خبر

العراق : الإهمال وأزمة المياه يبيدان الزراعة

على نحو متسارع، يصاب القطاع الزراعي بالعراق بالشلل، نتيجة تراكمات عديدة من إهمال حكومي وتعطيل صرف المستحقات المالية للفلاحين، وسياسات إغراق السوق من المحاصيل المستوردة من دول الجوار بشكل غير مدروس، فضلا عن أزمة شح المياه الآخذة بالاتساع بعد مشاريع إيرانية وتركية على نهري دجلة والفرات.

وتسبب كل ذلك في ترك الكثير من الفلاحين المهنة والاتجاه نحو البحث عن أعمال أخرى يعيشون منها، وسط تحذيرات من انعكاسات كبيرة على اقتصاد البلد الذي يعاني أساسا تراجعا كبيرا.

ونتيجة لذلك، أقدمت وزارة الزراعة العراقية أخيرا، على تقليص مساحات الزراعة للموسم الحالي بنسبة 50 بالمائة عنه في الأعوام السابقة، كما منعت عددا من المحافظات من الزراعة أصلا، الأمر الذي ينذر بمخاطر قد تنهي القطاع بشكل شبه كامل، وفقا لمسؤول في وزارة الزراعة.

وأكد أن “جميع المحافظات حصلت فيها هجرة للزراعة، وبنسب متفاوتة، لا سيما المحافظات القريبة من إيران”، مبينا أن “وضع الزراعة مرتبك جدا، وأن الفلاحين اليوم لا يثقون بحلول الحكومة لأزمة المياه مع دول الجوار، أو توفير الدعم للقطاع وصرف مستحقات الفلاحين”.

وأشار المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، إلى أن “هناك تراكمات كثيرة ومنذ الحكومات السابقة تدفع باتجاه تدهور القطاع وصعوبة النهوض به”.

وزير الزراعة محمد كريم الخفاجي، اعترف من جهته، بصعوبة النهوض بالقطاع، مبينا في تصريح متلفز لقناة الإخبارية العراقية الرسمية، أخيرا، أن “هناك تحديات كبيرة تواجه القطاع في البلاد، وأن عدم صرف المستحقات للفلاحين الذين صدّروا محاصيلهم إلى وزارة التجارة، وشح المياه، يهدد بشكل خطير القطاع الزراعي، وقد أثر بالفعل على الإنتاج الزراعي، وتسبب بنقص كبير في محاصيل أساسية”. وأشار إلى أن “60 بالمائة من مزارعي محافظة نينوى قد هجروا الزراعة”، محملاً وزارتي المالية والتجارة، مسؤولية عدم دفع مستحقات الفلاحين.
اعتراف الوزارة لا يعفيها من المسؤولية، وفق ما يراه النائب في البرلمان السابق، صادق مدلول، الذي قال إن “هناك غيابا تاما للاستراتيجيات والرؤى في القطاع الزراعي، وقد تم تهديم القطاع وتحجيمه بشكل خطير”، مؤكدا أن “العراق بلد الخيرات، وأنه في سنوات الحصار الاقتصادي على البلاد (بعد العام 1990) وُضِعت في حينها خطط زراعية حققت اكتفاء ذاتيا للبلاد، وكان العراق من أكبر المصدرين للتمور والأرز وغير ذلك”.

وشدد على أن “هدم القطاع الزراعي متعمد، تقف خلفه أحزاب ودول تريد فتح الباب للاستيراد من دول الجوار، لتحقيق مكاسب مالية كبيرة، ولا شك أن تلك الدول والأحزاب والشخصيات هي التي أوصلت البلد إلى هذا الحد من العجز بالقطاع”. وأضاف: “إذا لم يتم تغيير السياسات الفاشلة فنحن مقبلون على وضع اقتصادي صعب. لقد أجهضوا كل مشاريع الفلاحين لأجل تحقيق المكاسب الخاصة”.
عضو الجمعيات الفلاحية، في محافظة ديالى، علي المجمعي، أكد أن “القطاع الزراعي في ديالى وفي العراق بشكل عام يتجه إلى الانهيار، وسيكون الموسم الحالي أخطر المواسم، وقد لا تكون بعده أي زراعة في البلد”، مبينا أن “الفلاحين لا يستطيعون أن يزرعوا أراضيهم في ظل الإهمال وعدم معرفة الحصص المائية، وعدم صرف مستحقاتهم”.
وديالي من أهم المحافظات الزراعية، التي منعت من الزراعة، حسب خطة وزارة الزراعة للموسم الحالي.

وأشار المجمعي إلى أن “كلفة الزراعة كبيرة جدا، من أسعار الحبوب والمبيدات والمنشطات، ومضخات المياه، وإصلاح التربة وغيرها، وكل ذلك لا يوجد فيه دعم حكومي، فضلا عن أزمة المياه”، مؤكدا: “هناك أيد خفية تريد إنهاء القطاع الزراعي في البلد، وهذا واضح من خلال إغراق السوق بالمحاصيل الإيرانية والتركية وبشكل كبير جدا، مقابل إهمال الزراعة المحلية”.
أما الخبير في الشأن الزراعي، عادل المختار، فقد دعا إلى تغيير السياسات بالنسبة لقطاع الزراعة. وقال: “العراق اليوم خامس دولة بالعالم في نسبة التضرر بأزمة المياه. تجب إعادة النظر بالسياسات الزراعية في ظل شح المياه، وقد تراجعت الحسابات والخطط لاستخدامات المياه في الزراعة”. وأضاف: “لم نلمس أي خطوات وتحرك بهذا الاتجاه من قبل وزارة الزراعة والجهات المسؤولة، إذ ما زالت الخطط تتجه باتجاه السياسة المائية القديمة”، مشددا: “إذا استمرت هذه الحالة فإن الزراعة ستهجر في البلد بشكل تام، لا سيما وأنه بدأ بالفعل الكثير من المزارعين يهجرون أراضيهم وينتقلون من الريف إلى المدينة”. وتابع: “يجب أن تدخل الزراعات الحديثة، ويتم الاهتمام بالزراعة المغطاة وتطويرها، خصوصا وأن هناك إمكانيات للتصدير، وتقليل التأثيرات الاقتصادية، وتعويض الخسائر، وتوفير فرص عمل للفلاحين لأجل إعادتهم إلى أراضيهم، ونزيد الغطاء النباتي”.

وكان العراق قد توصل أخيرا إلى حلول لأزمة المياه مع تركيا، من خلال إبرام مذكرة تفاهم مشتركة بين الجانبين، صادق عليها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نصت على التزام تركيا بإطلاق مياه عادلة ومنصفة للعراق في نهري دجلة والفرات. فيما لوحت الحكومة في يوليو/ تموز الماضي، باللجوء إلى المؤسسات الدولية للحصول على المياه من إيران.