه قرر العودة إلى جذوره، في لحظة تشتدّ فيها نغمة التوترات الاقليمية ولغة التهديدات العابرة للمحيطات والمربّعات النفطية. تنقصه «حدفة» اضافية ويرفع بندقية المقاومة!
وحين دنا من «حزب الله»، «اعترف له كثيراً» حسب تعبيره، ذاكراً حرب 2006 خصوصاً، محاذراً التصويب على السلاح إلّا من زاوية القول إنّ «إبن الجنوب يعتبر أنّ «حزب الله» ضمان وأتمنى أن يترجم هذا الضمان في الخطة الدفاعية».
وعلى رغم من طغيان العناوين الكبيرة على حديثه، قرر جنبلاط فجأة «النزول» إلى درك «التفاصيل اليومية»، متوجّهاً إلى «حزب الله» قائلاً: «لا أسمح أن يُصادَر قراري، وعليهم أن يسمعوا الانتقاد»، مضيفاً: «صار في طلاق على حساب معمل ترابة! ليك ملا آخرة».
يسلّم جنبلاط جدلاً أنّ معمل الترابة أشبه بـ»آخرة العلاقة» مع حزب الله، ما معناه أنّ ما يجمعه بالحزب هو أهم بكثير من «أطنان ترابة» التي قدّ تدرّ «أطناناً من الدولارات». ولهذا بدا مستاءً من «الطلاق». وهنا قمّة المفارقة.
تُظهِر مقاربة رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» مدى انقلاب المشهد اللبناني. جنبلاط الذي كان يشكل على مدى سنوات رأس حربة المواجهة ضدّ «حزب الله»، صار «يشكو» من «أسباب تافهة»، قد تعرض تفاهمه «المكتوم الصوت» مع الحزب لاهتزاز غير مرغوب.
وهذا إن دلّ على شيء، فهو يدلّ على حراجة وضعية زعيم المختارة في هذه الظروف بالذات، وعلى حالة الإرباك التي يعيشها. اذ بينما تتبادل واشنطن وطهران «التصنيفات» و»التهديدات» على وقع تبدّل موازين القوى الاقليمية التي جعلت من ايران لاعباً مؤثراً، وتحولت في نتيجتها ذراعها اللبنانية «حزب الله» قوة أساسية في المعادلة اللبنانية، يبدو جنبلاط كمن يبحث عن بوصلة حماية وإنقاذ.
على رغم من الهدوء الذي بدا «البيك» متسلّحاً به، فهذا لا يحجب الواقع المأزوم الذي يطرق أبواب المختارة. إذ إنّ ضبابية المشهد في الاقليم، مقرونة على «خبيصة» المشهد في الداخل، وتضاف إليهما «سلحفاتية تقليعة» تيمور جنبلاط لوراثة الزعامة التاريخية، تراكم الهموم في ذهن البيك الدرزي، وخشيته على المستقبل.
ومع ذلك، لا يبدو أنّ توصيف «الطلاق» فيه كثير من الدقّة، حسب مطلعين على موقف «حزب الله». يقرّون أنّ «الحزب» مزعوج من قرار وزير الصناعة وائل أبو فاعور، ولكن ليس بسبب الخشية على معمل الترابة أو دفاعاً عنه، وإنما لتصوير قرار وزير الصناعة السابق حسين الحاج حسن وكأنه كان مخالفاً للقانون، فصوّب الوزير الخَلَف الأمور، ما اعتُبِر تشويهاً للحملة التي يقودها «حزب الله» تحت عنوان مكافحة الفساد، وتشويشاً عليها.
يضيفون أنّ مَن يعرف مجريات الأمور يدرك جيداً أنّ حيثيات قرار أبو فاعور تثير الشكوك بسبب الخلفيات السياسية الكامنة وراء الخطوة. يؤكدون أنّ مسؤولين في «حزب الله» كانوا على علم بما سيقدم عليه وزير الصناعة وقد طلب منهم مراجعة جنبلاط لمعالجة المسألة، ويدركون جيداً أنّ قرار الحاج حسن ما كان ليتعرض للطعن لو أنّ آل فتوش مالكي المعمل تفاهموا مع جنبلاط. ويؤكدون أنّ المشكلة تكمن في رفض السوريين إدخال «حبّة» ترابة إلى سوريا اذا كانت لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي «يد فيها».
يشير هؤلاء إلى أنّ «حزب الله» تلقّف قرار أبو فاعور، وقرر إقفال الباب وراءه، رافضاً أيّ محاولة لمعالجة الأزمة سواء مع الوزير المعني أو «البيك»، على قاعدة القبول بتسويةٍ ما كونها ستجرّ تسويات اضافية، يرفض «حزب الله» الدخول في زواريبها.
لا ينفي هؤلاء تجميد العلاقة في الوقت الراهن، حيث أدّى التوتر إلى تعليق موعد كان محدداً في وقت سابق للمعاون السياسي للأمين العام حسين خليل في كليمنصو، وبالتالي تأجيله، على رغم من محاولات استيضاحية قادها بعض الاشتراكيين لتذليل اللبس.
حسب مطلعين على موقف «حزب الله»، فإنّ عتب «الحزب» على جنبلاط كبير، بمقدار سياسة الاستيعاب والتفهّم التي كان يمارسها تجاهه، على رغم من اصرار رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» على المضي قدماً في مواقفه التصعيدية سواء في الملف السوري أو في ما يتصل بأزمة النازحين، وعلى رغم من اعتراض حلفاء «الحزب» الدروز والمسيحيين على حدّ سواء على «تغنيج» الاشتراكيين.
حتى الآن، الاتصالات مجمّدة تنفيذاً لقرار «حزب الله»، في انتظارِ تطوّرٍ ما من شأنه أن يحلحل الأزمة، ولو أنّ بعض الاشتراكيين يلمّحون إلى «قطبة مخفية» كامنة وراء «تكبير» الحزب حجر أزمة «معمل عين دارة»، ويقولون إنّ مَن يحمل لواء مكافحة الفساد يُفترض عليه عدم الاعتراض على قرار «تبيّن أنّه غير قانوني».