تحول الاهتمام الجزائري في الفترة الأخيرة تجاه الاقتصاد بالبحث عن بدائل للنفط والرفع من التصدير خارج المحروقات وخلق نموذج اقتصادي مبني على الإنتاج ومساير للرقمنة، وفي هذا الإطار تم إطلاق حزمة من الإجراءات لصالح تفعيل “الدبلوماسية الاقتصادية” من أجل دعم المتعاملين الاقتصاديين المحليين على التصدير والمتعاملين الأجانب على الاستثمار في الجزائر.
وفي إطار خلق واجهة للمتعامل الاقتصادي الجزائري بالخارج، أعلن وزير الخارجية، صبري بوقدوم، خلال لقاء حول تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية، نظم بالوزارة مؤخرا، عن إطلاق مجموعة من الإجراءات للمساهمة بشكل ملموس في تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية، على رأسها إنشاء شبكة تفاعلية للمكلفين بالشؤون الاقتصادية والتجارية لدى بعثات الجزائر الدبلوماسية والقنصلية حول العالم.
وتتمثل هذه الإجراءات، حسب مسؤول بالوزارة في إنشاء مكتب للإعلام وترقية الاستثمارات والصادرات، وتكوين الدبلوماسيين المكلفين بالشؤون الاقتصادية والتجارية على مستوى الممثليات الدبلوماسية الجزائرية في الخارج، وكذلك إنشاء قسم ويب في موقع وزارة الشؤون الخارجية مخصص للدبلوماسية الاقتصادية.
تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي:
فيما أكد وزير الخارجية، بوقدوم أن كسب معركة بناء اقتصاد قوي مندمج في الاقتصاد العالمي “يتطلب التنسيق بين مؤسسات الدولة، وإعادة النظر في المنظومة البنكية، وإنشاء فروع جديدة في شتى بقاع العالم إضافة إلى تعزيز التواجد في السوق الإفريقية الواعدة”.
ويأتي قرار تفعيل “الدبلوماسية الاقتصادية” في إطار تنفيذ توصيات الندوة الوطنية للإنعاش الاقتصادي المنعقدة في شهر أغسطس من العام المنصرم، تحت رئاسة الرئيس عبد المجيد تبون، والذي أكد خلالها على ضرورة السعي لبناء اقتصاد وطني متنوع يقوي الأمن الغذائي ويحصن الأمة من التبعية المفرطة لقطاع المحروقات.
توجه جديد
يعتقد بعض المراقبين للشأن الدولي أن هناك ظروفا ومؤشرات تساعد الدول على تغيير بوصلتها السياسية والاقتصادية، وأن الوضع الدولي الحالي المتميز بالأزمة الاقتصادية بسبب وباء كورونا من بين الأسباب المساعدة بحيث تجعل من الضروري بمكان التفكير في إيجاد آليات للإنعاش الاقتصادي بعيدا عن التصورات التقليدية.
وحسب أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عبد الرحمن بن شريط، الذي قدم قراءة بخصوص توجه الجزائر نحو تفعيل دبلوماسيتها الاقتصادية في هذه الفترة، بالقول إنه “تم تقديم دور إضافي للعمل الدبلوماسي الجزائري الذي لم يوظف من قبل هذا المفهوم وهو توجه جديد وهام جدا”، في إشارة إلى الحكومات السابقة التي لم تفعل آليات الدبلوماسية الاقتصادية.
واعتبر الأستاذ الجامعي المختص في العلاقات الدولية ذاته أن “هناك تنافس محموم بين الدول المصدرة للنفط”، مؤكدا في السياق ذاته أن الجزائر بحكم موقعها الاستراتيجي وإمكانياتها الاقتصادية اضطرت لفتح هذا الملف ولديها أسبابها في ذلك.
ويرى عبد الرحمن بن شريط، أن “وزارة التجارة لا يمكنها لوحدها التعريف بالمنتوج الجزائري في الخارج لأن الأمر يحتاج إلى ثقل الدبلوماسية”، ولكن لا بد حسب المتحدث من تكوين الدبلوماسيين اقتصاديا لمواكبة المفاهيم المعاصرة والاقتصاد الدولي.
ونوه متعاملون اقتصاديون بمساعي الجزائر نحو تفعيل دبلوماسيتها لخدمة الاقتصاد الوطني، معتبرين إياها أداة فعالة خاصة في هذا الوقت بالذات المتميز بمنافسة دولية وإقليمية، وفي ظل تذبذب أسعار النفط وطموح الجزائر لبلوغ رقم 5 مليارات دولار كحجم للصادرات للسنة الجارية.
وترى أستاذة الاقتصاد بالمدرسة العليا للعلوم السياسية بالجزائر، الدكتورة سهيلة برحو أنه “للدبلوماسية دور مهم في الترويج لصورة البلد وعرض ميزاته في عصر اقتصاد السوق القائم على المنافسة الحادة أمام التدفق الرهيب للسلع ورؤوس الأموال”.
وأضافت الدكتورة برحو أنه “إذا تكلمنا عن إطلاق دبلوماسية اقتصادية جزائرية، يجب التحكم في أدوات التأثير، لاسيما وأن الشركات الكبرى على غرار الشركات المتعددة الجنسيات لها الدور الفعال في إرساء هذا النهج، وهذه الأداة غير متاحة للجزائر في الوقت الراهن، لكن العملية يمكن أن تتدارك بطرق أخرى”.
وحول ما يجب القيام به لتدارك الوقت وتعزيز فرص نجاح المسعى، تقترح الأستاذة الجامعية، سهيلة برحو “البدء بتفعيل السفارات الجزائرية بمنظور اقتصادي مبني على التعاون وتبادل الخبرات الاقتصادية، وجذب الاستثمارات إلى الجزائر بالتقرب من الفاعلين الاقتصاديين للبلدان الأجنبية”.
ومن جهة أخرى، تشير المتحدثة إلى أنه “يمكن أن تعمل هذه السفارات كحاضنات لمبادرات الجالية الجزائرية المكونة من العلماء، الباحثين، الإعلاميين، رجال أعمال، إضافة إلى رصد فرص الاستثمار في المجالات الحديثة كتكنولوجيا المعلومات، خاصة أن مخرجات التعليم في الجزائر في هذا المجال متوفرة بالكم والنوع”.
وفي تصريح للإذاعة الجزائرية، أفاد عبد القادر قوري رئيس الغرفة الوطنية للتجارة والصناعة أنه “كلما كان ثمة تصدير كان مصدرا لجلب العملة الصعبة للخزينة العمومية”، وتساءل المتعامل الاقتصادي قائلا: “لما لا نرفع حجم التصدير إلى ما قيمته حتى 15 مليار دولار لأن ذلك يتساوق مع سمعة الدولة الجزائرية وحجم اقتصادها والثروات التي تنام عليها في مجمل الحقول المنتجة للثروة”.