التسعيني الأنيق و"الجنتلمان"، وضع مع هذا المقهى الذي أنشأه في خمسينيات القرن الماضي أسس "وطن بمنازل وأحلام كثيرة" بحسب تعبير الشاعر والصحافي عقل العويط، وجمع حول طاولاته روادا من الرؤساء والسياسيين والأكاديميين والطلاب الذين كتبوا فيه صفحات من تاريخ بيروت، ستطوى معه بعجز عن إنقاذ معلم آخر من تراث العاصمة اللبنانية.
يأبى مارون ان يرد سبب الإقفال الى الأحوال الاقتصادية الصعبة في البلاد ويقول في حديث الى "الأنباء": "العمل في قطاع الفندقية والمطاعم يحتاج الى التجدد أقله كل 10 سنوات مرة، من هنا ضرورة إعادة التفكير في النهج والديكور".
هذا رجل عايش حقبات تاريخية بيروتية عدة.
استضاف في مطعمه رؤساء جمهورية ورؤساء حكومة وسياسيين وصحافيين وفنانين وأكاديميين. نسج صداقات عديدة معهم.
في مطعمه الذي طبع كورنيش المزرعة بوجوده وأصبح بوصلة له، كانت تعقد اجتماعات وتتخذ قرارات وتجرى مقابلات صحافية.
هنا ايضا كان طلاب الجامعة اللبنانية (كلية التربية قبل الحرب وكلية الآداب وغيرهما من الكليات القريبة جغرافيا) يناضلون من أجل حقوقهم، وكذلك أساتذة الجامعة اللبنانية.
هنا، حول طاولات هذا المقهى، كانت تناقش الأفكار وتعلو حمى النقاش وكذلك الأصوات.
نقابيون وطلاب وأساتذة من أجيال مختلفة يعرفون جيدا هذا المكان. وكان ايضا ملتقى الصحافيين. يتجنب مارون تعداد زبائنه لئلا ينسى أحدا.
لكن رواد المطعم يتذكرون جيدا ابرز زبائن هذا المكان الدافئ: الرؤساء صائب سلام، شفيق الوزان، رشيد الصلح، تمام سلام، بهيج طبارة، سمير فرنجية، بول شاوول وغيرهم.. ويتذكرون ايضا كيف كان "الغوندول" ملتقى للصحافيين الذين كانوا يوزعون لقاءاتهم بين مقاهي الحمرا ومقهى الغوندول.. والرئيس السابق ميشال سليمان كان يقصد "لا غوندول" ايضا لتذوق بلح البحر (moules).
وتوضح زوجة صاحب المطعم وشريكته هدى مارون ان "المطعم سيغلق ابوابه ولكن مطابخنا مستمرة في خدمة الـcatering".
أولادنا عقدوا شراكة مع أفران "Moulin d’Or" التي ستحل مكان المطعم، لكن اسم "لا غوندول" مستمر من خلال خدمة الـ catering".
ونسألها عن أشهر أطباق "لا غوندول" فتبدأ بالتعداد: "صيادية، أوزة، مغربية، فريكة بدجاج او بلحمة، فخاد غنم محمرة.. ولا ننسى الحلويات (مع الإشارة الى ان المطعم كان باتيسري في بداياته) خصوصا عيش السرايا، البروفيتيرول والسوكسيه...".
يشعر نبيه مارون بنوع من الأسف على "الانحلال" (يقولها بالفرنسية) الذي نشهده على كل الأصعدة ويكرر اعتذاره وأسفه.
لكنه يؤكد ان "لبنان يجب ان يظل واقفا على رجليه. وهذه مسؤوليتنا كلبنانيين". ويؤكد ايضا انه لم يتعب.
مرت عليه وعلى مطعمه ظروف قاسية، تظاهرات وحروب شوارع وأحياء، مد وجزر وأزمات اقتصادية.
لكنه ظل يقاوم ليبقي هذا المكان الجميل طوال كل هذه السنين عنوانا للذواقة وملتقى للنخب.