خبر

استثمارات 6 مليارات دولار.. ماذا تريد السعودية والإمارات من العراق؟

فورين بوليسي – بقلم كارين أ.يونج –

زار رئيس الوزراء العراقي “مصطفى الكاظمي” السعودية والإمارات، في مارس/آذار وأبريل/نيسان الماضيين؛ بحثا عن مساعدات مالية. لكن ما حصل عليه “الكاظمي” بدلا من ذلك هو التزام من البلدين الخليجيين بضخ استثمارات في العراق بمعدل 3 مليارات دولار لكل بلد. وأعلن كلا البلدين أن جزءا من استثماراتهما سيستهدف قطاع الطاقة المتجددة.

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي:

لن يفعل ذلك الكثير لتخفيف العجز المتوقع لميزانية العراق البالغ نحو 20 مليار دولار هذا العام،  أو الحيلولة دون إجراء تخفيض آخر لقيمة العملة، لكنه علامة على حقائق جديدة في منطقة الخليج. فمنتجو النفط الأغنياء على استعداد للمساعدة، لكنهم يتوقعون عائدا في المقابل، ويفضلون توجيه هذه المساعدة عبر شركاتهم وأدوات الاستثمار الخاصة بهم لتلبية احتياجات التنمية الاقتصادية المحلية.

لحظة تغيير

ما يجري هو لحظة تغيير بالنسبة لمصدري النفط في الشرق الأوسط. إذ ستعمل البلدان القادرة على إطالة عمر عائدات مواردها الطبيعية، وربما سلطتها السياسية، عبر بناء أعمال تجارية في قطاع الطاقة (بما في ذلك البتروكيماويات، ولكن الأهم من ذلك، في مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والهيدروجين) بما يتكامل مع الصناعات الهيدروكربونية الحالية.

ويجب النظر إلى الاستثمار السعودي والإماراتي في العراق من هذا المنظور. إذ يعد مبلغ الـ6 مليارات دولار في الأساس وسيلة لفتح الباب أمام الأعمال التجارية الخاصة في البلدين الخليجيين، وبالتحديد شركتا النفط الحكوميتان، “أرامكو” السعودية و”بترول أبوظبي الوطنية”، اللتان ترغبان في البقاء في اللعبة كشركات طاقة عالمية.

إذ تتطلع السعودية والإمارات إلى تعزيز وجودهما في قطاع الطاقة المتجددة، وتحديدا في إنتاج الطاقة الشمسية والهيدروجين من أجل وقود النقل وتوليد الكهرباء. ويعد إيجاد أسواق لهذه الأنشطة الاقتصادية أمرا حتميا، ويمكن أن يكون العراق عميلا جيدا في المستقبل القريب.

على سبيل المثال، تلتزم السعودية بالفعل بتصدير الكهرباء إلى العراق؛ ما يثبت جدوى شبكة الطاقة المشتركة بين دول مجلس التعاون الخليجي، التي يمكن أن تساهم أيضا في تقليل اعتماد العراق على الغاز الإيراني.

استثمار جيد للعراق؟

لكن هل هذا الاستثمار جيد للعراق؟ فبغداد عالقة في أزمة اقتصادية حادة، من ملامحمها تخفيض قيمة العملة، وتصنيف ائتماني غير مرغوب فيه، وعبء دين خارجي يتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ متوسط فاتورته سنويا حوالي 5.8 مليارات دولار بين عامي 2021 و2023، وعجز مالي مثقل بعبء فاتورة رواتب القطاع العام التي تمثل 50% من الإنفاق الحكومي.

علاوة على ذلك، هناك صعوبة في تلبية احتياجات العراق من إنتاج الكهرباء المحلية، والفساد المستشري، وضعف تقديم الخدمات. وهناك قطاع النفط الذي هو بحاجة ماسة إلى الاستثمار والاستقرار السياسي.

ويُسحب العراق في اتجاهات متصارعة؛ بالنظر إلى اعتماده على إيران في التجارة وموارد الكهرباء، وحاجته إلى تحسين العلاقات مع جيرانه في الخليج العربي، الذين لديهم القوة الاستثمارية. ووجدت السعودية والإمارات فرصة لتعزيز نفوذهما (في العراق)، ولكن ليس بالمساعدات أو القروض أو حتى وضع وديعة في البنك المركزي العراقي للمساعدة في دعم العملة. فبدلا منذلك، تشير الالتزامات السعودية والإماراتية البالغة 6 مليارات دولار كاستثمارات أجنبية إلى سعي البلدين لتنفيذ أهداف التنمية الخاصة بهما.

