خبر

أزمة طاقة تضرب الصين وتضع الاقتصاد العالمي في ركن الزاوية

تستعد المصانع الصينية وعملائها في جميع أنحاء العالم، لاضطرابات إمدادات الطاقة التي ستصبح جزءا تقليديا من الحياة، في ظل السعي الحثيث للرئيس شي جين بينغ، على دفع ثاني أكبر اقتصاد في العالم للتخلي عن الفحم.
بعد شهور من نقص في إمدادات الطاقة أدى إلى قطع الكهرباء عن المنازل في شمال شرقي الصين وحتى عن المصانع في جميع أنحاء البلاد، لا يزال الطلب على الطاقة يرتفع وسط مستوى قياسي من الطلب على الصادرات الصينية، لكن المشاكل بصدد أن تتفاقم مع الانخفاض المحتمل لدرجات الحرارة في الشتاء.

ويأتي ذلك في الوقت الذي يحاول فيه العالم، بقيادة الصين والاقتصادات الرئيسية، الاستعداد لنهاية الوباء مع تزايد مستويات المطعمين، أو على الأقل التخلص من القيود الوبائية التي لطالما حجمت التوسع الاقتصادي وتسببت في اضطرابات واسعة.

رغم موجة تدخلات الحكومة، بقيادة رئيس الوزراء لي كه تشيانغ، لا تزال الرؤية الرئيسية للمصنعين الصينيين والشركات متعددة الجنسيات على حد سواء، هي تعزيز كفاءة الطاقة في مصانعهم وتسريع الاستثمار في الطاقة المتجددة، بحسب تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز”.

المصانع تتأهب لأزمة الشتاء
يعتبر “ترويانالوج ستريكتلي أو إي إم”، وهو مصنع لإنتاج مكبرات الصوت قرب قوانغتشو، رمزا للأزمة التي أصابت المصدرين بالفعل من جراء الانقطاعات المتكررة للطاقة في الصين، إذ يقول مالكه فيليب ريتشاردسون إن شركته عالقة في “محاولة اللحاق بالركب”.

ويضيف: “إنه تأثير الدومينو عندما تقطع الكهرباء، إنه يؤثر بشكل مباشر على روابط خط الإنتاج، وعلينا إعادة ضبط العمل، إذ يزيل ذلك بين 20% إلى 30% من الإنتاجية اليومية، إنها حقا متاعب”.

فيما قال ويل جونز، كبير مسؤولي التشغيل في جمعية تعزيز التجارة البريطانية، إن ثلث الأعضاء في قطاع الأعمال اليدوية والبستنة أفادوا بأن الموردين قد مددوا مُهل التسيلم، مضيفا أن التأثير الضار هو مزيد من الضغط التضخمي ونطاق أوسع لنقص المنتجات.

وأردف جونز: “هذا له تأثير على الوضع الصعب للغاية بالفعل الذي يعيشه الموردون في ظل العقبات للحصول على مساحة على سفن الحاويات والتكاليف المتزايدة”.

أسباب الأزمة باقية
اتبعت الحكومة الصينية نهجا عمليا قصير المدى لمعالجة النقص في إمدادات الطاقة من خلال العودة إلى استخدام أنواع الوقود الأكثر تلوثا، رغم ودها طويلة الأجل بالتخلي عن الفحم.

خلال الأسبوع الماضي، أمرت الحكومة بتوسيع سريع لمناجم الفحم، وأصدرت مرسوما بإصلاحات شاملة للسوق، وأجبرت جميع محطات الطاقة التي تعمل بالفحم على البيع في سوق الجملة.

سمح ذلك لأسعار الكهرباء بالارتفاع بنسبة تصل إلى 20%، ورفع سقف الأسعار لبعض كبار المستهلكين. قال ديفيد فيشمان، محلل الطاقة في مجموعة “لانتاو”، إن إصلاح السوق هو “خطوة كبيرة” نحو تحرير قطاع الطاقة. ومع ذلك، فمن غير المتوقع أن تؤدي إجراءات الحكومة إلى إنهاء انقطاع التيار الكهربائي على الفور.

