تتجه الحكومة العراقية نحو استغلال الطاقة النظيفة؛ في مسعى لتغيير طبيعة الاقتصاد بشكل جذري، وتقليل الاعتماد على الغاز الإيراني.
وخلال الأعوام الماضية، عانى العراق بشكل متكرر من أزمة حادة في الطاقة الكهربائية، إذ تتصاعد بين الحين والآخر؛ بسبب تلكؤ الغاز المستورد من إيران.
وبحسب مسؤولين محليين، فإن التوجه العراقي الجديد تبلورت فكرته عقب انعقاد قمة ”مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة“، نهاية الشهر الماضي، حيث جرت نقاشات بين عدد من الدول المشاركة بشأن ذلك.
ويشمل التوجه الجديد، تعزيز موقع العراق على قائمة الدول التي تعتمد مصادر الطاقة المتجددة، كالرياح والطاقة الشمسية، واستبقت الحكومة العراقية قمة بغداد، بإعلان تغيير اسم وزارة الكهرباء لتصبح ”وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة“، كما قطعت دول عديدة من المشاركين في مؤتمر بغداد، شوطا متقدما في هذا المجال، على رأسها مصر.
وقال مسؤول في وزارة الكهرباء العراقية إن ”مؤتمر بغداد الأخير شهد حوارات مبدئية بين عدد من الدول الحاضرة لتنشيط هذا الملف، حيث أبدى الحاضرون إرادتهم في مساعدة العراق، ونقل تجاربهم إليه، فضلا عن تفعيل ملفات الربط الكهربائي مع الأردن ومصر والكويت“.
وأضاف المسؤول العراقي أن ”الرؤية العراقية تنطلق من الحاجة إلى تلك المشروعات، لكن ذلك يرتبط بالأموال، وهو ما تسعى الخطة الجديدة إلى طرحه، فضلا عن الحاجة إلى الاستشارات والأيدي العاملة، وهو ما تعهدت به دول مثل مصر“، وفق قوله.
ولفت إلى أن ”المشروع يهدف إلى إنشاء مئات المحطات من الطاقة النظيفة لتوليد الكهرباء في أغلب محافظات البلاد، وفق توزيع يتفق عليه لاحقا“.
وكانت الحكومة العراقية، قد أعدت الورقة البيضاء للإصلاح الاقتصادي؛ في مسعى لتغيير طبيعة الاقتصاد بشكل جذري، وتصحيح سياسات البلد، الذي يعد من كبار منتجي النفط في اقتصاد ريعي معتمد كليا على بيع النفط.
إنفاق 120 مليارا على الكهرباء
من جانبه، كشف نائب رئيس الوزراء العراقي، علي عبدالأمير علاوي، أن ”بلاده من الممكن أن تلعب دورا مهما من خلال الاستفادة من الإمكانات الهائلة لإنتاج وتوفير الطاقة النظيفة، حيث يشكل إنتاج النفط والغاز ما يصل إلى 40% من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والحرق المستمر للغاز الطبيعي في آبار النفط؛ الأمر الذي يحتم علينا الالتزام بالحد من حرق الغاز واستثماره“.
وأضاف علاوي في مقال مشترك مع فاتح بيرول، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، أن ”زيادة كفاءة الطاقة ستكون لها فوائد أخرى، وهذا يعني أننا لن نحتاج إلى إنفاق مبالغ هائلة لزيادة المستوى العام لتوفير الكهرباء، وأن عجز العراق عن توفير ما يكفي من الكهرباء لتلبية الطلب كلف البلاد ما يقرب من 120 مليار دولار على مدى السنوات السبع الماضية“.
ولدى مصر تجربة جيدة في مجال الطاقة النظيفة، حيث نجح القطاع في الوصول هذا العام إلى حوالي 6378 ميغاوات، ومن المقرر أن تصل هذه القدرات إلى أكثر من 8,8 غيغا واط.
ووفق الخبراء، تحصل أسوأ المواقع الشمسية المحتملة في العراق على ما يصل إلى 60% من الطاقة المباشرة من الشمس، وهذه النسبة هي أعلى من أفضل المواقع في ألمانيا، ولكن مع ذلك، فإن محطات الطاقة الشمسية التي بنتها ألمانيا توفر حتى الآن ضعفين ونصف الضعف من الطاقة الكهربائية لجميع محطات النفط والغاز والطاقة الكهرومائية العاملة في العراق مجتمعة.
ويرى الباحث في الشأن الاقتصادي، سرمد الشمري، أن ”العراق قادر على إنتاج الطاقة النظيفة، في ظل وجود خبرات محلية كفؤة، وكذلك في المحيط العربي، خاصة أن مثل تلك المشروعات لم تعد بحاجة إلى جهود كبيرة، واستيراد البحوث الخاصة بها، لكن ما يحتاجه العراق بالتحديد هو التحول بشكل جدي نحو هذا المسار، وتكرار تجارب الدول الأخرى بقرار رسمي، وتحرك حكومي جاد“.
وأضاف أن ”الأجواء العراقية مهيئة لتلك المشروعات، لكن المأزق يكمن في الإرادة السياسية، وشيوع الفوضى والفساد، والإتاوات التي تفرض على المستثمرين“، حسب تعبيره.
ولفت إلى أن ”الحكومة يمكنها إطلاق مشروع كبير بالتعاون مع مؤسسات الدولة الأخرى، مثل الأمنية والتخطيط وغيرها، مع الإصرار على مواجهة أي عقبات قد تعترضه، وحينها يمكن تحقيق نتائج إيجابية وتطبيقها في مدن البلاد“.