خبر

أسعار النفط الحالية 'كارثية' على اللبنانيين!

بالتأكيد، يتردد على الألسنة أنّ ما بعد الهجوم على أرامكو ليس كما قبله. الحدث بحدّ ذاته ضخم على المستويين السياسي والإقتصادي. طائرات "درون"، أو صواريخ، يمنية أم إيرانية أم عراقية...النتيجة واحدة: أكبر منشأة لمعالجة النفط في العالم وحقل نفط رئيسي تديره شركة أرامكو السعودية استُهدفا.هجمات السبت على معمل بقيق وحقل خريص في الشرق السعودي تركت العالم في حال ترّقب، فيما قفزت أسعار النفط إلى مستوى هو الأعلى لها منذ حرب الخليج الثانية عام 1991(لكنها عادت وانخفضت قليلاً.(

وبطبيعة الحال، عندما تتأرجح أسعار النفط بشكل مجنون وغير متوقع، فإن معظم دول العالم يتحسس الرأس. إنها حرب، وهي حرب مُرعبة. يقول موقع بلومبيرغ الأميركي، على سبيل المثال،" إن جيوسياسية الشرق الأوسط عادت لتلعب دورا انتقاميا على سوق النفط، معتبرا "أن التجار الذين تجاهلوا التوترات في المنطقة لأشهر عدة سوف يتفاعلون مع هذا الهجوم عندما تفتح الأسواق الاثنين (مطلع الأسبوع الذي تلى الهجوم)". هذا على المستوى العالمي. أما في لبنان، فالحال ليست أيضاً بأفضل أحوالها، والجميع يسأل:"ماذا التالي؟"، سيّما في ظلّ ما يعانيه هذا البلد من أزمات اقتصادية مُرهقة، بل تكاد تكون "سرطانية."

الأسئلة هنا كثيرة. تُضاف إلى أخرى لا يجد لها، على الأغلب، المواطن اللبناني إجابات شافية. كيف يمكن أن يؤثر الهجوم على أرامكو وما تلاه من ارتفاع لأسعار النفط بنسبة 20% على الاقتصاد اللبناني سيّما وأنه يستورد النفط من الخارج، وتالياً على الفاتورة الشرائية وقطاع الكهرباء ووضع الليرة وأسعار الشقق والى ما هنالك من قطاعات اقتصادية؟

اقتصاد لبنان ينتعش في ظلّ الارتفاع!

قد تكون الإجابة المتوقعة لدى الأغلبية من اللبنانيين أن ارتفاع أسعار النفط عالمياً سيء على الاقتصاد اللبناني، غير أنّ ما يقوله الإستراتيجي في أسواق البورصة العالمية والشؤون الاستثمارية جهاد الحكيّم في حديث لـ "لبنان24" عكس ذلك تماماً. بحسب ما يشرح، فإن اقتصاد لبنان كان دائماً في حالاته الجيّدة، إن لم نقل الأفضل، عندما كان معدل سعر برميل النفط البرنت عالمياً مرتفع. هذا مردّه إلى عدّة أمور أساسية، على رأسها وفرة توظيف اللبنانيين في الخارج وتحديداً في الدول الخليجية وأفريقيا وبالتالي ارتفاع قيمة التحويلات بالدولار إلى السوق اللبناني، إضافة إلى الاستثمارات الأجنبية المباشرة في لبنان.

ومن المعروف أن مصادر العملة الصعبة معروفة وواضحة، فهي تأتي من خلال تحويلات المغتربين، والصادرات، وقطاع السياحة والإستثمارات الخارجية المباشرة أو الهبات الممنوحة من الخارج إلى الدولة اللبنانية.

أما اليوم، "فالأوضاع كارثية"، يقول الحكيّم شارحاً:" عندما يكون المعدل السنوي لبرميل النفط بين 60 و70 دولاراً فهذا أسوأ ما يمكن أن يحصل للبنان لأنه ليس مرتفعاً بما فيه الكفاية (أي ما يفوق 80 دولاراً كمعدل سنوي) كي يستفيد البلد من تحويلات المغتربين والإستثمارات...، وهو ليس منخفضاً أيضاً بما يكفي لتخفيف فاتورة لبنان النفطية.

