خبر

السوق العقاري في أزمة غير مسبوقة... هل تنهار أسعار الشقق؟

يعيش القطاع العقاري في لبنان أسوأ ازماته. فالشقق مكدّسة، والقروض السكنيّة المدعومة مجمّدة، والمطوّرون العقاريون يكابرون في انتظار عودة أيام العزّ، والمصارف متمسّكة بفوائد عالية جدًا، والدولة بحكومتها ومجلسها النيابي غير مبالية. أمام هذا الواقع هل من حلّ في المدى المنظور ؟ وفي ظل الركود الذي طبع القطاع منذ سنوات وبلغ ذورته مع إيقاف القروض المدعومة في بداية 2018 ، يُطرح سؤال بديهي لماذا لم تنهار أسعار الشقق ؟

برأي نقيب الوسطاء والاستشاريين العقاريين في لبنان ورئيس الاتحاد العقاري الدولي وليد موسى في حديث لـ "لبنان 24" عدم انهيار أسعار الشقق عائد لثقافة مترسّخة في ذهنية اللبناني، مفادها أنّ اللبناني لا يفرّط بعقاره قبل أن يستنفذ كلّ البدائل الأخرى، وآخر ما قد يلجأ إليه هو بيع العقار بنصف سعره. وعن هذه الذهنية ينتج عدم إعتراف المطوّرين العقاريين بالأزمة ومدى استفحالها. فعلى سبيل المثال يشير موسىإلى أن المطوّر لا يعترف أنّ عقاره الذي كان يساوي مليون دولار قبل سنوات قليلة أصبح اليوم وبفعل الأزمة يساوي 600 ألف دولار. علمًا أنّ المطوّر يخسر امواله من جرّاء عدم بيع الشقق، ويخسر الفوائد التي كان سيجنيها من إيداع أمواله في المصارف فيما لو باع المعروض .

أسعار الشقق ارتفعت بين 2007 و 2012، وكان يقابله طلب ملحوظ . اليوم تضاءل الطلب نتيجة وقف القروض المدعومة، والتراجع في تحويلات المغتربين لا سيّما في الخليج وأفريقيا بسبب انخفاض اسعار النفط، ما أدّى إلى تراجع في توظيف أموالهم في السوق العقارية وفي إقبالهم على الشراء. وفي ظلّ هذا الواقع كم بلغت نسبة إنخفاض أسعار الشقق؟

يؤكّد موسى أنّ الأسعار انخفضت بنسبة 30 % بشكل عام . " في السابق كان المطوّر الذي يحتاج إلى سيولة نقدية يلجأ إلى تخفيض سعر الشقة، أمّا اليوم فتغير الوضع وعمد كلّ المطوّرين بشكل عام إلى تخفيض أسعارهم بنسبة 30 % . ولكن بالمقابل لم تحترق الأسعار، بمعنى أنّ المتر الذي كان سعره 1200 $ لم ينخفض إلى 500 $. كما أنّ الأسعار انخفضت في بيروت أكثر من الضواحي، وفي الضواحي انخفضت بنسبة أقل من المناطق النائية ".

الأزمة كبيرة، والمتضررون ليسوا فقط الشباب من ذوي الدخل المحدود والمتوسط العاجزين عن التملّك، أو المطوّرين العقاريين، بل عشرات القطاعات المرتبطة بعمليات البناء والبيع، وحتّى تلك المرافقة لحفلات الأعراس. وحلّ الأزمة لن يكون بتدبير مؤقّت مشابه للمعالجات التشريعية الناقصة التي حصلت، كإقرار المجلس النيابي 100 مليار للقروض السكنية. وفق موسى "الحل الآني يبدأ بخفض الفوائد على الودائع في المصارف وخفضها عند الإقتراض. ففي ظل الفوائد العالية التي تمنحها المصارف يفضّل أصحاب الرساميل إيداع أموالهم في المصارف بدل الإستثمار، لا سيّما وأنّ القطاع المصرفي أثبت متانته وهناك تطمينات بالإستقرار النقدي . فعلى سبيل المثال من يملك 100 ألف $ يستحصل على فائدة بحوالي 800 $ شهريًا، في هذه الحال يفضّل أن يستأجر شقة بـ 500 $ ويضع 300 $ في جيبه بدل إنفاق كامل المبلغ أو أكثر على شراء العقار".

أمّا الحل الأكثر نجاعة وفق مقاربة موسى فيمكن في إقرار قانون الإيجار التملّكي "نطالب مجلس النواب واللجان المختصة بتحمّل مسؤولياتها وإقرار قانون الإيجار التملّكي بأسرع وقت ممكن . أمّا خارج إطار القانون فيمكن لأيّ عقد بين طرفين أن يرعى العلاقة بجميع شروطها". وفي هذا السياق يكشف موسى أنّ بعض المطوّرين وبقصد بيع المعروض بدأ بتأجير شقق وفق الإيجار التملكي، والبعض الآخر ينتظر التشريع خوفًا من حصول فوضى .

نقابة الوسطاء والإستشاريين العقاريين في لبنان بادرت في مسعى منها لإيجاد حل للأزمة، وطلبت من رئاسة الجمهورية والحكومة إجراء حوار بين القطاعين العام والخاص "وبالفعل حصل الإجتماع بتاريخ 8 تموز في السراي الحكومي، وتمّ تأليف لجنتين: واحدة، للأمور الطارئة، وأخرى لتنظيم القطاع العقار، ونشكر رئاسة الحكومة التي تجاوبت مع مطلبنا، ولكن الأمور لم تُستكمل نتيجة الأزمات السياسية، ونتمنى أن تعاود اللجنتان عملهما لنجد حلّا لأزمة الإسكان".

في توصيفه لواقع القطاع لفت موسى إلى " أنّ القطاع على حاله من الجمود بظلّ مستقبل مجهول ولكن لا انهيار".

في شتّى الأحوال أزمة الإسكان ليست معزولة عن الأزمة الإقتصادية في البلد، والمشهد برمّته يحتاج إلى خطة طوارىء تتكامل فيها السلطتان التشريعية والتنفيذية مع القطاع الخاص لوضع خريطة طريق إسكانية تمنح الشباب حق السكن وتنقذ القطاع من الإنهيار.