بنوك لبنان تسابق الزمن لزيادة رأس مالها 20% قبل نهاية الشهر

بنوك لبنان تسابق الزمن لزيادة رأس مالها 20% قبل نهاية الشهر
بنوك لبنان تسابق الزمن لزيادة رأس مالها 20% قبل نهاية الشهر

السياسي-وكالات

يسابق عدد من بنوك لبنان، التي أصابتها الأزمة المالية بالشلل وصدعتها المخاطر السياسية، الزمن للوفاء بالهدف الذي وضعه لها مصرف لبنان المركزي لتعزيز دفاعاتها بزيادة رأس المال 20 في المئة في نهاية هذا الشهر.

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي:

وتقول أربعة مصادر مصرفية مُطلِّعة على الوضع أن من المتوقع أن يفي أقل من نصف البنوك الكبرى التي يبلغ عددها حوالي 12 بنكا بالشرط المستهدف الذي حدده البنك المركزي في أغسطس/آب الماضي لتدعيم القطاع.

والبنوك التي يتوقع أن تفي بأهداف البنك المركزي هي تلك التي استغلت إلى حد كبير فرصة الاستفادة من حملة الأسهم أو المودعين الحاليين، وحولت الودائع الدولارية المحلية إلى أدوات ملكية، أو باعت أنشطة تابعة لها في الخارج.

ويؤكد الوضع حجم المشكلة التي تواجه بنوك لبنان التي أفرطت في إقراض إحدى أكبر دول العالم مديونية، ولم تعد تملك سيولة مالية. وجمدت هذه البنوك إلى حد كبير الودائع الدولارية لعملائها ومنعتهم من تحويل المال إلى الخارج منذ أواخر 2019.

تدقيق جديد

ويقول بعض المستثمرين والاقتصاديين أن هذه الخطوات ضئيلة لا تذكر، وجاءت بعد فوات الأوان في ضوء ضخامة الخسائر التي تواجه القطاع.

وأكد رياض سلامة، حاكم المصرف المركزي، في رسالة بريد إلكتروني أن نسبة العشرين في المئة المستهدفة التي حددها تعادل حوالي أربعة مليارات دولار.

ويقل هذا المبلغ كثيرا عن العجز في القوائم المالية للبنوك والبالغ 83 مليار دولار، وفقاً لتقدير الحكومة المستقيلة العام الماضي في إطار خطة رسمتها للإنقاذ المالي.

وقال مايك عازار، مستشار تمويل الديون والمحاضر السابق في الاقتصاد الدولي بكلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكنز «كلها عاجزة عن سداد الالتزامات».

وأضاف «لا يوجد احتمال للتعافي في الظروف الحالية، إلى أن يظهر حل، وتحدث إعادة هيكلة على مستوى القطاع بالكامل، ثم زيادة جديدة لرأس المال في نهاية المطاف».

وتقول المصادر المصرفية الأربعة سابقة الذكر أن الأمر الذي أصدره المصرف المركزي للبنوك بأن تطلب من أكبر مودعيها إعادة 30 في المئة من ودائعهم إلى البلاد لم يسفر فيما يبدو عن شيء يذكر.

وقال سليم صفير، رئيس «جمعية مصارف لبنان» والرئيس التنفيذي لـ»بنك بيروت» أن معظم البنوك «ستلتزم بتوجيهات البنك المركزي». وأضاف في بيان «لو أننا اعتقدنا أنه لا أمل في التعافي لَكُنا أوقفنا نشاطنا الآن. التحديات صعبة لكن لنا تاريخ في المرونة والابتكار وسنتكيف مع الوضع الجديد».

وقال المصرف المركزي أن من السابق لأوانه تقييم استجابة البنوك لزيادة رأس المال المستهدفة، ولطلب آخر منه بزيادة السيولة لدى بنوك المراسَلة التي تتعامل معها بنسبة ثلاثة في المئة.

وقال سلامة في رده بالبريد الإلكتروني «مع ذلك تقدمت كل البنوك تقريباً بطلبات لزيادة رأس المال وتم بذل جهد كبير لزيادة السيولة».

وسلم بأن البنوك قد تتطلب زيادة أكبر في رأس المال. وقال في رسالته أن «المصرف المركزي سيعمل مع البنوك لمعالجة هذه المسألة كلٍ على حدة».

ومع اقتراب انتهاء المهلة في آخر فبراير/شباط الجاري تزايدت التكهنات على وسائل التواصل الاجتماعي حول البنوك التي قد تتم تصفيتها. وفي الأسبوع الماضي أصدر المصرف المركزي بياناً قال فيه أن هذا الجدل لا يمت للحقيقة بصلة.

وكان حاكم المصرف المركزي قد حذر من أن البنوك التي تعجز عن الوفاء بالمستهدف ستضطر إلى إنهاء نشاطها، غير أن بعض المصرفيين قالوا أنهم يتوقعون تمديد المهلة لأنه لا أمل يذكر في جذب استثمارات جديدة.

