خبر

أزمة الإسكان تابع.. لا تشتروا!

تحت عنوان "ليس بالتملّك وحده يسكن الإنسان" كتبت إيفون أنور صعيبي في صحيفة "نداء الوطن": "كثيرة هي المعاهدات الدولية المعنيّة بوجوب ضمان "مسكن لائق" للمواطنين والتي صادق عليها لبنان بدءاً بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وصولاً الى الاطار التشريعي والذي يعترف بمبدأ الحقّ في السكن الميسور.

هذا ويؤكّد قانون الإسكان الصادر العام 1962 والمعدّل في العام 1965 (القانون 58/1965) على "واجب" الدولة في "تيسير الإقامة للّبنانيّين المحتاجين، سواء أكان ذلك لذوي الدخل المنخفض أم المتوسّط، في المدن أو في القرى". ذلك في النظري لكن في الواقع لم تقم الدولة حتى يومنا هذا بأي مبادرة لتؤمن السكن لذوي الطبقتين المتوسطة والفقيرة. فهي لا تقوم ببناء مساكن عامة ولا تُلزم التجار بناء عدد معين من الشقق بمواصفات تكون بمتناول الفئات الاجتماعية ذات الدخل المتوسط وهي أيضاً لا تعمل على اصدار قانون ايجار عادل ولا تحدد مواصفات للسكن الاجتماعي؛ علماً ان المادة 2 من قانون الموجبات والعقود تشيرالى ان المعاهدات الدولية التي صادق عليها البرلمان اللبناني تتقدم على الدستور كما وعلى كل القوانين وبالتالي فان الدولة اللبنانية تقر وتلتزم بالإتفاقيات الدولية وتلتزم العمل بها. بل ان التدخّل كان يقتصر فقط على دعم القروض من جانب الطلب. تتراوح قيمة القرض الممنوح من المؤسسة العامة للإسكان حوالى 125000$ للقرض الواحد، اما الشرط الذي تفرضه المؤسسة للموافقة على الطلب فيتمثل في ان يبلغ دخل مقدّم الطلب ما لا يقلّ عن ثلاثة أضعاف الحدّ الادنى للأجور. وبذلك تبقى الفئات الاكثر فقراً بعيدة كلّ البعد عن السكن بشكل لائق.

عن الموضوع يرى المهندس المعماري رهيف فياض ان "الاسكان في لبنان ليس قطاعاً بل هو قضية عشوائية يقوم بها القطاع الخاص لمصالح ريعيّة. من المفترض ان يكون الإسكان احدى مهمات الدولة لكنه في الواقع يصبّ ضمن أولويات القطاع الخاص. تخلت الدولة عن مسؤولياتها لحل هذه المعضلة. وهنا لا بدّ من الاشارة الى أن السكن ليس عملية محصورة فقط بملكية عقار او بناء ما، بل يمكن تأمينه من خلال اللجوء الى الايجار او أي بديل مناسب. بعد الحرب العالمية الثانية عمدت غالبية الدول الأوروبية لحل مشكلة السكن من خلال المباني ذات الايجار المعتدل. بتلك الطريقة تم ايجاد حلّ للمشكلة الابرز والتي تشكل الهاجس الاكبر لدى مختلف شعوب العالم والمتمثلة بالنسبة التي سيخصصها كلّ فرد من دخله لقاء بدل الايجار. حتى يومنا هذا، لا يزال التوجه للايجار سائداً في اكبر المدن في العالم لا سيما باريس ولندن ونيويورك وهذا ما نفتقره في الواقع".

ويضيف فياض "المشكلة في لبنان منوطة بفكرة التملّك المرتبطة بالثقافة الاجتماعية التي عززتها سياسة القروض. ففي لبنان يمكن للمرء ان يخضع لعملية تجميل بقرض، وان يتزوج بقرض، ويتعلم بقرض، ويتملك منزلاً بقرض...كثرة القروض شجعت للسير نحو التملك، والتملك فقط.

الى ذلك، هناك قناعة راسخة في كون العقار ثروة حقيقية. فنحن لم نعتد على انتاج سلع بل ان اقتصادنا يقوم على الريوع، أي ان الفلسفة قائمة على شراء عقار لبيعه بسعر أغلى. ولأن السياسات العامة لا تشجع على الإنتاج او على الاستثمار نرى ان الطلب على التملك بات عقيدة لبنانية خصوصاً وان قانون الايجار غير المستقر لا يشجع، ناهيك عن المعضلة بين الايجار القديم والجديد. فمنذ الستينات حتى اليوم لم يكن هناك قانون ايجار يرضي كل الاطراف بل لطالما كان مصدراً للاحتجاجات. أما ما يُحكى عن ندرة الأراضي كمبرر لغلاء الاسعار الذي عرف مستويات هستيرية فليس سوى مجرد كلام فارغ لان الاراضي ليست نادرة انما هذه الحجة يستخدمها المضاربون العقاريون لتوجيه القطاع نحو الريع".

باختصار، لبنان لا يبني مساكن لفقرائه ولا يلزم التجار بناء عدد معين من الشقق بمواصفات تكون بمتناول الفئات الاجتماعية ذات الدخل المتوسط، وهو في الوقت عينه لا يُصدر قانون ايجار عادلاً ولا يحدد مواصفات للسكن الاجتماعي. والنتيجة: حوالى 3% فقط يسيطرون على 60% من الناتج المحلي. يعني ذلك بوضوح سوء توزيع للثروة ، نشأت منذ المتصرفية ولا تزال وهي مرتبطة بسياسات الحكومات المتعاقبة التي عززت وجود الثروات بأيدي التجار ليصبح لبنان في نهاية المطاف بلد خدمات بدلاً من ان يكون بلد انتاج. من هنا تكونت الرغبة بالتملك غريزياً وتفاقمت بسبب عدم وجود قطاع عام للسكن الاجتماعي الذي يشجع على الايجار لتبقى القضية في المقام الاول والاخير كيفية تأمين مأوى لائق لأكثر من 25000 أسرة من ذوي الدخلين المنخفض والمتوسط".