السياسي -وكالات
تعترف الشركات الصينية بحصولها على كثير من الدعم من الحكومة المركزية في بكين، مما سهل دخولها للقارة السمراء والمشاركة في عطاءات المشاريع الحكومية العملاقة، وربما المزايدة في بعض الأحيان على مشاريع المساعدات الصينية.
واليوم، وبعد أكثر من 40 عاماً، تمتلك الشركات الصينية قدراً كبيراً من الخبرة في تقديم العطاءات على العقود. وهناك الكثير من الشركات الصينية التي تتمتع بقدرة تنافسية عالية في جميع أنواع مشاريع البناء المتوسطة إلى الكبيرة، لتشكل أفريقيا ثلث أعمال البناء في الخارج للشركات الصينية.
لكن ما تغير اليوم هو مصدر التمويل، حيث يقول هونغ تشانغ الباحث في كلية “ستشار” للسياسة والحكومة بجامعة جورج ميسون في وست فرجينيا، في دراسة حديثة، إن مقاولي البناء والهندسة الصينيين “حققوا مكانة مهيمنة في السوق الأفريقية، وكانوا يربحون على نطاق واسع، وكان وجودهم قوياً في المشاريع الأكثر تطلباً من الناحية الفنية، والتي لا يستطيع المقاولون المحليون القيام بها”. وأضاف أنه بحلول عام 2019، استحوذت الشركات الصينية على 60 في المئة من عائدات جميع المقاولين الدوليين الرئيسيين في القارة، مما يجعل الصين المهيمنة في مشاريع البناء فيها.
وأضاف تشانغ أنه على الرغم من أن قدرة الشركات الصينية على الحصول على تمويل من المؤسسات المالية الصينية هي مصدر رئيس لقدرتها التنافسية، فإنها قد لا تعتمد على التمويل الصيني كما يفترض الكثير من الناس. وتشير الدراسة التي أوردتها صحيفة “ساوث تشاينا مورننغ بوست”، إلى أن “معظم أنشطة التعاقد الصينية في أفريقيا لم يتم تمويلها من خلال القروض الصينية”.
وقال تشانغ إنه في عامي 2003 و2016 فقط تجاوزت القروض 50 في المئة من حجم أعمال التعاقد، بينما كانت النسبة في معظم السنوات أقل من 30 في المئة.
وأشارت الدراسة الحديثة إلى أن الشركات الصينية يمكن أن يكون لديها مصادر تمويل مختلفة، لكن البنوك الصينية لا تزال هي الأكثر أهمية بالنسبة لها. ويعتقد تشانغ أن الشركات الصينية تلجأ اليوم وبشكل متزايد إلى مصادر بديلة، مثل إصدار السندات وسوق الأسهم وصناديق الاستثمار.
عقود رئيسة للبنك الدولي
وقال تشانغ إنه بين عامي 2000 و2020، فازت نحو 250 شركة صينية بعقود رئيسة للبنك الدولي في أفريقيا. وبين عامي 2017 و2019، ذهب ما يقرب من 35 في المئة من جميع العقود الرئيسة الممنوحة من البنك الدولي إلى الموردين الصينيين.
وفازت الشركات الصينية أيضاً بأكبر قيمة لعقود في أفريقيا عبر بنك التنمية بين عامي 2013 و2018، بقيمة إجمالية تقدر بـ4.4 مليار دولار أميركي، أي أربعة أضعاف قيمة العقود التي فازت بها الشركات الفرنسية، التي احتلت المرتبة الثانية، وفقاً لقائمة العقود الممنوحة لبنك التنمية الأفريقي (2013-2018).
واستحوذت الشركات الصينية على 27.9 في المئة من إجمالي قيمة عقود بنك التنمية الأفريقي خلال الفترة ذاتها.
السوق الأفريقية
وقال تشانغ إنه من المحتمل أن المتعاقدين الدوليين الآخرين لم يجدوا السوق الأفريقية مربحة، بالتالي كانوا أقل نشاطاً فيها. وأضاف، “أعتقد أنه قد يكون من العدل أن نقول إن الشركات الصينية أكثر حرصاً من منافسيها الدوليين على العمل في السوق الأفريقية، حتى لو كانت ربحية المشاريع موضع شك”.
وبحسب الصحيفة، فقد تمت معاقبة العديد من الشركات الصينية من قبل البنك الدولي. ففي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فرضت عقوبات لمدة 18 شهراً على شركة “تشاينا ناشيونال إليكتريك إنجينيرنغز كو” وشركتها الفرعية المملوكة بالكامل لشركة “تشاينا إلكتريك ديزاين أند ريسيرتش انسيتيوت كو”، فيما يتعلق بالممارسات الاحتيالية المتعلقة بمشروع إعادة تأهيل النقل والتوزيع في لوساكا في زامبيا.
وتشير الدراسة الحديثة إلى أن المقاولين الصينيين كانوا القوة الدافعة وراء مبادرة الحزام والطريق، موضحة أنها “يمكن أن تدعم أيضاً التحديث الصناعي للصين من خلال تخفيف الطاقة الفائضة في بعض الصناعات”.
العروض المنخفضة للشركات الصينية
وقالت يون صن، مديرة برنامج الصين في مركز “ستيمسون” بواشنطن، إن الشركات الصينية فازت بعديد من العطاءات بسبب عروضها المنخفضة. وأضافت، “مقاولو البنية التحتية الصينيون قادرون على المنافسة، لذلك ليس تمويل الحكومة الصينية هو الذي يساعدهم بالكامل”، مشيرة إلى أن “التمويل يساعد من حيث إنشاء مزيد من المشاريع التي قد لا تكون موجودة، لكن هذا لا يعني أنه من دون تمويل الحكومة الصينية، فإن شركات البناء الصينية ليست قادرة على المنافسة”. وتابعت، “إنها مشاريع ذات نوعية جيدة عندما يكون السعر مناسباً”.
عندما طرحت كينيا مناقصة بقيمة 215 مليون دولار أميركي لبناء سد رئيس في الجزء الغربي من البلاد، تلقت أربعة عطاءات كان اثنان منها من شركات المقاولات الصينية، شركة “جيانغشي” الصينية للتعاون الاقتصادي والتقني الدولي وشركة “تشاينا جيزوبا”، وكلاهما يشارك بالفعل في بناء مشاريع البنية التحتية الكبرى، بما في ذلك المطارات وسدود الطاقة، في أفريقيا.
وفازت “جيانغشي” بالمناقصة، لكن “تشاينا جيزوبا” طعنت بها في مجلس مراجعة إدارة المشتريات العامة، قائلة إنها قدمت عرضاً أقل بكثير من الذي قدمته منافستها.
وفي تنزانيا ما عليك إلا النظر إلى العمارة الأكثر إثارة للاهتمام في أفق دار السلام، وعلى الأرجح أنك تنظر إلى مبنى صممه مهندس معماري صيني وبنته شركة صينية.
وفي إثيوبيا، أذكر عندما زرت مبنى المفوضية الأفريقية في أديس أبابا، قبل أكثر من 10 سنوات، قيل لي إن المفوضية كانت هدية العمارة الصينية إلى القارة الأفريقية.
بصمات الصينيين موجودة في مشاريع البنية التحتية منذ عام 1979، واليوم تصحو الولايات المتحدة من سباتها العميق لوقف المد الصيني في أفريقيا من بوابة الأمن القومي، فهل ستنجح بعد أن غرست بكين جذورها في القارة لعقود طويلة وبدأت تحصد ما زرعته؟