تتصور خطة الإنقاذ المالي التي وضعتها الحكومة المستقيلة شطب رؤوس أموال. غير أن معارضة المصرفيين والساسة نسفت الخطة، الأمر الذي ساهم في انهيار المحادثات الخاصة بالحصول على تمويل إنقاذ مع «صندوق النقد الدولي»

وقال خالد عبد المجيد، مدير صناديق الشرق الأوسط وشمال افريقيا لدى «إس.ايه.إم كابيتال بارتنرز» للاستشارات الاستثمارية في لندن «زيادة رأسمالها بنسبة 20 في المئة مفيدة لكنها غير كافية». وأضاف «لا يمكن أن ألمس أسهم البنوك اللبنانية بأي سعر، مهما تدنى. فالأمور ستتدهور بشدة في لبنان قبل أن تتحسن».

وقد أثار استخدام سلامة ما وصفه «بالهندسة المالية» في سبيل الحفاظ على قدرة لبنان على تمويل احتياجاته انتقادات. ويواجه سلامة تدقيقاً جديدا يقول مصرفيون إنه يثير تساؤلات حول مستقبله. فقد قال المدعي العام السويسري الشهر الماضي أنه يحقق في احتمال حدوث اختلاس يمس مصرف لبنان المركزي. ونفى سلامة ارتكاب أي مخالفات ولم يرد على طلب للتعليق على الكيفية التي قد يؤثر بها التحقيق على وضعه وعلى القطاع المصرفي عموماً.

من جهة ثانية باع «بنك عودة» و»بنك بلوم» أكبر مصرفين في البلاد من حيث حجم الأصول، أنشطة تابعة لهما في الخارج للمساعدة في تحسين وضعهما المالي.

وقالت إدارة «بنك عودة» في بيان «حصيلة بيع العمليات الخارجية ستتيح لنا الوفاء بالشروط التنظيمية المعنية، وفي الوقت نفسه تؤهل بنك عودة بين البنوك اللبنانية القادرة على الاستمرار برأسمالٍ كافٍ ومستويات سيولة كافية».

ولم يرد «بنك بلوم» على الفور على طلب للتعليق على ما حققه من تقدم في زيادة رأس المال ومستويات السيولة. وكان البنك قد قال الشهر الماضي أن بيع وحدته العاملة في مصر سيسمح له بالالتزام بالهدف الذي رسمه البنك المركزي.

لا إجماع

لسنوات ظلت بنوك لبنان بين أكبر بنوك العالم ربحية مستعينة بتحويل أموال اللبنانيين المنتشرين في المهجر لدعم الحكومة مقابل عوائد مرتفعة.

غير أن الانكشاف على الدَين العام كان في نهاية الأمر هو السبب في الأزمة التي حلت بالبنوك، إذ جف نبع التحويلات المالية من الخارج، وتفجرت الاحتجاجات المناهضة للفساد مما حرم النظام المالي من مصادر التمويل.

وخلال العامين الأخيرين فقدت البنوك التجارية ودائع قيمتها نحو 49 تريليون ليرة لبنانية أي ما يعادل حوالي 22 في المئة من أصولها الإجمالية الحالية. ومن المُرجَّح أن يكون كبار المودعين في صدارة المتضررين من أي حل للأزمة المصرفية.

ولأن السندات الحكومية تمثل أغلب أصول البنوك، فقد أصبحت هذه البنوك أكبر ضحية لعجز الحكومة عن الوفاء بسندات دولية مستحقة بقيمة 1.2 مليار دولار في مارس/آذار الماضي.

ويتمثل جانب كبير من باقي أصول البنوك في العقارات التي انخفضت تقييماتها وسط الركود الاقتصادي.

وقال الاقتصادي نافذ ذوق إنه إذا قُدِّرت قيمة هذه الأصول بقيمتها السوقية، واقترنت بشطب حصص في رأس المال ترتبط بالانكشاف على الدَين الحكومي، فإن الخسائر ستطغى على قاعدة رأس المال في القطاع المصرفي، أي تكون أكبر منه.

وطلب المصرف المركزي من البنوك في أغسطس/آب تجنيب مخصصات لخسائر تعادل 1.89 في المئة عن ودائعها بالعملة الصعبة لدى البنك المركزي، وخسائر تبلغ 45 في المئة عما بحوزتها من سندات الدَين الحكومي، وهي مستويات قال بعض الاقتصاديين إنها قليلة وتستهين بحجم المشكلة.

وقد انخفضت الليرة اللبنانية بنسبة 80 في المئة منذ أواخر العام 2019. وقدرت مؤسسة «موديز» للتصنيفات الإئتمانية أن الخسائر عن محافظ السندات الدولية تتجاوز 65 في المئة.

ويتفق كثيرون من المصرفيين في لبنان بصفة غير رسمية في أن من الضروري تقليص القطاع المصرفي الحالي بشدة.

ويضم القطاع ما لا يقل عن 40 بنكاً. وقد تضخمت أصوله لتصل إلى ما يعادل 167 في المئة من الناتج الاقتصادي للبلاد في ذروتها الأخيرة عام 2015.

ويسلم البعض بأن الحل سيفرض على حملة الأسهم وحملة السندات وزبائن البنوك تحمل خسائر.

غير أنه لا يوجد إجماع على عدد البنوك التي ستضطر لتصفية نشاطها وعلى حجم الخسائر.

وفي ظل غياب حكومة جديدة وبقاء حكومة تصريف الأعمال الحالية منذ استقالتها في أغسطس/آب الماضي وسط سخط شعبي على الانفجار المدمر الذي وقع في مرفأ بيروت، يسلم المصرفيون بأن الحل مستبعد في أي وقت قريب.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى