انحسرت حركة تجارة العملة في السوق الموازي في العاصمة السودانية الخرطوم بشكل لافت منذ بداية الأسبوع الحالي مما أجبر العديد من صغار المتداولين المعروفين بـ “السريحة” على الخروج من السوق والبحث عن أعمال أخرى؛ في حين بات من بقوا في السوق يتحينون فرصة انتهاء دوام المصارف عند الثالثة ظهرا ليتصيدوا الصفقات المسائية الصغيرة.
حولت البنوك السودانية الفارق الكبير في سعر صرف الجنيه لصالحها بمقدار 9 جنيهات عن السوق الموازي والذي كان حتى قبل نحو 3 أسابيع تقريبا يشتري الدولار بفارق 60 جنيها عن السوق الرسمي.
وكشف أحد “السريحة” في منطقة السوق العربي بوسط الخرطوم عن تراجع يقدر بنحو 80 في المئة في حجم تداولاتهم اليومية؛ مشيرا إلى لجوء الكثير من المتداولين إلى أعمال اخرى مثل وساطة السيارات والعقارات، بل أن البعض أصبح يمارس أعمال هامشية بسيطة مثل بيع الخضر والفاكهة.
وقال انه وغيره من المتداولين باتوا ينتظرون موعد انتهاء دوام المصارف عند الثالثة ظهرا ليتصيدوا من يريدون الاستبدال ومعظمهم من حاملي المبالغ الصغيرة جدا.
وفي ذات السياق، قال تاجر آخر إن القليل من السريحة ما زالوا يتمسكون بمواقعهم على أمل أن ينتعش السوق بعد عطلة عيد الأضحى التي تبدأ الأحد. وأوضح أن الحملات الأمنية التي تكثفت خلال الأسبوع الماضي وقادت إلى مصادرات واعتقالات كبيرة في أوساط كبار التجار أثرت كثيرا على التداولات اليومية.
تحسن ملحوظ
في نهاية تداولات الثلاثاء، وسع الجنيه مكاسبه إلى نحو 10 في المئة في ثلاثة أسابيع؛ حيث تراجع سعر الدولار من 490 جنيها إلى نحو 440 جنيها في تعاملات السوق الموازي خلال ثلاثة أسابيع؛ وفي المقابل رفعت البنوك السعر الرسمي إلى 449 جنيها للدولار الواحد مقابل 432 جنيها في نهاية الشهر الماضي.
ويعزي محمد شيخون استاذ الاقتصاد في الجامعات السودانية التحسن الحالي في سعر صرف الجنيه السوداني إلى أسباب موسمية وأخرى أمنية. ويشير شيخون إلى أن ارتفاع سعر الجنيه خلال الأسبوع الماضي يعود إلى زيادة حجم العرض بسبب إجازات المغترين الأمر الذي جعل البنوك تنتهج سياسة رفع السعر تشجيعا للتحويلات، وهو ما حجم من قدرة السوق الموازي على المنافسة وبالتالي انحسار الفارق في سعر التحويل الذي أصبح يميل أكثر لصالح السوق الرسمي؛ إضافة إلى الحملات الامنية التي أسفرت عن القبض على عدد من تجار العملة بالداخل.
ويرهن شيخون استدامة استقرار أسعار الصرف بضرورة تنفيذ عدد من الإجراءات الاقتصادية. ويقول لموقع سكاي نيوز عربية إن من المهم تنفيذ سياسة التحكم في تجارة الذهب المعلنة سابقا من قبل مجلس الوزراء وضبط الصادرات الأساسية عبر تفعيل آلية حكومية تكون قادرة على السيطرة على العائدات التي شهدت تسربا كبيرا خلال السنوات الماضية، وتسببت في نقص احتياطات البنك المركزي من العملات الصعبة.
وطالب شيخون الحكومة أيضا بتسريع الإجراءات اللازمة لامتصاص الكتلة النقدية الهاربة خارج القطاع المصرفي والمقدرة بنحو 90 تريليون جنيه أي أكثر من 90 في المئة من مجمل الكتلة النقدية في البلاد.
خطوة مفاجئة
وفي خطوة مفاجئة؛ اعلنت الحكومة السودانية في الحادي والعشرين من فبراير الماضي؛ توحيد وتحرير صرف الجنيه السوداني لوقف المزيد من الانفلات في أسعار الصرف. وخفض البنك المركزي حينها الجنيه بمقدار 700 في المئة محددا 375 جنيها سعرا تأشيريا مقارنة مع 55 جنيها قبل التعويم.
وهدفت تلك الخطوة إلى إزالة التشوهات والاختلالات التي يعاني منها الاقتصاد السوداني المثقل بالمشكلات والازمات في ظل ارتفاع الديون إلى أكثر من 60 مليار دولار والتضخم إلى ما فوق 360 في المئة.
وساعدت هذه الخطوة التي جاءت ضمن حزمة من الإصلاحات الاقتصادية على تحسين علاقة السودان بمؤسسات التمويل الدولية مما اهله للاستفادة من مبادة اعفاء الدول الفقيرة المثقلة بالديون “هيبيك” والحصول على تمويلات جديدة تقدر بأكثر من 4 مليارات دولار خلال الاسابيع الماضية.