كتبت عزة الحاج حسن مقالاً بعنوان "مفاجأة الموازنة وسرها الكالح: ضريبة إضافية على البنزين"، جاء فيه: "يتابع اللبنانيون المناقشات العلنية لموازنة العام 2019 في مجلس النواب، قبل التصويت عليها، من دون الالتفات إلى أكثر البنود خطورة على معيشة المواطن وقدرته الشرائية، ألا وهو بند الرسوم الجمركية، الذي تم تعليقه في لجنة المال والموازنة من دون إسقاطه. ولا تكمن الخطورة في فرض رسم جمركي على بعض المنتجات المستوردة، للمساهمة في خفض عجز الميزان التجاري، بل تكمن في ما يتم التداول به في كواليس مجلس النواب حول تحديد سلة السلع المفترض إخضاعها للرسم الجمركي.
وحسبما بات مؤكداً، فإن بورصة التفاوض بين أركان السلطة رست على فرض رسم جمركي بنسبة 3 في المئة على ثلثي أو 60 في المئة من المنتجات المستوردة، وهي الخاضعة للضريبة على القيمة المضافة (40 في المئة غير خاضعة للـTVA) وهنا بيت القصيد. فالبنزين يندرج تحت خانة السلع المستوردة الخاضعة للـTVA. فهل يعني ذلك أن البنزين سيخضع لرسم الـ3 في المئة؟ وهل يعي المسؤولون مدى خطورة إخضاع البنزين وكافة المحروقات في لبنان لرسوم إضافية؟
قصة رسم الـ3 في المئة
طُرحت نظرية فرض رسوم جمركية على المستوردات منذ أشهر، في سياق البحث عن إجراءات داعمة للصناعة اللبنانية، التي تتعرّض في كافة قطاعاتها لمنافسة غير متكافئة، من جهة، وبهدف خفض العجز في الميزان التجاري البالغ نحو 17 مليار دولار سنوياً، من جهة أخرى (الصادرات 3 مليار والواردات 20 مليار).. غير أن وجهة النقاش اليوم تحوّلت من الأهداف المذكورة أعلاه، باتجاه السعي إلى تحقيق إيرادات للموازنة، من دون الإلتفات إلى ما يمكن أن يقترفه طرح إخضاع البنزين لرسم الـ3 في المئة.
مرّت المفاوضات حول آلية فرض الرسم الجمركي ونسبته، والسلع المستهدفة، بمراحل عديدة. وقسمت إلى شقيّن. الشق الأول، تم التوافق عليه في مجلس الوزراء في وقت سابق، يقضي بفرض رسوم نوعية تتراوح بين 5 في المئة و25 في المئة، على سلع مستوردة محددة تعرّض مثيلاتها المنتجة محلياً للإغراق، وهي الأدوات الصحية، الرخام والغرانيت، المفروشات، البرادات والمجمدات، الكرتون، الورق، مواد التنظيف، الأحذية، النسيج والملبوسات والمصنوعات الجلدية، البرغل، الطحين، الحليب السائل، الألبان والأجبان البيضاء، العلكة والسكاكر، البسكويت والويفر، والكورن فلكس.
أما الشق الثاني فيرتبط باقتراح فرض رسم 3 في المئة (وخفّض فيما بعد إلى 2 في المئة) على جميع المستوردات، وتخصيص الإيرادات الناتجة عن الرسم لتحفيز القطاعات الإنتاجية ومنها الصناعة. إلا أن هذا الإقتراح جوبه بالرفض أيضاً من قبل التجار. وترافق مع ضغوط من بعض الوزراء فأسقطت.
ثم انتقل المفاوضون، من وزراء الصناعة والاقتصاد وجمعيتي الصناعيين والتجار، إلى اقتراح فرض رسم بنسبة 10 في المئة على المستوردات التي يُصنع لها مثيل في لبنان. وجاء هذا الاقتراح كبديل عن الإجراءين السابقين، أي بديلاً عن الرسوم النوعية ورسم الـ2 في المئة. لكن لم يتم التوافق عليه.
