عاد مشهد الطوابير الطويلة أمام المخابز السودانية ليسيطر على الشوارع، حيث بدأت السوق السوداء تنشط بقوة، بعد تقسيم المخابز ما بين تلك التي تبيع الخبز المدعوم وأخرى توفر الخبز التجاري. أسر بكاملها تقف في صف الخبز أمام أفران الخرطوم، حيث حددت المخابز التي تدعمها الحكومة مبلغ 200 جنيه لكل فرد لشراء الأرغفة بحجة عدم توافر الدقيق.
ونتيجة لتحجيم كميات الخبز، اتخذ بعض التجار والمواطنين هذه الطريقة سبيلاً للحصول على كميات أكبر من حاجة أسرهم لبيعها في السوق السوداء.
يقول أحد عمال مخابز الخرطوم بعد أن وجهت له اتهامات بالوقوف وراء انتشار السوق السوداء: “كيف لنا أن نعلم عدد أفراد الأسر، وكيف يمكن أن نفرق ما بين من يشتري لأسرته الخبز، ومن يريد بيعه في السوق الموازية؟”. ويشرح مواطن أنه رغم رداءة الخبز المدعوم، إلا أنه غير متوافر في المخابز، حيث تباع القطعة منه بـ5 جنيهات في مقابل 20 جنيهاً في السوق السوداء.
و اتجهت غالبية الأسر إلى الخبز التجاري المخصص أساسا للمطاعم، ويباع الرغيف منه بسعر 25 جنيهاً، حيث بدأت تتشكل الطوابير أمام المخابز التجارية.
ومع إشكاليات الخبز المدعوم والتجاري وبروز السوق السوداء للخبز، حذر تجمع أصحاب المخابز بولاية الخرطوم من ندرة حقيقية في دقيق الخبز، وتراجع الحصص المُقررة للأفران نتيجة أسباب كثيرة، من بينها إغلاق طرقات شرق السودان من قبل المجلس الأعلى لنظارات البجا.
ويقول صاحب مخبز إنه يوجد مشكلة كبرى في الغاز والمياه، إضافة إلى تقنين التغذية بالكهرباء، مما انعكس سلباً على عرقلة عمل المخابز وإغلاق عدد كبير منها. ويؤكد الضو فاروق صاحب مخبز في الخرطوم، على استمرار تراجع إنتاج المخابز اليومي بسبب ارتفاع أسعار الخميرة وشح غاز المخابز، لافتاً إلى أن المستهلك أصبح يفضل الخبز التجاري على المدعوم، رغم غلاء السعر.
ويشير إلى رداءة دقيق الخبز المدعوم، وسرعة تعرضه للتلف. ويتوقع الناطق الرسمي لتجمع أصحاب المخابز بولاية الخرطوم أن تتوقف جميع المخابز العاملة عن العمل، نظراً إلى التهاون الحكومي في عدم إيجاد حلول موضوعية للأزمة، خاصة أن الدقيق المدعوم رديء النوعية.
ويشرح أن الحكومة تبيع جوال الدقيق بـ800 جنيه، بينما يتحصل أصحاب المخابز التجارية على جوال الدقيق بـ20 ألف جنيه. ويضيف أن دعم الحكومة للدقيق تسبب للمخابز بخسائر كبيرة، خاصة أنها تدعم 17 في المائة فقط من جملة التكلفة الكلية التي تتطلب الغاز والزيت والملح والخميرة، مؤكدا أن هناك مخابز رفضت استلام حصصها من الدقيق المدعوم، مطالبا بوضع تسعيرة جديدة لضمان استمرارية عمل المخابز. ويقول خبير الاقتصاد أحمد آدم إنه “تنهزم سياسات الدولة بسبب عدم المتابعة.
ليس جديدا ولا مفاجئا أن تواجه المخابز معوقات تحد من قدرتها على توفير الخبز للمواطن، وكان لا بد من إجراءات استباقية تمنع وقوع الأزمة”. وعانت صناعة الخبز منذ مطلع العام الماضي من صعوبات جمة بعد إقرار موازنة رفعت الدعم عن الدقيق، حيث تضاعف سعر قطعة الخبز بنسبة 100 في المائة، كما أدى ارتفاع معدلات التضخم لانفلات الأسعار بشكل عام، فزادت كلفة مدخلات إنتاج الخبز من الخميرة والمحسنات لما يقارب 300 في المائة عن سعرها السابق.