خبر

أزمة القطاع السياحي التونسي تتفاقم وسط نزيف الخسائر

السياسي -وكالات

عمّقت موجة الإصابات والوفيات جراء وباء “كوفيد-19” أزمة القطاع السياحي في تونس، خصوصاً بعد تصنيف البلاد ضمن القائمة الحمراء. وتزامن تفاقم الوضع الصحي مع بداية الموسم السياحي في يونيو (حزيران)، ما أدى إلى موجة من إلغاء الحجوزات نحو الوجهة التونسية، على ضآلتها مقارنة بالمعدلات العادية. وسط هذا، ارتفعت أصوات العاملين في القطاع السياحي انتقاداً لتعامل الحكومة مع الأزمة واتهامها بسوء الإدارة والتخلي عن المؤسسات السياحية. ويعود هذا، إلى عدم وضع استراتيجية واضحة للحفاظ على استمرارية هذه المؤسسات.

تراجع بنسبة 25.3 في المئة

وأعلن البنك المركزي التونسي أن مداخيل السياحة المتراكمة، منذ مطلع 2021 حتى 10 يوليو (تموز) 2021، بلغت نحو 874 مليون دينار (306.6 مليون دولار)، أي بتراجع قدره 25.3 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2020.

وتبلغ نسبة مساهمة القطاع السياحي في الناتج الداخلي الخام 14 في المئة.

ويكشف وزير السياحة، الحبيب عمار، في تصريح لـ”اندبندنت عربية”، عن تراجع في عدد السياح الوافدين إلى تونس بنسبة 78.7 في المئة، وتراجع العائدات السياحية بنسبة 64.5 في المئة، وكذلك تراجع الليالي المقضاة بنسبة 80.5 في المئة، منذ بداية الجائحة.

ويعتبر عمار أن “الهدف الحالي مع الظروف الصحية الراهنة لا يكمن في تحقيق أرقام قياسية، وإنما استعادة ما يمكن من مواطن الشغل والمحافظة عليها”. ويلفت إلى أن “هناك فنادق اقتربت كثيراً من طاقة الإيواء المسموح بها، وهي 50 في المئة، في ظل الترتيبات التي وضعتها الوزارة. بعد أن استقبلت تونس رحلات من فرنسا ولوكسمبورغ وألمانيا وروسيا وتشيكيا وبولونيا وبيلاروس إضافة إلى السياح التونسيين”. ويصف عمار الأشهر العشرة الماضية بالصعبة للغاية، إذ أغلق عدد كبير من النزل التونسية. وعلى الرغم من ذلك، يعبّر عمار عن أمله في تحقيق موسم سياحي جيد سنة 2022.

7.2 مليار دولار حجم الخسائر

وبلغت خسائر القطاع السياحي في تونس، بسبب انتشار وباء “كوفيد-19″، 20 مليار دينار (7.2 مليار دولار).

وتذكر رئيسة “الجامعة التونسية للفندقة” درة ميلاد، في تصريح لـ”اندبندنت عربية”، بمرور القطاع في تونس بضائقة سابقة للأزمة الصحية، “لكنها تعمقت مع انتشار الوباء. وقد استعد القطاع الفندقي لفترة ما بعد الجائحة إيماناً بقدراته على التجاوز. وواصل أصحاب الفنادق تقديم تنازلات على الرغم من الانفراج الجزئي والظرفي للأزمة لمعاضدة مجهود الدولة، وعلى الرغم من التراجع الكبير في النشاط فإن تواصل الأزمة واستمرار تدهور واقع القطاع أمام تواتر انتشار سلالات الفيروس والموجات، أديا إلى توقف النشاط، ما أدى إلى إغلاق 80 في المئة من الفنادق. وحدث هذا نتيجة تراجع عدد الوافدين وعدد الليالي المقضاة والتعطل التام”.

قطاع منكوب

وتقول ميلاد، “نعلن الآن ونحن في ذروة الموسم أن مجال الفندقة أصبح قطاعاً منكوباً، بالنظر إلى الظروف القاهرة التي يمر بها. فقد تراجعت مداخيله في النصف الأول من 2021 بنسبة 27 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من 2020، مع الإشارة إلى التراجع الحاد في المداخيل سنة 2020، وهي مؤشرات تدل على الانهيار مقارنة بمداخيل 2019.

