خبر

مع الارتفاع الحاد للأسعار – المجاعة تهدد لبنان

بعد أن حذر البنك الدولي في تقرير العام الماضي، من أن حالة الفقر في لبنان يمكن أن تتفاقم بشكل كبير بسبب تدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأمريكي، تبدو تلك التحذيرات الآن وقد أصبحت حقيقة واقعة، وسط مخاوف من تفشي ”المجاعة“ في البلاد.

والمجاعة، تعريفا، هي ”ندرة في الغذاء على نطاق واسع، تسببها عدة عوامل بما في ذلك الحرب، والتضخم، وفشل المواسم الزراعية، وعدم التوازن السكاني، أو السياسات الحكومية“.

وخلال أقل من عام قفزت أسعار السلع الغذائية في لبنان إلى أكثر من 400%، وأصبحت الكثير من الأكلات الشعبية التي كانت بمتناول الجميع طبقا فاخرا لا يصل إليه سوى الأغنياء.

لكن الأسوأ من ذلك كله هو أن بعض الفقراء الذين أصبحوا تحت خط الفقر خلال أسوأ أزمة اقتصادية ومالية تعصف بلبنان منذ نيله الاستقلال عام 1943، باتوا يخرجون للتسول أو للبحث في صناديق القمامة لإطعام أطفالهم، بحسب بعض الشهادات.

البحث عن الطعام

وقالت إلينا سيقلي من قرية ”المية ومية“ شمال مدينة صيدا الجنوبية: ”هل تصدق ذلك..؟ رأيت بعينيّ رجلا وزوجته يبحثان في حاوية القمامة أمام منزلي… وعندما سألتهما عما يبحثان، صدماني عندما قالا: بعض الطعام“.

وأضافت المرأة البالغة من العمر نحو 70 عاما: ”هذه المرة الأولى التي أرى فيها مواطنين يبحثون عن طعام في حاوية قمامة… وسمعت من بعض الأصدقاء أن أناسا آخرين يقومون بنفس الشيء في مناطق أخرى…. يا للهول… هذه الأمور لم تحصل سوى خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية“.

وتعتبر اللحمة من أسوأ ضحايا الغلاء، إذ قفز سعر كيلو لحم البقر من نحو 15 ألف ليرة إلى 80 ألف ليرة، أي بأكثر من 5 أضعاف، فيما تضاعف سعر لحم الضأن من حوالي 20 ألف ليرة إلى 125 ألف ليرة، ما يعني أن عددا كبيرا من اللبنانيين لم يعد باستطاعتهم تناول اللحم؛ نظرا لأن متوسط أجور العمال لا يتجاوز 600 ألف ليرة.

كما قفز سعر المنقوشة بالجبن، وهي طبق رئيسي كان بمتناول الجميع قبل الأزمة، من نحو 2000 ليرة إلى 10 آلاف ليرة، وارتفع سعر الفروج المشوي من 10 آلاف ليرة إلى 70 ألف ليرة، ووصل سعر البن إلى 100 ألف ليرة مقابل 15 ألف ليرة قبل شهرين.

وبلغ متوسط الارتفاع في أسعار بقية المواد الغذائية حوالي 4 أضعاف، في الوقت الذي لم ترتفع فيه أجور العمال وبقية الموظفين في القطاعين العام والخاص منذ عدة سنوات.

ثورة جياع

وفي تصريحات صحفية، مساء الأحد، حذر رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية في لبنان هاني بحصلي، من حدوث كارثة قد تؤدي إلى أول ثورة جياع في تاريخ لبنان الحديث.

وقال بحصلي: ”أسعار المواد الغذائية تضاعفت خلال أشهر قليلة، ونحن نعيش كارثة كبيرة، خاصة بعد وقف الدعم والارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار، والزيادة في أسعار المحروقات التي يتوقع أن تواصل ارتفاعها، ما سيؤدي بالتالي إلى ارتفاع جديد في أسعار المواد الغذائية“.

وأشار بحصلي إلى أن ”الأسعار ستبقى مرتبطة بسعر صرف الدولار، الذي يشكل معيار تقلبات الأسعار“، موضحا أن ”بيع السلع على السعر القديم خلال تقلبات سعر صرف الدولار سيؤدي إلى تقلص الاستيراد وبالتالي انقطاع البضاعة“.

تصاعد الجريمة

وتزامن الغلاء مع تحذيرات من تصاعد الجريمة بسبب الجوع، إذ أشار موقع ”لبنان 24“ إلى أن الهاجس الأمني بات أبرز ما يؤرق اللبنانيين ”الغارقين أصلا في مشكلاتهم المالية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية“.

وقال الموقع: ”بعدما ظل الوضع مستقرا إلى حد كبير في الأشهر الماضية، تسارعت التطورات والمستجدات في الأيام الماضية التي توحي باتجاه البلد إلى الفوضى مع تفاقم عمليات السطو والسلب، ما جعل كثيرا من المواطنين يعتمدون تدابير جديدة، كالامتناع عن الخروج ليلا إلا في حالات طارئة، والامتناع عن زيارة مناطق بعيدة ونائية، وتجنب التوقف عند الصرافات الآلية في المصارف ليلا، وتفادي وضع الحلي والساعات الثمينة“.

بدوره، نبه وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي إلى تدهور الوضع الأمني، قائلا: ”اليوم هناك خوف من الأسوأ ومن تدهور الأمن المجتمعي أكثر لأن هناك الكثير من الناس الجائعة وهم يستطيعون أن يتحملوا كل شيء إلا جوع أولادهم“.

وأضاف الوزير: ”لذلك ما دام الوضع على ما هو عليه؛ فستزداد الفوضى، لكنها لن تتحول إلى فوضى تامة.. ونحن سنعمل بكل ما أوتينا من قوة للمحافظة على القوانين والنظم المعتمدة، وسنحمي المواطنين والممتلكات العامة والخاصة“.

وفي تقرير أصدرته أخيرا، لفتت ”الشركة الدولية للمعلومات“ في بيروت، إلى أن عمليات القتل والسرقة زادت، منذ مطلع العام الجاري، فارتفعت جرائم القتل بنسبة 45.5%، فيما قفز عدد جرائم السرقة بنسبة 144%.