خبر

ارتفاعات حادة للأسعار في السودان تنذر بتضخم جامح

يقول اقتصاديون إن معدل التضخم في السودان أصبح من أعلى المعدلات في العالم، مما يهدد بحالة من التضخم الجامح ما لم يسيطر البلد على عجز الميزانية والمعروض النقدي.

يتسبب ارتفاع الأسعار الحاد في تفاقم الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها ملايين السودانيين ويهدد عملية الانتقال السياسي بموجب اتفاق اقتسام السلطة بين العسكريين والمدنيين.

وسجلت الحكومة مستويات عجز هائلة في ميزانيتها نتيجة لدعم الوقود، ومولت ذلك العجز عن طريق طبع النقود.

وأدى ذلك إلى انخفاض قيمة العملة أمام العملات الأخرى ليرتفع التصخم إلى 230 في المئة على أساس سنوي في أكتوبر/ تشرين الأول، بحسب مكتب الإحصاء الرسمي.

تدفع الأسعار الباهظة مستهلكين عديدين إلى الإسراع بإنفاق أجورهم، لاسيما على السلع المعمرة التي تحافظ علي قيمتها.

يقول إدريس عبد المنعم، الذي يعمل بالتسويق لدى شركة هندسية في الخرطوم، إنه سارع بشراء قطع غيار سيارات وأثاث، لكنه لم يتحرك بالسرعة ذاتها لشراء المواد الغذائية والمشروبات لأن أسعارها لم ترتفع بالوتيرة السريعة نفسها.

وقال: “إذا أردت شراء أي شيء غير متطلبات المنزل الشهرية، أبادر بالشراء حالما أحصل على المال، ولا أحاول حتى المساومة لأن السعر قد يتضاعف في اليوم التالي”.

تظهر بيانات البنك المركزي حجم النقود التي تطبعها السلطات إذ زاد المعروض النقدي (ن2) أكثر من 50 في المئة على مدار عام حتى نهاية سبتمبر/ أيلول. وفي سبتمبر/ أيلول فقط، زاد المعروض النقدي 71.3 في المئة.

وبالمقارنة من شهر إلى شهر، يبلغ معدل التضخم حوالي 24 في المئة، وفقا لحسابات ستيف هانكي، خبير التضخم الجامح بجامعة جونز هوبكنز، وهو معدل عالي الخطورة، لكنه يظل دون مستوى التضخم الجامح الذي يُعرف بصفة عامة عند أكثر من 50 في المئة شهريا.

وأدرج هانكي السودان ضمن الدول الخمس صاحبة أعلى معدلات تضخم في العالم.

وقال “هذا مخيف جدا،” مضيفا أن من الصعب توقع اتجاهات التضخم مستقبلا.

الدعم

لم يقدم قرار الولايات المتحدة رفع السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب مساعدة فورية تذكر لتخفيف الأزمة الاقتصادية، ولجأت الخرطوم إلى صندوق النقد الدولي لتقديم العون.

يعول السودان على برنامج إصلاح أعده مع الصندوق لكبح العجز، الذي تفاقم جراء عقوبات اقتصادية أمريكية استمرت عقودا وسوء الإدارة الاقتصادية في ظل الرئيس عمر البشير، الذي أطاحت به انتفاضة شعبية في أبريل/ نيسان من العام الماضي.

وأبلغ السودان صندوق النقد في سبتمبر/ أيلول أن الناتج المحلي الإجمالي انكمش أكثر من اثنين في المئة في كل من 2018 و2019، ومن المتوقع أن ينكمش 8.5 في المئة في 2020 بسبب جائحة كورونا.

يُلزم البرنامج الاقتصادي لأجل عام الخاضع لمراقبة خبراء الصندوق الحكومة الانتقالية بإصلاح دعم الوقود وتقليص الاقتراض الحكومي من البنك المركزي وإصلاحات أخرى.

يهدف البرنامج لبناء سجل قوي يؤهل السودان لنيل تخفيف لأعباء الدين من دائنيه الرسميين.

وقال إبراهيم البدوي الذي تنحى عن منصب وزير المالية في يوليو /تموز: “مشكلة التضخم المفرط حقيقية، وتتطلب اهتماما جادا.. ينبغي أن يكون الدعم نقطة البداية، لأنه سيؤثر على مالية الحكومة دون شك”.

وبحسب صندوق النقد، يعادل دعم الوقود، الذي يشكل 71 في المئة من الدعم الإجمالي، 10.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2019.

وبدأت الحكومة هذا العام السماح لشركات خاصة باستيراد البنزين والديزل بسعر يقترب من سعر السوق وخفضت تدريجيا عدد محطات الوقود التي تبيع بالسعر المدعم.

وفي الشهر الماضي، ضاعفت الحكومة ثمن البنزين المنتج محليا إلى 56 جنيها سودانيا للتر، لكنه يظل من أرخص الأسعار في العالم. وقالت إنها أوقفت دعم البنزين والديزل بالكامل من سبتمبر/ أيلول.

وقال الصندوق إن الإصلاحات ستقلص دعم الوقود إلى 2.2 في المئة في العام الجاري، لكن الوقود المستورد سيضغط على موارد المواطنين أكثر في ظل انهيار العملة الذي يرفع السعر المحلي.

وهذا الأسبوع بلغ سعر الدولار الأمريكي 255 جنيها سودانيا في السوق السوداء، ارتفاعا من 85 جنيها قبل عام، بينما يبلغ السعر الرسمي 55 جنيها للدولار. وقالت هدى خالد، التي ترى أنها تحصل على أجر جيد نسبيا من عملها في مدرسة خاصة، “بسبب وضع البنزين، لم أعد عمليا أتحرك إلا في محيط دائرة نصف قطرها تسعة كيلومترات”. ولم يساعد رفع أجرها 50 في المئة كثيرا.

وتضيف: “الكهرباء والبنزين والإنترنت والبقالة تستنفد راتبي خلال أسبوع واحد. والباقي يغطيه المال الذي يرسله والدي من عُمان”.

(رويترز)