إن التدفق الفوري الإضافي للنقد، حتى كقرض، كان من شأنه أن يفعل المزيد للتخفيف من المتاعب المالية للحكومة العراقية.

بينما لن يمثل الالتزام الاستثماري للسعودية والإمارات علاجا شاملا للعراق. لكن إذا تم تخصيص هذه الاستثمارات ولو جزئيا، فستكون أكثر من صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر للعراق خلال العقد الماضي (الذي كان سالبا). ولا يوجد مجال للنمو سوى من هنا.

تفاؤل وحذر

لكن هناك ما يدعو للحذر وبعض التفاؤل في هذه الاتفاقيات الاستثمارية.

ففي عام 2018، قدمت الإمارات التزامات مماثلة باستثمار 3 مليارات دولار في إثيوبيا، وتم تخصيص مليار دولار منها كوديعة في البنك المركزي الإثيوبي.

لكن وفقا لبيانات “إف دي آي ماركتس”، لم يتم، منذ ذلك الحين، سوى تخصيص استثماري واحد فقط بقيمة 28.7 مليون دولار من قبل شركة “سند” للطيران، التي يملكها “مبادلة”؛ صندوق الثروة السيادي الإماراتي. وهو مشروع لصيانة محركات الطائرات بالشراكة مع الخطوط الجوية الإثيوبية.

وكان أكبر استثمار إماراتي منذ عام 2018 مشروعا عقاريا خاصا. ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، بدأت شركة “إيجل هيلز”، ومقرها دبي، في تنفيذ مشروع عقاري بقيمة 646 مليون دولار.

فقد أظهرت التجربة الإثيوبية مع الالتزام الاستثماري الإماراتي 3 أشياء.

أولا، التزام الدولة بالاستثمار لا يعني نقدا في متناول اليد، وقد يستغرق سنوات حتى تؤتي ثماره حتى لو تم تخصيص هذه الاستثمارات بالكامل.

ثانيا، من الصعب تخصيص استثمارات ضخمة في بعض الاقتصادات الإقليمية، لا سيما تلك التي تمر بأزمة سياسية أو تمر بمرحلة انتقالية. فقد تم إعطاء “مبادلة”، بصفته صندوق الثروة السيادية للبلاد، توجيها سياسيا بالاستثمار في إثيوبيا، لكنه وجد صعوبة في إيجاد فرص استثمارية جيدة ومناسبة.

ثالثا، تأتي فرص الاستثمار في بعض الأحيان من الجهات الفاعلة في القطاع الخاص أكثر من أدوات الاستثمار الحكومية. وهذا ليس أمرا سيئا بشكل عام. لكنه قد لا يتوافق مع استراتيجية التنمية المحلية، التي ربما قررت الحكومة المتلقية للاستثمار اتباعها، سواء في نوعية الوظائف التي يتم توليدها، والأهداف طويلة المدى التي يمكن أن تحققها تلك الاستثمارات. في الحالة الإثيوبية، على سبيل المثال، يعد مشروع صيانة محركات الطائرات مفيدا لتنمية العمالة ذات المهارات العالية ودعم توسع صناعة السياحة. بينما الاستثمار العقاري المذكور، وهو بقيمة أكبر بكثير، يفعل المزيد لخلق وظائف بأجور متدنية في قطاع التشييد، وإسكان يخدم شريحة صغيرة ثرية من السكان.

إن احتياجات العراق التمويلية والاستثمارية كبيرة. ويجب أن يقبل هذا البلد كل مساعدة يمكن أن يحصل عليها. فالعراق ينضم إلى مجموعة واسعة من الاقتصادات الإقليمية التي تتطلع إلى الخليج للحصول على مساعدات واستثمارات، من القرن الأفريقي إلى بلاد الشام.

وبعض هذه الدول هي أيضا منافسة في مجال النفط والغاز. وكلها أسواق محتملة لمنتجات الطاقة.

ولكن بالنسبة لمصدري النفط في الشرق الأوسط ومن أجل البقاء على قيد الحياة في مرحلة الانتقال الطاقي في المستقبل، هناك بالفعل ميزة لأولئك الذين يمكنهم التحكم في الموارد وتكريسها للطاقة البديلة والمتجددة، وتلك الدول التي تضع احتياجات التنمية الخاصة بها أولا.