وفي هذا السياق، يُذكّر الحكيم بأنه عندما وصل سعر النفط في العام 2008 إلى 147 دولاراً وبقي بعدها فوق مستوى المئة دولار، استفاد الاقتصاد اللبناني من التدفقات المالية الوافدة إليه حتى العام 2011، سيّما وأنّ الإفادة من تلك التدفقات كانت تفوق تكاليف ارتفاع الفاتورة النفطية والعجز في الموازنة العامة الناتج من ارتفاع أسعار النفط.

في السنوات الخمس الماضية، لم يتخطّ معدل سعر برميل النفط السنوي عتبة الثمانين دولاراً. ومن المعروف، بحسب الحكيّم، أن ثمة مرحلة زمنية مدتها 20 شهراً بين ارتفاع سعر النفط أو انخفاضه، وانعكاسه على لبنان. في العام 2015 بلغ المعدل السنوي 54.5$ وبدأت الأسعار هذه تنعكس على لبنان في تشرين الأول 2017. وفي العام 2016، كان المعدل السنوي 46$ (انعكاساته بدأت في تشرين الأول 2018)، وفي العام 2017 بلغ المعدل السنوي 54.5 (انعكاساته ستبدأ في تشرين الأول 2019)، وفي العام 2018 بلغ المعدل السنوي 72 دولاراً (انعكاساته سوف تبدأ في تشرين الأول 2020)، فيما يبلغ معدل سعر برميل النفط (البرنت) حتى الساعة من العام 2019 حوالي 65$.

هذه الأرقام المنخفضة تثبت، بحسب الحكيّم، أنّها " لم تكن ذات تأثير إيجابيّ على الاقتصاد اللبناني، فهو اقتصاد "مدولر" يعتمد كثيراً على تحويلات المغتربين وودائع غير المقيمين في لبنان التي تتأتى من الدول الأفريقية والخليجية والاستثمارات الأجنبية المباشرة... رغم أنّ عجز الكهرباء انخفض بسبب انخفاض

سعر النفط، لكن ذلك لم يعوّض خسارة التدفقات المالية من الخارج التي تتأثر بطبيعة الحال بأسعار النفط عالمياً".

زمن المعدلات الرمادية!

في خلاصة ما يقوله الخبير الاستراتيجي إذاً أنّ ارتفاع أسعار النفط تؤثر حتماً على القدرة الشرائية للمواطن اللبناني وفاتورته النفطية ومن شأنها أن ترفع أسعار السلع والتنقلات والعديد من الخدمات، وبخاصة إذا استمرّ الارتفاع لفترة طويلة، وهو ما قد تشهده الأسواق اللبنانية بعد "ضربة أرامكو".

وللأسف، نعيش اليوم زمن الأسعار الرمادية، فحتى لو واصلت أسعار النفط ارتفاعها وتخطّى المعدل السنوي العام (لاحقاً) الثمانين دولاراً، فلن يلمس لبنان الإنعكاسات اليوم، بل بعد سنتين على الأقلّ.

أما في المرحلة الراهنة والقريبة، فيتوّقع أن يشكّل ارتفاع سعر النفط ضغطاً على الأسر اللبنانية، كما على ميزان المدفوعات، ففي النهاية تشتري الدولة اللبنانية النفط بالدولار. وفيما لو تقرر المضي في سياسة تخفيض عجز الكهرباء، فيتوقع الحكيّم أن يزداد التقنين، علماً أن ارتفاع سعر المحروقات سيرفع فاتورة الموّلدات أيضاً.

أسعار الشقق...إلى أين؟!

أما فيما يتعلق بأسعار الشقق، فالخبر المفرح بالنسبة إلى المواطن اللبناني طبعاً، أنها ستواصل مسارها الإنخفاضي. هذا مردّه إلى معدلات أسعار برميل النفط في السنوات الماضية، والتي تنعكس تباعاً على القطاع العقاري، يقول الحكيّم، متابعاً:"أضف إلى ذلك أنّ العائد على الإيجار بلغ حوالي 3% بينما الفوائد المصرفيَّة على الدّولار لامستِ ال 10%، والعائد على سنداتِ الخزينةِ اللُّبنانيَّة بالدُّولار أقلَّه 11.5%، وبالتَّالي لن يتوقَّفَ هذا المنحَى الإنحداري إلَاّ إذا ارتفعتِ الإيجاراتُ ما يقاربُ الـ 230% عمّا هي عليه اليوم أو انخفضتِ الفوائد بحوالي 70%"!