خبر

قرارات تأمينية 'جريئة' تدعم تصنيف لبنان

التقرير الصادر عن وكالة التصنيف العالمية يتواءم والجهود التي تبذلها لجنة مراقبة هيئات الضمان برئاسة رئيسة لجنة مراقبة هيئات الضمان بالانابة نادين الحبال عسلي، في مسار يعاكس القصور النسبي في نهج محاربة الفساد والإصلاح الاقتصادي، بدليل تسارع الإجراءات العملية التي اتخذتها أخيرا وكان أبرزها:
- تعليق ترخيص شركة "ليبرتي" بعدما فقدت الحد الأدنى من مقومات الملاءة، وعجزت عن اتخاذ أي خطوات تصحيحية ضمن المهل المتكررة التي تم منحها لها.
- التعاون مع شركة "هانوفر ري" (Hannover Re) العالمية لوقف الدعم الممنوح للمنتجات التأمينية التي يتم تسويقها من قبل شركات التأمين عبر قنوات موازية لا تخضع لرقابة اللجنة، وتتسبب بتهرب ضريبي يكلف الخزينة العامة عشرات الملايين من الدولارات.
- توجيه إنذارات إلى عدد من الشركات المتعثرة ومنحها مهلاً نهائية لتصويب أوضاعها، مع إبلاغها اعتزام تعليق التراخيص الممنوحة لها.
- تشديد الشروط الرقابية لدى منح الموافقات على بعض عمليات الدمج والاستحواذ لا سيما بالنسبة للمواضيع المرتبطة بالحوكمة الرشيدة وتضارب المصالح في اتخاذ القرارات.
 
ومعلوم ان حجم قطاع التأمين في لبنان يبلغ وفق آخر إحصاءات اللجنة، نحو 1.7 مليار دولار في 2019، فيما حقق أرباحاً توازي 175 مليون دولار. وتوزعت الأقساط ما بين تأمينات الحياة (32%) وتأمينات الطبابة (31%) وتأمينات السيارات (21%) والتأمينات العامة الأخرى (16%). علما أن القطاع سدّد مطالبات تأمينية طبية بنحو 364 مليون دولار و210 مليونا من المنافع المرتبطة بتأمينات السيارات. وبلغ إجمالي الأصول نحو 5 مليار دولار، توزعت استثماراتها ما بين المنتجات المصرفية (54%) والسندات (31%). ويشكل القطاع التأميني في البلدان المتطورة أبرزَ المستثمرين في الأدوات المالية ذات الدخل الثابت (Fixed Income)، وسيساهم في دعم الاستثمارات في لبنان مع تحقيق رؤية اللجنة.
 
ويبدو أن لجنة مراقبة هيئات الضمان ماضية في إجراءات إضافية لم يُعلن عنها بعد، تعكس الالتزام الفني المتزايد بالمعايير الدولية، وتفعيل الرقابة المبنية على المخاطر (Risk-based supervision). وأكدت اللجنة أن هذه التوجهات بدأت من أواخر 2015 بعدما عمدت إلى دراسة وتحليل التقرير الأولي الخاص ببرنامج التقييم للقطاع المالي (Financial Sector Assessment Program) والمعروف بمصطلح FSAP، وذلك تحضيراً لإعادة التقييم التي تمت خلال العام 2016. ولا شك في أن الإجراءات الأخيرة ساهمت بشكل إيجابي في دعم تصنيف لبنان من هذا المنظار، إضافة إلى تأكيد التزامه مكافحة عمليات تمويل الإرهاب وتبييض الأموال المرتبطة بالفساد والتهرب الضريبي والاتجار بالمخدرات، فضلا عن الجرائم الإلكترونية في كافة مكونات صناعة الخدمات المالية.
 
وكان صندوق النقد الدولي وبالتعاون مع البنك الدولي، أطلق برنامج FSAP غداة الأزمة المالية العالمية التي كشفت الترابط العضوي ما بين صحة القطاعات المالية وانتظامها من جهة، وسلامة الاقتصادات الوطنية من جهة أخرى. ولهذا البرنامج هدفين: تقييم مدى ثبات القطاعات المالية في وجه الأزمات التي من الممكن أن تطرأ عليها، وتقييم مساهمة هذه القطاعات في نهضة الاقتصاد المحلي.
 