ويعيش القطاع توقفاً كلياً في الوقت الحالي، منذ يوليو، الذي يمثل ذروة الموسم، نتيجة إدراج الوجهة التونسية في القوائم الحمراء، لدى البلدان التي تعتبرها تونس أسواقاً كبرى.

ويعود تفاقم الوضع إلى الفشل في إدارة الأزمة الصحية في البلاد، وفق ميلاد، إذ لم تستجب الحكومة إلى الدعوات المتكررة لإدراج العاملين في القطاع السياحي ضمن ذوي الأولوية في الحصول على اللقاحات. وقد استجيب إلى هذا الطلب الرئيس من أهل المهنة في توقيت متأخر وبعد فوات الأوان. أما طريقة إدارة الأزمة فكانت ارتجالية، إضافة إلى غياب الاستراتيجية المضبوطة مسبقاً والآفاق الواضحة.

رفض البنوك

ويشير رئيس “جامعة وكالات الأسفار”، جابر بن عطوش، في تصريح لـ”اندبندنت عربية”، إلى أن “الدعم الحكومي للمؤسسات السياحية التي تعاني من مخلفات الأزمة الصحية كان محدوداً. فقد وُجهت المنح مباشرة إلى العمال الناشطين في الفنادق ووكالات السفر عن طريق منح تبلغ 200 دينار (71.5 دولار) وتمتد لمدة ستة أشهر، من أجل الحفاظ على مواطن الشغل. ووقع إعفاء المؤسسات السياحية من المساهمة في الضمان الاجتماعي في الثلاثية الأخيرة من 2020 والثلاثيتين الأولى والثانية من 2021. في حين لم تتحصل هذه المؤسسات على منح أو قروض.

بينما صدر المرسوم الحكومي رقم 6 لسنة 2020 الذي خصص مبلغاً قدره 500 مليون دينار (175.4 مليون دولار) ضماناً من الدولة التونسية موجهاً إلى المؤسسات السياحية، يهدف إلى تمكينها من الاقتراض من السوق المالية، لكن لم يُفعل من قبل البنوك. وتمتع 15 في المئة فقط من المؤسسات بقروض بضمان الدولة التونسية. ثم عادت البنوك لتطلب من الحرفيين الضمانات الخاصة رافضة تمكينهم من (قروض الكوفيد). ورمت بالمرسوم 6 عرض الحائط. وقد أسهمت البنوك في إغراق القطاع السياحي ووصوله إلى الطريق المجهول”.

مديونية وإفلاس

ويبلغ عدد وكالات السفر في تونس 1380. وتتراوح ديون وكالة السفر الواحدة بين 300 ألف دينار (107.1 ألف دولار) ومليون دينار (357.1 ألف دولار). وتمثل الوكالات المتخصصة في العمرة الأكثر تأثراً بالأزمة، وأفلس الجزء الأعظم منها. بينما يهجر جزء كبير من أصحاب وكالات السفر المهنة، وتغيير صفة المؤسسات ونشاطها. وأدى عدم حصول الوكالات على قروض إلى إفلاسها، وذلك بعد تراجع الحجوزات بنسبة 80 في المئة في العشرين يوماً الأولى من يوليو مقارنة بالفترة نفسها من 2020. فقد توقفت الرحلات بمجرد تصنيف تونس منطقة حمراء، وأُلغيت الحجوزات والرحلات من ألمانيا وفرنسا ثم تلتها أغلبية البلدان.

ويهدد الوضع الحالي مستقبل القطاع، إذ تجدر المحافظة على المؤسسات كركائز للاقتصاد الجاذب للعملة الصعبة، وذلك بدعمه مباشرة لضمان تواصل نشاطه في فترة ما بعد الأزمة. ويتحتم على الحكومة وضع آليات للإنقاذ، حسب جابر بن عطوش، تتمثل في إيقاف التتبعات العدلية والجبائية والمالية ضد هذه المؤسسات لضمان بقائها وحمايتها من الاندثار.