قبل أربعين عاماً، كان الملياردير البالغ من العمر 89 عاماً، قد حدد هدفاً غريباً لحياته، فقد وعد بالتبرع بكامل ثروته التي تصل إلى ثمانية مليارات دولار، وهو الهدف الذي بلغه في منتصف الشهر الماضي. اهتمت المجلة الأميركية “فوربس”، التي ترصد ثروات أثرياء العالم وترتيبهم بحالة الملياردير الأميركي ذي الأصول الأيرلندية، تشاك فيني، حيث عنونت مقالاً لها كالتالي: “الملياردير الذي كان يريد أن يموت مفلساً، هو الآن مفلس رسمياً”.
تقول فوربس عن الملياردير فيني، الذي طور مفهوم “أعطي طالما أنت على قيد الحياة” إنه “لا يملك ساعات رولكس أو سيارة أو يختاً أو منزلاً”، فهو لم يحتفظ في حسابه سوى بمليوني دولار من أجل أيامه الأخيرة ومصاريف علاجه. ويؤكد الملياردير الذي حلم بأن يصبح فقيراً: “لا أكره المال، غير أنه لا أحد يحتاج إلى الكثير من النقود”.
وعقد الملياردير الذي ساهم في تأسيس علامة التوزيع Duty Free Shoppers، قبل أربعين عاماً، العزم على التبرع بثروته، وشرع عبر مؤسسته “ذا اتلانتيك فيلانثروبيس” في توزيع هبات على جامعات ومستشفيات مؤسسات خيرية حول العالم. وكوّن الملياردير تشاك فيني ثروته في الستينيات من القرن الماضي، عبر تأسيس شركته، وهي شبكة من المحلات المخملية المنتشرة في مطارات العالم، قبل أن يعمد بعد عشرين عاماً إلى تأسيس مؤسسته الخيرية لتوزيع المليارات التي راكمها.
اتخذت المؤسسة شكل صندوق حول إليه خلال أشهر قليلة كل حصصه في علامة التوزيع دون أن يخبر أحداً، فلم يعلم حتى شريكه في الشركة بما كان يقوم به، فذلك الشريك لم يطلع على سر فيني إلا بعد 12 عاماً. أغلقت مؤسسة فيني الخيرية في الرابع عشر من سبتمبر/ أيلول أبوابها، واختار الملياردير الأميركي الإقامة في شقة متواضعة مع زوجته في سان فرانسيسكو، وهي الشقة التي تتكون من غرفتين فقط، حيث تشبهها “فوربس” بشقة طالب جامعي في السنة الأولى.
تبرع الملياردير بـ3.7 مليارات دولار في مجالات التعليم، وأكثر من 870 مليون دولار لمنظمات حقوق الإنسان والتغيير الاجتماعي، من بينها 62 مليون دولار لدعم إلغاء عقوبة الإعدام في الولايات المتحدة الأميركية و76 مليون دولار لدعم برنامج الرعاية الصحية “أوباما كير”. ووفر تشاك فيني الذي يوصف بـ”جميس بوند العمل الخيري”، عبر مؤسسته، 700 مليون دولار لدعم قطاع الصحة، حيث أتاح 270 مليون دولار من أجل الرقي بنظام الصحة العمومية في فيتنام. كان يردد أن “الثروة لا تفيد في شيء سوى مساعدة الآخرين، هذا ما يفرض منحها لمن يحتاجها، والتبرع بها لتحسين حياة شخص آخر”.
وحرص طيلة أربعة عقود على أن يتبرع في إطار سري ومن دون الكشف عن هويته، وهذا ما كان يدفعه إلى حث ممثليه خلال تقديم الأموال بأن يقنعوا المستفيدين منها بأن التبرعات لم تأت من المافيا. وقد دافع عن تصوره الذي يقوم على التبرع بماله خلال حياته، قائلاً: “لا أرى سبباً لتأجيل منح المال إلى الغد، ما دامت هناك العديد من القضايا التي يمكن دعمها اليوم”، مضيفاً أن “العالم يغص بالناس الذين يملكون أقل مما يحتاجون.
وفي كل مرة تساعدهم، فأنت تساهم في عملية التقدم وفي التأكيد على أن الحياة يمكن أن تتغير، وأنا يمكنني تغييرها”.
لم ينشغل فيني فقط بمسألة التبرع بثروته، فقد تصدى على غرار الملياردير جورج سوروس لمشاكل كبيرة ذات طبيعة سياسية، فقد انخرط شخصياً في المفاوضات التي كانت ترمي إلى إرساء السلم في أيرلندا الشمالية في التسعينيات من القرون الماضي، كما ساهم في عام 2016 في دعم صندوق يسعى لجلب التأييد لمرشحي الحزب الديمقراطي، من بينهم هيلاري كلينتون. الكثير من الأثرياء في العالم الذين انخرطوا في العمل الخيري، يعتبرون تشاك فيني رائداً في المجال الإنساني، ويرون أنه كان ملهماً لهم. فقد اعتبر بيل غيتس أن فيني رسم طريقاً كي يسلكه محبو العمل الخيري، مضيفاً “لقد حدثني الكثير من الأشخاص عن تشاك فيني الذي ألهمهم لتقديم المساعدات”.