لم يكن الحديث عن الجوع والفقر في تقارير المؤسسات الدولية محض كلام. فالمحال التجارية شهدت في الآونة الأخيرة، تناحراً على أكياس الأرز والزيت والسكر والحليب المدعوم.
ووصلت الأمور إلى إشهار السلاح والتعارك بالأيدي، لتنتهي المعركة بخروج أحد المواطنين “محملا بما استطاع اليه سبيلا” من المواد المدعومة.
تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي:
من أوصل اللبناني إلى هذا الذل؟
في سبتمبر عام 2019، قرر مصرف لبنان دعم كل من القمح والمحروقات والأدوية، وتوزعت حزمة الدعم فيما بعد لتشمل المستلزمات الطبية، ثم المواد الغذائية.
سياسة دعم خاطئة من أولها، لا تصل إلى المواطن المحتاج، إلا عبر الكارتيلات أو الشركات التي استأثرت بسوق الاستيراد طيلة السنوات الماضية.
5.7 مليارات دولار كلفة الدعم من بداية عام 2020 ولغاية شهر نوفمبر منه. مليارات الدولارات هذه من ما تبقى من أموال المودعين التي وظفتها المصارف لدى مصرف لبنان، وعمل هذا الأخير على تبديد أموال الناس وهم اكثر العارفين بأنه نظام يدعم الشركات للاستيراد، لأن مصير المواد المدعومة معلوم الوجهة، إما للتخزين او التهريب. وهذا ما حصل فعلا.
سيناريو الفضيحة لا يقف هنا، عند الاطلاع على ما تتضمنه السلة المدعومة، نجد مبيضات القهوة والنيسبرسو وشفرات الحلاقة والكريم باري والكاجو.
الدعم لم يصل إلى مستحقيه
وبالعادة عند اي دعم للسلة الغذائية، يتم النظر على ما يتجه الفرد من وحدات حرارية في هرمه الغذائي وبعد ما استنفد صرف لبنان 450 مليون دولار على هذه السلة، قرر وعلى لسان وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني، وقف دعم الكاجو بالإضافة إلى ترشيق هذه السلة إلى الحدود الدنيا.
وبحسب الخبراء، لم يصل إلى المواطن المستحق أكثر من 20 بالمئة من مجمل هذه السلة. فوق كل ذلك، اشترطت العديد من السوبر ماركت مبلغ يتجاوز 100 ألف ليرة لبنانية ( أكثر من 6 دولارات) كي يحصل المواطن على غرض مدعوم واحد.
شاهدنا في الحاويات وكما وثقت عدسات الكاميرا، أكياس الدعم الفارغة، التي جرى تعبئتها بأكياس أخرى لبيعها على السعر غير المدعوم. ووثقت عدسات المغتربين اللبنانيين أكياس الحبوب وعلب الجبنة والقهوة وكل ما هو مدعوم في إفريقيا والنمسا ومصر.
هنا وبكل بساطة، تم التهريب بموافقة وزير الاقتصاد، فهو على دراية بالشركات التي تصدر إلى إفريقيا وأعطاها الموافقة بالحصول على المواد المدعومة، بشهادة العاملين في وزارة الاقتصاد والمطلعين على الملف.
إذا، لا مواد مدعومة، والدولار أخذ منحى تصاعديا سريعا جدا، مما دفع بالعديد من المحال التجارية إلى إقفال أبوابها، أو حتى للتسعير على الصندوق إضافة إلى تحديد كمية المواد لتي تم شراؤها.
وأمام فوضى تسعير الدولار وغياب الرقابة، هل يتوقف لبنان عن استيراد المواد الغذائية؟
ويروى نقيب مستوردي المواد الغذائية، هاني بحصلي تسلسل الأحداث التي حصلت على مر الأشهر الماضية من ارتفاع تدريجي للدولار حتى وصل إلى سقوفه الأعلى، مما سبب للتجار والمستوردين فوضى عارمة حتى تعذر عليه الحصول على العملة الخضراء.
وإضافة إلى الحيرة التي حلت بهم بتسليم البضائع أو التوقف عن ذلك، لأنهم لا يعلمون كيف سيتصرفون مع هذا الهامش العالمي من سعر صرف الدولار، وفق بحصلي.
ويضيف أنهم في حال باعوا السلع الاستهلاكية للتجار هل القدرة الشرائية للمواطن التي انعدمت بنسبة تصل إلى 85 بالمئة، هل ستمكنه من الحصول على الحد الأدنى من المواد الغذائية؟ الناس لم تستطع الشراء عندما كان تسعير الدولار على 6 آلاف ليرة، فكيف ستتمكن اليوم منذلك بعدما تخطى الـ14 الف ليرة. لقد حصل ما حذرنا منه على مدى شهور.
هذه الفوضى بسعر صرف الدولار، وتنصل أهل السلطة من المسؤولية ستؤدي بنا حتما” وللأسف إلى ما نخشاه من مظاهر للجوع وتعذر المواطنين من الحصول على حد أدنى من المواد الغذائية الأساسية، وفق مراقبين.
وكان من الأنسب ان تقوم وزارة الشؤون بتوزيع المواد والسلع المدعومة، تجنبا لمشاهدة التناحر على هذه السلع.
اعتماد الدولار بديلا
ويرى نقيب اصحاب السوبر ماركت، نبيل فهد، أن التسعير بالدولار هو الحل الأنسب للانتهاء من هذه الفوضى، التي حصلت في الأيام السابقة.
ويضيف أنه وفقا لهذا الحل، يتمكن كل من التاجر بتأمين الدولار من خلال تسديد قيمته على سعر صرفه اليومي، وعندها لا يخسر كلفة المنتج، والمواطن يشتري حاجيته دون أن ندخل بمتاهة فقدان البضاعة من السوق.
إن ارتفاع الدولار بنسبة اكثر من 50 بالمئة بأقل من 3 أيام، تسبب بفقدان العديد من السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية، إضافة إلى عجز المحال التجارية عن التغيير المستمر بسبب حالة الضياع التي تهيمن على المشهد ما رتب علينا بقول فهد خسائر كبيرة في الأيام الماضية.
وكان من الأجدى بوزارة الشؤون الاجتماعية أن تقوم بمهمة توزيع المواد المدعومة، فضلا عن قيام وزارة الاقتصاد والجهات الرقابية الأخرى بعملها لتجنب تهريب وتخزين هذه المواد.
إن الطلب اليوم على المواد المدعومة هو أعلى بكثير من العرض، والسبب بذلك تهريب هذه البضاعة من جهة، وتأخر مصرف لبنان بفتح الاعتمادات لاستيرادها من جهة أخرى.
وبحسب فهد، عدم وجود سقف لسعر صرف الدولار، بسبب انعدام الثقة والتناحر السياسي والتاخر بتشكيل الحكومة، سيفاقم من الازمة للأسف ونخشى مما ستحمله الأيام غذا لم يتدارك المسؤولين الوضع.
من وجه نظر قانونية، يقول المحامي مجد حرب بأن قانون النقد والتسليف حصن الليرة اللبنانية. وفي حال رفض تقاضي الليرة كعملة إبراء هذا يعرضه للملاحقة الجزائية.
ولكن الأزمة اليوم عن هذا التغير السريع بدقائق لسعر صرف الدولار. وهذا ما يطال أيضا” أسعار الكلفة او رأس المال للتاجر. ولكن في الوقت نفسه لا يمكن رفض الإيفاء بالليرة اللبنانية وإلا هذا الأمر سيؤدي إلى فقدان قيمتها بشكل نهائي.