ويشمل البرنامج القطاعات المالية كافة، منها المصارف والتأمين والاستثمار والأسواق المالية، كلٌ وفق المكانة التي يحتلها في المعادلات المالية والاقتصادية، إذ من الممكن أن يستثني التقييم أحد القطاعات في حال عدم وجوده أو إذا لم يكن له تأثير جوهري على سير الاقتصاد. وقد خضع لبنان لهذا البرنامج، حيث صدر التقرير الأولي في 2013 وغيّب قطاع التأمين بالكامل عن مضمونه، وتركز على القطاع المصرفي وأشار إلى الخلل في توازن المنظومة المالية بسبب الهيمنة شبه التامة للمصارف. وفي النسخة الأخيرة من التقييم التي صدر تقريرها خلال كانون الثاني/يناير 2017، نجحت لجنة مراقبة هيئات الضمان في إعادة بعض التوازن إلى التقرير ومضمونه وخلاصاته، حيث أكدت أهمية الدور الذي يلعبه هذا القطاع في الوقت الراهن، والإمكانات والمجالات التي سيتم تفعيلها في المرحلة المقبلة، إضافة إلى توسع وتعمق الأعمال الرقابية على غير صعيد.
 
وفي السياق، عرضت اللجنة رؤيتها لمستقبل القطاع الذي قد يطوّر نفسه وفق خطة استراتيجية مدروسة ليصبح منصة تأمينية لخدمة الأسواق التأمينية في منطقة المشرق العربي، حيث تشير تقديراتها إلى أن حجم أسواق التأمين يمكن أن يصل إلى 40 مليار دولار. أما في لبنان، فيمكن للقطاع أن يساهم بنحو 6% من الناتج المحلي مقارنة بـ3% فقط حاليا، وذلك عبر توسيع إطار التأمين الطبي ليشمل كافة فئات المجتمع، إضافة إلى برامج التقاعد للعاملين في القطاع الخاص. وتعتبر اللجنة أن هذه الرؤية تجعل من القطاع التأميني رديفاً للمصارف مما يساهم بشكل جوهري في رفع تقييم القطاع المالي على الصعيد الوطني.
 
وكانت اللجنة عززت أخيرا الشفافية في التقارير المنشورة والتي أضحت في متناول الجمهور، وذلك من خلال صفحتها الإلكترونية فضلاً عن وسائل التواصل الاجتماعي. وجاءت هذه الجهود في إطار توسيع التطبيقات العملية لشرعة مبادئ التأمين (Insurance Core Principles) والتي تركز على أهمية التواصل مع الجمهور واطلاعه بشكل واسع على المعطيات المؤثرة على قرارات المعنيين، فضلاً عن المبادئ العامة للافصاحات التي يتوجب على المؤسسات المالية العمل ضمنها.
 
من ناحية أخرى، أظهرت اللجنة عمق التعاون الذي يربطها مع سائر الهيئات الرقابية في القطاع المالي لا سيما لجنة الرقابة على المصارف وهيئة الأسواق المالية، إضافة إلى مشاركتها البارزة في جهود هيئة التحقيق الخاصة. وأشارت تقارير هيئات التحقيق الخاصة الأميركية والأوروبية في مطلع القرن الحالي إلى أهمية قطاع التأمين، وخصوصا أنه يقوم بتسديد منافع تأمينية قد تصل إلى ملايين الدولارات مقابل أقساط غالباً ما تكون زهيدة نسبياً. وهذا ما يفسح في المجال أمام عمليات افتعال مطالبات وهمية، أو إنشاء عقود تأمين أو معاهدات إعادة تأمين دون أن يكون أطرافها شركات فعلية.
 
ومعلوم أن تعاون اللجنة مع نظيراتها في الأقطار العربية والعالمية بات واقعاً يومياً، تقوم فيه الهيئات الرقابية بتبادل المعلومات المفيدة حول شركات التأمين وإعادة التأمين والوسطاء العاديين ووسطاء إعادة التأمين وأعضاء مجالس الإدارة والمديرين التنفيذيين وسائر المعلومات المالية والفنية بما يساهم في رفع نوعية العمل الرقابي، وتعميق المفاهيم حول طبيعة ونوع الأعمال التي تخضع للرقابة، أي الأعمال التأمينية والخدمات المساندة لها. وقد نتج عن هذا التعاون عدد من القرارات الرقابية النافذة على صعيد دعم الحوكمة الرشيدة والتشديد على تطبيق شرعة المبادئ العامة التأمينية والتي تعتمدها الجمعية الدولية لمراقبي التأمين وتحدِّثها بشكل مستدام.