السياسي -وكالات
استمر تراجع العملة اليمنية بشكل غير مسبوق في تاريخها، نجم عنه ارتفاع حاد في الأسعار، وسط عجز ملحوظ في وضع حلول لوقف التدهور في بلد يواجه أزمات إنسانية ومعيشية صعبة.
والثلاثاء من الأسبوع الماضي، تراجع الريال اليمني إلى مستوى قياسي جديد في المناطق الواقعة تحت سلطة الحكومة، حيث بات سعر الدولار يساوي 1015 ريالا يمنيا.
بينما في تعاملات الأحد، سجل سعر صرف الدولار قرابة 1000 ريال في تذبذب ضمن نطاق 990 – 1015 خلال الأسبوعين الجاري والماضي.
وقبل اشتعال الحرب في 2015، كان يباع الدولار الواحد بـ 215 ريالا؛ لكن تداعيات الصراع ألقت بانعكاساتها السلبية على مختلف القطاعات، بما في ذلك العملة.
تراجع العملة اليمنية المستمر، يأتي على الرغم من إعلان السلطات الحكومية أكثر من مرة، عن إجراءات للحد من الانهيار، بينها ضبط المضاربين بسعر الصرف.
وخلال الأسبوعين الماضيين، نفذت الحكومة حملات لإغلاق محلات الصرافة غير المرخصة في عدة محافظات، أبرزها عدن (جنوب) وتعز (جنوب غرب)، حيث تم إغلاق 80 محلا في المحافظة الأخيرة لوحدها.
وفي 18 يوليو/تموز الماضي، حذر رئيس الحكومة اليمنية معين عبدالملك، من انهيار كامل لاقتصاد بلاده، حال عدم الحصول على دعم دولي للحفاظ على سعر العملة المحلية.
وتشير تصريحات عبدالملك إلى أن حكومته عجزت عن وقف تدهور العملة، وهو الأمر الذي يتطلب دعما دوليا عاجلا.
والخميس الماضي، أصدرت جمعية الصرافين فرع عدن، تعميما بأسعار الصرف في السوق المحلية، في ظل التدهور المروع للعملة المحلية مقابل الأجنبية.
وجاء في التعميم الذي وجهته الجمعية لشركات الصرافة وشبكات التحويل المالية المحلية، اعتماد تسعيرة لعمليات الشراء والبيع للريال السعودي عند 259 ريالا يمنيا.
بينما حددت سعر الدولار بـ 985 ريالا، في وقت سجل 1015 ريالا في تعاملات الأربعاء، وسط انفلات في الصرف، لكن الالتزام بالأسعار ينحصر على الشركات المرخصة.
ودعت الجمعية الجهات الرسمية، وفي مقدمتها الحكومة والسلطات المركزية، إلى اتخاذ كافة الإجراءات للإسهام بمعالجات شاملة وعاجلة للحد من تدهور سعر الصرف.
وجع الغلاء
في 14 يوليو الماضي، حذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، من تفاقم أزمة الجوع باليمن جراء ارتفاع الأسعار.
وقال مكتب البرنامج باليمن في بيان مقتضب، إنه “قام بزيادة مبلغ المساعدة النقدية منذ بداية يوليو/تموز الجاري، ليساعد ذلك الأسر على مواجهة ارتفاع أسعار المواد الغذائية”.
وأفاد البرنامج بأن الأسعار ارتفعت بنسبة 45 بالمئة في المناطق الواقعة تحت سلطة الحكومة، منذ مطلع العام الجاري.
هم ثقيل
يشكو اليمنيون من أن ارتفاع الأسعار، بات هما ثقيلا ومأساة كبيرة تستوجب الحل العاجل، قبل أن تذهب البلاد إلى المجاعة.
أحمد ثابت، مواطن في العقد السادس يعمل بالأجر اليومي في مدينة تعز جنوب غربي اليمن، الواقعة تحت سلطة الحكومة، يشكو من الأضرار الكبيرة لانهيار العملة والتي أثرت بشكل كبير على حياة أسرته.. “الواقع كله غلاء فاحش.. لم نعد نستطع العيش في حياة كريمة بسبب ضعف الدخل وارتفاع الأسعار”.
وأردف: “أعاني من أمراض في القولون والكبد والعين، ولا أستطيع العلاج.. فقط كل تفكيرنا أن نجاهد في توفير متطلبات الأسرة اليومية”.
وزاد: “لدي ولدان شابان عاطلان عن العمل، فيما واحدة من بناتي تعمل مدرسة في إحدى مدارس القطاع الخاص براتب زهيد؛ لكن لم نستطع جميعا أن نوفر متطلبات الحياة الأساسية، أو شراء العلاج وقت المرض”.
بدوره، يقول المواطن محمد علي سيف، إن “الشعب اليمني يعاني أسوأ مرحلة في تاريخه، جراء استمرار الحرب وغلاء الأسعار وعدم توفر فرص العمل”.
وأضاف: “قبل أيام قمت بشراء 10 كيلوغرام سكر بقرابة سبعة آلاف ريال (قرابة 7 دولارات) مقارنة مع دولارين اثنين سابقا.. هذا الأمر أزعجني كثيرا، حيث كنت اشتري هذه الكمية بأقل من نصف المبلغ قبل عامين”.
ولفت إلى أن “كل شيء أصبح سعره جنونيا، حتى سعر كيلو الموز الذي ينتج محليا بات ألف ريال (دولار واحد)، والذي كنا نشتريه قبل الحرب بحوالي 200 ريال فقط (20 سنتا)”.
“لا نريد أن نحمل الحكومة المسؤولية، فهي لا تملك القرار الحقيقي.. التحالف العربي سلب قرارها في كل شيء بما في ذلك الملف الاقتصادي، وهو ما يستوجب منه عمل الحل العاجل لهذه المأساة أو الانسحاب من اليمن”.
عوامل انهيار الريال
يقول الباحث الاقتصادي سعيد عبد المؤمن إن “انهيار الريال في اليمن بصفة عامة، ومناطق الحكومة بصفة خاصة هو الأسوأ في تاريخه؛ وكل ذلك بسبب الحرب وعدم الاستقرار والتمزق وغياب الحكومة”.
وأضاف “في الواقع، الحكومة غير موجودة في اليمن، وكذلك هناك عوامل أدت إلى تراجع العملة كسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً على العاصمة المؤقتة عدن، وهو الذي لا يمتلك إدارة ولا يرغب في الاستفادة من الآخرين”.
ولفت إلى وجود أسباب أخرى وراء تراجع العملة، أبرزها “غياب سياسات حكومية فعالة، وفشل إدارة وسياسات البنك المركزي، وقلة الموارد، وعدم إدخال عوائد الصادرات في النظام المصرفي وإيداعها في حسابات خارجية”.
ومنذ نحو 7 سنوات، يشهد اليمن حربا، أودت بحياة 233 ألف شخص، وبات 80 بالمئة من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على المساعدات للبقاء أحياء، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.
ويزيد من تعقيدات النزاع أن له امتدادات إقليمية، فمنذ مارس/ آذار 2015 ينفذ تحالف عربي بقيادة الجارة السعودية، عمليات عسكرية دعما للقوات الحكومية، في مواجهة الحوثيين المدعومين من إيران، والمسيطرين على عدة محافظات، بينها العاصمة صنعاء.