وقال توماس لويدي، خبير الطاقة في شركة “باين” الاستشارية الصينية: “لقد فوجئت حقا الكثير من الشركات بكثافة، من النقص، لكن كان عليهم أن يدركوا أنه قد يكون الأمر كذلك مرة أخرى قرب نهاية العام”.

وأضاف لويدي أن الزيادات في أسعار الطاقة ستجبر بسرعة بعض الشركات المصنعة على خفض الإنتاج، مما يوفر قدرا من الراحة لشبكة الطاقة المتوترة.

واستطرد: “قد يسقط المنتجون غير الأكفاء إلى الهاوية”، مشيرا إلى صانعي المواد الصهر، مثل المنغنيز الحديدي والسيليكون المعدني باعتبارهم الضحايا الأوائل المحتملون.

الاضطرابات حادة بالفعل
في قوانغدونغ، أكبر مركز تصنيع في الصين، قال مسؤولون كبار إن ما يقرب من 150 ألف شركة تضررت من نقص الطاقة في الشهر الماضي، حسبما نقل أشخاص مطلعون على الإحاطة الحكومية لصحيفة “فايننشال تايمز”.

وفي إشارة تؤكد أن المشاكل لا يمكن حلها على الفور، حذر مسؤولو قوانغدونغ بشكل خاص من أن تخصيص الحصص قد يستمر على الأرجح، وشجعوا الشركات على استخدام مصادر توليد الكهرباء الخاصة بها، وهو ما يعني زيادة استخدام الديزل لتوليد الطاقة.

اضطراب سلاسل التوريد العالمية
نظرا لمكانة الصين في سلاسل التوريد العالمية وقدرتها التصديرية الهائلة، فإن هذه الأزمة تنذر بتأثير أشبه بتأثير “التموج” على مناطق أخرى، حيث ستختنق خطوط التوريد وتنقص السلع ويرتفع أسعارها في أماكن عدة حول العالم وليس فقط في الصين.

وقود الديزل المطلوب لتشغيل المولدات الخاصة، ارتفعت تكلفتها بالفعل 5 أضعاف، كما أن الاعتماد على مثل هذه الوسائل في توليد الكهرباء – وبعضها غير قانوني – يضيع الكثير من وقت الإنتاج.

في النهاية سينعكس ذلك على أسعار المنتجات الموجهة للتصدير، ومع تأخر تسليم الطلبيات للمستثمرين في الدول الأخرى، قد يعني ذلك تأثيرا أكبر يقود الأسعار للارتفاع، خاصة في ظل اللجوء إلى الشحن الجوي كبديل عن الشحن البحري المضطرب حاليا.

قال ناثان ستونر، الذي يقود أعمال شركة “كومينز” في الصين، وهي مجموعة أمريكية للتعدين والطاقة: “في حين أن هناك بعض الفرص، فإن عمليات الشركة كانت مقيدة بسبب انقطاع التيار الكهربائي الذي أصاب مصانعها وتلك الخاصة بموردي مكوناتها”.

في بريطانيا، قال ستيف ليفي، العضو المنتدب لمتاجر التجزئة البريطانية “هيت آوتدورز”، إن جميع مورديه الصينيين للسخانات الخارجية ومجففات الأيدي، باستثناء واحد منهم، تعرضوا لإغلاق جزئي لمدة أسبوع.

وقفزت المهلة الزمنية (لتسليم الطلبيات) من أحد الموردين الصينيين إلى ستة أشهر، بزيادة من أربعة أشهر خلال معظم فترة الوباء ومن 10 أسابيع قبله. وعلق ليفي: “لا يمكنني اتخاذ قرار لشهر أبريل، لأنه ليس لدينا فكرة عما سيكون عليه السوق في ذلك الوقت”.