خبر

شبح الإفلاس يطل برأسه على تونس

أثارت المؤشرات الاقتصادية الصعبة في تونس ولا سيما الارتفاع غير المسبوق لنسبة التضخم، و بطء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي مخاوف من انزلاق الوضع إلى حافة الإفلاس، رغم تطمينات الحكومة.

وحذّر الخبير الاقتصادي التونسي رضا شكندالي في تصريحات أدلى بها لإذاعة ”إكسبرس أف أم“ المحلية، من تداعيات تفاقم التضخم الذي ارتفع على المستوى السنوي إلى 7.2 % في شهر مارس/ آذار الماضي، مشيرا إلى أن التضخّم في تصاعد مستمرّ دون توقّف منذ شهر أغسطس / آب الماضي.

ونبّه شكندالي إلى انزلاق أسعار المواد الأساسية وقال نحن ”نعيش بداية انفلات الأسعار، والخوف من الوقوع في المحظور، والمحظور هو شبح الإفلاس“، بحسب تعبيره.

وتاتي تلك التصريحات، في ظل هبوط الدينار التونسي يوم الجمعة إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار الأمريكي في ثلاث سنوات، متجازوا ثلاثة دنانير للدولار الواحد.

وكشفت الأرقام عن تداول الدولار مقابل 3.003 دينار.

وتؤكد الحكومة التونسية أنّها اتخذت حزمة من الإجراءات لإنعاش الاقتصاد وأنّ المفاوضات مع صندوق النقد الدولي تسير في الاتجاه الصحيح وبالتالي فإنه من السابق لأوانه الحديث عن سيناريو الإفلاس.
وقالت وزيرة المالية التونسية سهام نمصية إنّ المحادثات مع صندوق النقد الدولي تحقق تقدما إيجابيا، موضحة أنّه ”لإبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي هناك مراحل تحصل في كل البرامج المتعلقة بالاتفاقات مع الصندوق، هناك مرحلة المحادثات الفنية التي تتطلب شيئا من الوقت لبحث النقاط المدرجة في وثيقة الإصلاح المقدمة، ولما يتم استكمال المحادثات الفنية يتم الإعلان عن المفاوضات الرسمية“.

ونفت الوزيرة ما قيل عن أنّ المحادثات الفنية لا تسير في الاتجاه الصحيح بدليل بيان صندوق النقد الدولي الذي تحدث عن بوادر إيجابية جدا ومحادثات قيمة، ونأمل أن نواصل في نفس النمط“، بحسب قولها.

وأعلن وزير الاقتصاد التونسي سمير سعيد الأسبوع الماضي، عن 50 إجراء لإنعاش الاقتصاد التونسي، مشيرا إلى أن الإجراءات تنقسم إلى أربعة محاور وهي ”دعم السيولة وتيسير نفاذ المؤسسات إلى التمويل“، ”إعادة تنشيط الاستثمار“، ”تسهيل الإطار القانوني والترتيبي لمناخ الأعمال“، و“تبسيط الإجراءات لدفع التصدير“.

لكن الخبير الاقتصادي التونسي معز الجودي اعتبر أن هذه التطمينات التي تطلقها الحكومة لا تعكس حقيقة الوضع الاقتصادي الصعب في تونس.

و قال الجودي، إن ”لبنان فقد في فترة ما ثقة المانحين الدوليين وهذا ما يحدث أيضا مع تونس الآن، ليس هناك ثقة لدى صندوق النقد الدولي في تونس، كما أنّ في تونس سوق صرف رسمية وسوق صرف موازية وهذه أوضاع ستوصل البلاد إلى الإفلاس“.

وأضاف الجودي ”عندما تعجز الدولة عن سداد ديونها في موعدها فوقتها يصبح الحديث عن الإفلاس واردا وهذا ما قد تذهب إليه تونس التي قد تطلب إعادة جدولة ديونها“ بحسب تعبيره.

وفي المقابل رفض الخبير الاقتصادي عزالدين سعيدان تشبيه حالة تونس بالوضع في لبنان، لكنه أقر بأن الوضع الاقتصادي بالبلاد خطير، وفق قوله.

وأكد سعيدان أن ”هناك أوجه مقارنة فعلا، لكن أعتقد أن هناك فرصة لإنقاذ الوضع إذا أردنا ذلك“.

وعن فاعلية الإجراءات التي اتخذتها الحكومة قال سعيدان: ”بالنسبة لتونس تُثار تساؤلات كيف تم اتخاذ 50 إجراء دون أي تشخيص للأوضاع المالية والاقتصادية؟ ومن اتفق على التشخيص؟ فقد كان من الضروري التشخيص، لكن يبدو أننا في تونس نتحاشى القيام بذلك رغم أن صندوق النقد الدولي من مطالبه مصارحة الشعب التونسي بحقيقة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية“.

و علّق الجودي بأن ”الوضع لا يُحل بـ 50 إجراء، والمطلوب برنامج إنقاذ، وعلى المسؤولين الحاليين من رئيس وحكومة ووزراء مصارحة الناس وإعلان برنامج إنقاذ سيمتد تنفيذه على ثلاث أو أربع سنوات“.

و أضاف“ لدينا مشاكل هيكلية كبيرة جدا، هناك مناخ لا يشجع على الاستثمار، لدينا مشاكل على مستوى التوازنات المالية، وهناك خيارات يجب الذهاب فيها والعودة إلى طاولة المفاوضات لا سيما مع المؤسسات الدولية والشركاء الداخليين مثل اتحاد الشغل، ويجب الكف عن الاستهزاء بالمؤسسات الدولية“ بحسب تعبيره.

ورأى الباحث التونسي، محمد ذويب أن ”كل هذه الحزمة من الإجراءات الاقتصادية جيدة ولكن يجب أن تطبق على أرض الواقع وأن تكون مصحوبة بإجراءات قانونية وإدارية مواكبة للعصر ومن شأنها أن تسهل عمل المواطن“ وفق قوله.

ولفت ذويب إلى أن ”هناك ضرورة لاتخاذ جملة من الإجراءات الأخرى ذات الطابع الحمائي التي من شأنها أن تحد من التوريد وهو ما يكلف البلاد التونسية فائضا كبيرا من العملة الصعبة أدت إلى تضاعف الواردات مقابل الصادرات وهو ما أدى إلى عجز الميزان التجاري وتراجع مخزون البلاد من العملة الصعبة وبالتالي مزيد اللجوء للتداين والقروض بالتالي مزيدا من التبعية للخارج“ وفق قوله.

وفي ظل أزمة اقتصادية حادة، يهدد تراجع الدينار التونسي بتآكل احتياطات البلاد من النقد الأجنبي.

ومن المقرر أن يتوجه وفد تونسي إلى واشنطن هذا الشهر لإجراء محادثات مع صندوق النقد الدولي.

وتأمل تونس التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد مقابل تنفيذ إصلاحات لا تحظى بشعبية لتجنب انهيار ماليتها العامة.