تسلل "عوني"!
انتقلت المفاوضات إلى طرح رسم يتراوح بين 3 و7 في المئة على السلع التي يُصنع لها مثيل في لبنانن وعددها نحو 1400 سلعة. وحسب معلومات "المدن"، فإن هذا الطرح لاقى موافقة الغالبية من الفرقاء السياسيين، وتم تحديد نسبة الرسم بـ3 في المئة، وحُصرت السلع بتلك الخاضعة للضريبة على القيمة المضافة بما فيها البنزين. غير أن شمول البنزين إجراء زيادة الرسوم لاقى رفضاً من قبل نواب حزب الله والتقدمي الاشتراكي، في مقابل إصرار نواب التيار الوطني الحر على فرض رسم الـ3 في المئة على كافة السلع المستوردة والخاضعة للـTVA، بما فيها المحروقات.
يعتقد فريق التيار الوطني الحر، وفق مصدر مطلع على الملف، "أن إخضاع البنزين لرسم الـ3 في المئة من شأنه أن يرفع إيرادات الخزينة لأكثر من 400 مليار ليرة، المتوقع تحصيلها من فرض الرسم على الـ1400 سلعة مستوردة من جهة. كما يمكن أن يجنّب الحكومة اللجوء إلى فرض رسم الـ5000 ليرة لاحقاً على البنزين، أخذاً باقتراح صندوق النقد الدولي".
غش الصناعيين والمواطن
يعمد البعض، ومنهم المفاوضون من قبل التيار الوطني الحر، إلى غش الصناعيين أولاً والمواطنين ثانياً، وإيهامهم بمحاولة تجنيبهم ما هو أسوأ من سيناريو فرض رسوم إضافية على البنزين. إلا أن هذا الخيار لا يجب أن يمر. فهو بالدرجة الأولى لا يشكّل أي دعم للصناعة المحلية. وبعيد كل البعد عن هدف فرض الرسوم على المستوردات، الذي يتلخّص بتقليص العجز التجاري، وتالياً عجز ميزان المدفوعات المتنامي، ويخفض الطلب على الدولارات لاستيراد المنتجات.
من جهة أخرى، يشكل طرح رسم الـ3 في المئة على المستوردات الخاضعة للضريبة على القيمة المضافة (1400 سلعة) من دون تخصيص إيراداتها لدعم القطاعات الإنتاجية، ضرباً للصناعيين، على نحو يتحوّل فرض الرسم من داعم للصناعة إلى مورد للخزينة العامة فقط.
أما وأن يشمل فرض رسم الـ3 في المئة المحروقات (من بينها البنزين)، فإن ذلك من شأنه رفع سعر البنزين بشكل دائم بنسبة 3 في المئة عن قيمته المعتادة، تضاف إلى نسبة 11 في المئة الضريبة على القيمة المضافة. والأخطر من ذلك، هو انعكاس سعر البنزين ارتفاعاً على كافة السلع الاستهلاكية، بما فيها المحلية. وهو ما يُضعف أكثر فأكثر من قدرة المواطن الشرائية.
أضف إلى ذلك، أن زيادة الرسوم على المستوردات، الذي يهدف إلى خفض الطلب عليها، لا ينطبق على البنزين. إذ مهما بلغت الزيادة على سعر الصفيحة، فالطلب عليه سيبقى كما هو في ظل غياب خطط النقل العامة.
باختصار، يبدو أن الحكومة ومن بعدها لجنة المال والموازنة، استغلت مطالب القطاع الصناعي وحاجته لإجراءات حمائية، لتفرض رسوماً تؤمن للخزينة إيرادات سريعة لا تقل عن 400 مليار ليرة (أدرجت في مشروع الموازنة قبل الاتفاق النهائي عليها)، من دون مراعاة أي تداعيات سلبية على القدرة المعيشية للمواطن".